صباح يوم عيد الفطر المبارك تلقيت تهنئة جميلة من ابن شاب عزيز أرمز لاسمه بـ (م.س) منعاً للإحراج إن كان ثمة إحراج. بدأ الابن تهنئته بمقولة للفيلسوف الفرنسي أوغست كونت: «لكي تحتفظ بالسعادة عليك أن تتقاسمها مع الآخرين». قلت لنفسي إن وطناً يعطينا مثل هؤلاء الشباب هو بخير بكل تأكيد مهما اشتدت العتمة وعلت الأصوات النشاز من كل حدب وصوب محاولةً تمزيقه وزرع الكراهية والاحتراب بين أبنائه.
عليك أن تسأل نفسك هل يمكن لك أن تكون سعيداً في بيتك إذا كان أحد أفراد أسرتك غير سعيد؟ عليك أن تسأل نفسك هل يمكن لك أن تكون سعيداً إذا ألمت بجارك مصيبة وعلمت بمصيبته؟ هل يمكن لسعادتك أن تكتمل إذا كان هناك مواطنون يشاركونك الوطن يعانون؟ أعتقد أن السعادة مهما تعددت مصادرها ستكون على الأقل ناقصة وغير مكتملة إذا كان هناك ثمة مصدر ما لا يجلب السعادة لك؛ لذلك فإن السعادة هي دائماً نسبية وليست مطلقة، وكل ما هو متوجب علينا عمله هو أن نحسّن مستوى السعادة لدينا، فإذا كان هناك مصدرٌ لخللٍ ما يسبب لنا عدم السعادة أو يقلل من مستواها، علينا في هذه الحالة أن نعالج حالات الخلل التي تؤثر على سعادتنا.
مساء يوم عيد الفطر المبارك سعدت بزيارة لمجلس محمد جاسم سيادي في البسيتين للتهنئة بالعيد والالتقاء بالأصدقاء الأعزاء. وأنا جالس في هذا المجلس الكريم الذي أبى أصحابه وهم في بداية استقبال الأصدقاء والمواطنين فيه إلا أن يعطروه بحب الوطن وحب مواطنيه جميعاً دون تفرقة. وأنا جالس استغرقت في عبارات جميلة خطت على (يافطة) زينت قاعة المجلس، طوال جلستي وأنا أقرأ العبارات وأكرر قراءتها عدة مرات وأتأمل في معانيها الجميلة، في وقتٍ يحتاج فيها الوطن والمواطن إلى مثل هذه الكلمات؛ لأن فيها معاني تجمع بين الدعوة للوحدة والدعوة للمحبة، والدعوة للسعادة الوطنية والإنسانية الجامعة؛ دعوة لا تقبل تشطير الوطن على أسسٍ طائفية أو إثنية أو قبلية أو عرقية أو اجتماعية؛ دعوة تحمل كل معاني الإنسان، تقول تلك العبارات: (هناك جمعٌ... لا يقبل تشطير الوطن... ولا يفرق بين المواطنين... ولا بين إنسانٍ وآخر... تشطيراً إلى دين ومذهب... وجنس وأرض... فالكون كله الإنسان... وما تفرعه إلا مواطن... هنا وآخر هناك... فما الأرض من دون البشر إلا تراب وحجر).
الإنسان الطبيعي السوي صافي القلب والنية يفرح لفرح الآخرين ويحزن لحزنهم، يزداد فرحاً وسعادة وراحة نفسية عندما يكون هو سبباً في سعادة الآخرين وفرحتهم وبسمتهم. أما الذي يعيش على شقاء الآخرين وكرههم فلن يجني السعادة الحقيقية، فسعادته التي يدّعيها هي سعادة وهمية لا تمت للسعادة الحقيقية بصلة. فهل من صفات الإنسان السوي أن يفرح ويسعد لآلام الآخرين وشقائهم وإن اختلفوا معه في الدين أو العرق أو الإيديولوجيا أو الرأي؟ إن مجتمعاً يبنى على سعادة البعض وتعاسة الآخر هو مجتمع غير سعيد بالتأكيد وإن تصور بعض المرضى أن سعادتهم في ذلك.
كم يكون ألمنا شديداً عندما نرى على شاشات التلفاز كوارث الطبيعة تفعل فعلها في الإنسان سواء في بنجلاديش أو الصومال أو اليابان أو أميركا، شعورنا تجاه الإنسان هو نفس الشعور، نتألم للجميع لا فرق لدينا بين الياباني والأميركي والبنغالي والصومالي بسبب عرقه أو دينه أو مذهبه، ربما يتضاعف ألمنا تجاه الصومالي والبنغالي لأن معاناته مضاعفةً عن معاناة الياباني أو الأميركي.
هل هناك أحدٌ منا لم يمرّ بحالاتٍ من الحزن والفرح؟ هل هناك أحد منا لم يفقد عزيزاً لديه بسبب الوفاة؟ هل هناك أحدٌ منا لم تحدث لديه مناسبة فرح؟ بالتأكيد أننا جميعاً مررنا بمثل هذه الحالات. ألم يخفَّ ألمنا وحزننا في حالة مرورنا بحالة حزن يشاركنا آخرون فيها بالمواساة؟ ألم نشعر بالفرح مضاعفاً عند مشاركة أهلنا ومعارفنا وأصدقائنا في احتفالاتنا بالمناسبات السعيدة؟ هل يكون الطفل أكثر سعادةً عندما يلعب منفرداً أم عندما يشاركه أقرانه اللعب؟
هناك الكثيرون وهم غالبية بني الإنسان يسعدون عندما يكونون هم السبب في إسعاد الآخرين، وهناك البعض القليل من المرضى الذين يسعدون عندما يتسببون في شقاء الآخرين. إنه أمر رائع أن يكون الإنسان سبباً في سعادة الآخر، وهو أمرٌ مؤسفٌ أن يكون هناك من يتسبب بقصد في شقاء الآخرين. الصنف الأول هم البشر الأسوياء، أما الصنف الثاني بالتأكيد هم بشر غير أسوياء. علينا أن نسأل إلى ماذا يدعو ديننا، بل إلى ماذا تدعو كل الأديان السماوية وغير السماوية؟ إلى ماذا تدعو القواعد الإنسانية السليمة؟
الوطن سيكون بخير مهما اشتدت الصعاب وقست الظروف مادام أهله متحابين يفرحون لفرح بعضهم البعض ويحزنون لحزن بعضهم البعض. مادام للمحبة مكان في النفس بعيداً عن الحقد والكراهية فالوطن في أمان، وسيكون هو ومواطنوه بألف خير وسلام. أما إذا دخلت الضغينة والكراهية إلى النفس فلا يمكن للوطن وأهله أن يكونوا سعداء، ذلك هو الهدم الحقيقي للوطن.
علينا أن نتفكر ونتمعن، وألا ندع المجال لأية غمامة لتحجب عنا الرؤية، وليكن شعارنا وعملنا جميعاً شعار المحبة والتآلف، وأن نفتح قلوبنا وعقولنا لبعضنا البعض لنتبيّن الخيط الأبيض من الخيط الأسود... ففي ذلك سعادة لنا وسعادة للوطن
إقرأ أيضا لـ "شوقي العلوي"العدد 3292 - الأحد 11 سبتمبر 2011م الموافق 13 شوال 1432هـ
مفارقه يا استاذ شوقي
بعض الناس لا تكتمل سعادته الا اذا رأى السعاده تلف من هم حوله ومن يعرفهم هذا هو الشخص السوي البعض الاخر لايمكن ان يكون سعيد الا بعد ان يرى عباد الله متمرمرين في حياتهم وهذا لايمكن ان يشفيه طبيب او الف طبيب نفساني لان نفسه مريضه تطبعت بهذا الطبع العفن والعرب تقول لايخرج الطبع حتى تخرج الروح
المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده
قد تجد من المسلمين من يحافظ على أداء الصلاة في أوقتها ويؤدى حق الله ويساعد الفقراء على قضاء حوائجهم ويحج لبيت الله ومع هذا الخير كله لا كنه لا يستطيع أن يحكم لسانه عن السب والشتم واللعن والتعريض على قطع أرزاق العباد وتمزيق لحومهم والعمل على شق صفوف وحدة المجتمع!! فكيف يكن مسلم؟؟؟
أبو حسن
هل يشعر بالسعادة من يكون سبب في تعاسة الآخرين ؟؟؟ وكيف تغمض له عين وهو يعلم أن هناك من لا ينام بسببه ؟؟؟ إنها من قسوة القلوب دمت أخي