نشرت مجلة «التايم» السنة الماضية، في خضمّ خلاف استفحل حول بناء مركز إسلامي في منهاتن السفلى، نشرت تقريراً غلافياً عنوانه «هل تعاني أميركا من الرهاب الإسلامي؟» بعد ذلك بفترة قصيرة، أظهر استطلاع نشرته «التايم» أن نحو ستة من كل عشرة أميركيين لهم وجهة نظر سلبية تجاه المسلمين. كما كشف استطلاع أجرته مؤسسة غالوب في السنة نفسها أن أربعة من كل عشرة أميركيين يعترفون أنهم «يشعرون على الأقل ببعض التحامل» تجاه المسلمين.
وقد أشار استطلاع غالوب إلى أن هذه المواقف السلبية ظهرت على الأرجح بسبب أن معظم الأميركيين (62 %) لا يعرفون شخصياً أي شخص مسلم. أدّت العناوين المتواصلة بشأن العنف باسم الإسلام بواحد من كل أميركيين اثنين تقريباً لأن يصل إلى نتيجة خاطئة مفادها أن دين الإسلام يشجع على العنف أكثر من أي دين آخر.
إلا أن هناك واقع آخر يكمن وراء العناوين الرئيسية.
توصّلت دراسة أجراها حديثاً مركز غالوب أبو ظبي الذي أُنشئ حديثاً، إلى أن «المسلمين الأميركيين قانعون بحياتهم الحالية وهم أكثر تفاؤلاً من جماعات الإيمان الأخرى بأن الأمور في تحسّن». يستمر المسلمون في أميركا بتوقع مواقف إيجابية على رغم سوء فهمهم من قبل الكثيرين، وإضفاء الشيطانية عليهم من قبل البعض.
كتب مركز قانون الفقر الجنوبي، وهو منظمة حقوق مدنية أميركية غير ربحية مكرّسة لمقاومة التعصب العرقي، في تقرير له حديثا أن «... بعض الأميركيين، الذين دفعهم ناشطون أذكياء وسياسيون انتهازيون وإعلاميون حاقدون نحو مشاعر الاضطهاد والشك، يبدون على استعداد وتهافت لحرمان المسلمين من ضمانات الحرية الدينية وافتراضات البراءة». اضطرت التربوية ديبي المنتصر في نيويورك إلى الاستقالة من مدرسة علمانية عربية إنجليزية حكومية بعد أن أسيء نقل تصريحات لها من قبل الـ «نيويورك بوست»، استغلها «ناشطون حذقون» ليقولوا ضمنيّاً وبطريقة غادرة أنها تدعم العنف. ولكن عندما حاولت مجموعة مماثلة من الشخصيات إثارة خلاف من خلال إساءة نقل تصريحات لي بهدف إفشال ترشيحي لهيئة حقوق الإنسان في جاكسونفيل، تم دحرهم بشكل فاعل بعد أن وقف قادة مؤثرون لإدانة هذا الاتهام، الأمر الذي أدى بمجلس المدينة لأن يصوت لصالح ترشيحي.
قام الناشطون من أقصى اليمين هذه السنة باستنفار الناخبين في أوكلاهوما لإقرار تعديل دستوري يمنع القضاة من تمرير الأحكام بناء على الشريعة الإسلامية. قام قاض فيدرالي بمنع تطبيق هذا الاستفتاء، إلا أن هناك نحو اثنتي عشرة ولاية تفكر بتطبيق هذا «المنع» للشريعة الإسلامية. في هذه الأثناء يستمر عضو الكونجرس بيتر كنغ من نيويورك بسلسلة من جلسات التحقيق غير المتوازنة في الكونجرس بشأن «التطرف» بين الأميركيين المسلمين، التي تصور الجالية المسلمة بصور نمطية سلبية بموافقة الحكومة الأميركية.
رغم الجهود التي يتم بذلها لتهميش هذه الجالية، تبقى حياة المسلمين في أميركا نشطة ويافعة ومليئة بالفروقات الدقيقة. حسب استطلاع غالوب، يبلغ معدل سن الأميركي المسلم أقل بشكل ملفت من معدل سن أتباع الديانات الأخرى. يفسر هذا المعدل الشاب سبب كون المسلمين أقل احتمالاً للتصويت رغم أن لديهم المواقف والتوجهات الأكثر إيجابية تجاه الديمقراطية الأميركية، ورغم أن لديهم كذلك التوجه الأقل إيجابية تجاه تطبيق القانون والمشاركة العسكرية الأميركية في الخارج.
ومن بين الاحتجاجات والتذمرات الأكثر شيوعاً عن المسلمين أنهم لا يدينون الإرهاب بالدرجة التي يجب أن يفعلوا ذلك بها. في أعقاب تفجيرات لندن العام 2005، كتب توماس فريدمان، كاتب العمود في الـ «نيويورك تايمز»: «حتى يومنا هذا، لم ينشر أي رجل دين مسلم رئيسي أو هيئة دينية، فتوى تدين أسامة بن لادن». تساعد تصريحات زائفة وغير منطقية كهذه على تصليب الرؤى الخاطئة عن كون المسلمين متعاطفين مع الإرهاب. قام خوان كول من جامعة ميشيغان وتشارلز كورزمان من جامعة نورث كارولاينا بتوثيق الكثير من الفتاوى والتصريحات من علماء مسلمين وجماعات إسلامية تدين الإرهاب. لا يحتاج المرء إلا لإدخال تعبير «المسلمون يدينون الإرهاب» أو «تصريحات إسلامية ضد الإرهاب» على أي محرك بحث على الإنترنت لقراءة مجموعة واسعة من التصريحات ضد الإرهاب.
الواقع أن آخر استطلاع أجرته غالوب يظهر أن تسعة من كل عشرة أميركيين مسلمين يقولون إنهم لا يتعاطفون مع «القاعدة»، وينظرون إلى أنفسهم كأميركيين يكنّون الولاء لبلدهم. وتظهر نتائج الاستطلاع كذلك أن المسلمين هم الأقل احتمالاً من بين الجماعات الدينية كافة لأن يقولوا إن هناك أي تبرير لمهاجمة المدنيين. إلا أن معظم زملائهم الأميركيين لا يرون المسلمين على أنهم وطنيون. وحتى يتسنى كسب قلوب وعقول زملائهم الأميركيين، يتوجب على المسلمين قضاء المزيد من الوقت ليس فقط في تثقيف الآخرين حول دينهم وإنما زيادة التزامهم بمحاولات ومهمات تشجّع الصالح العام.
بدأ إعلام التيار الرئيسي ومجموعات مدنية حديثاً بالتساؤل حول أساليب وحوافز شبكة المعادين للمسلمين. يظهر تقرير من مركز التقدم الأميركي، وهو منظمة بحوث واستقطاب تقدمية، أنه بين الأعوام 2001 و2007 تبرعت مجموعة من المانحين الأغنياء بما مجموعه 42 مليون دولار لتمويل نشاطات معادية للمسلمين. ورغم أن مسار هذه الأموال لم يسبق له مثيل، فإن التحديات التي تواجه المسلمين، من نواحٍ كثيرة، لا تختلف عن تلك التي واجهتها الأقليات الدينية الأخرى في كفاحها للانخراط في أميركا. ويوفر ذلك الأمل لأن الجماعات المهمشة وجدت في نهاية المطاف قبولاً واحتراماً في مجتمع التيار الرئيسي
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 3292 - الأحد 11 سبتمبر 2011م الموافق 13 شوال 1432هـ