العدد 3290 - الجمعة 09 سبتمبر 2011م الموافق 10 شوال 1432هـ

إذا فكـَّرت «الوسط» فكر بعدها الآخرون

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

عندما تسافر، تكتشف أن "الوسط" هي صحيفة ذات حضور مختلف. يسألك عنها كثيرون (وهم من هناك)، ويتفاعلون مع أخبارها، ويمنحونك تحليلاً بُنِيَت قوائمه على أخبارها. في غير مرَّة أقِف على ذلك، وفي بُلدان عِدَّة. عندها تكتشف أنها فعلاً صحيفة مختلفة، ومجال تأثيرها أكبر من أن توصَف بأنها محليَّة في إصدارها وتأثيرها. فما يُكتب في "الوسط" يحتاج إلى أن يُكتب عشر مرات في مكان آخر لكي يأكل ذات الرقعة التي وصل إليها تأثير "الوسط".

قبل أيام (في 7 سبتمبر / أيلول 2011) أكمَلت "الوسط"عامها التاسع. ومن الصُّدَف أن يقترن عامها التاسع بتفسير لفظة "تسعة" التي يلفظها العرب والسَّبئيُّون والليحانِيُّون بالسين، والسِّريانيون والعبريون بالشين. ومن التندُّر أيضًا أن يُذكر هذا الرقم في سورة الإسراء (آية رقم 101)، وكذلك في سورة النمل (في الآيتين 12 و48) وص (23) والمدثر (30)، أو أن تراه رقمًا حاضرًا بشكل متفِق وغريب لدى الحضارات القديمة، سواء عند الهنود أو الفراعنة، أو حتى في تراث فيتاغورس أو هوميروس العظيم وحساباتهما الرياضية وربطها بمسائل الاعتقاد.

هنا نتساءل: ما الذي جعل "الوسط" بهذا الحجم من التأثير والانتشار، بحيث يسمع لها الناس ويترقبوها خبرًا ورأيًا، وتأتيها جوائز التقدير إلى حيث هي (جائزة الإعلام الإلكتروني، جائزة الصحافة السياسية، جائزة الصحافة العربية)؟ باختصار، السبب في ذلك هو أن "الوسط" كانت إذا ما فكرت في شيء اليوم سيُفكِّر فيه غدًا آخرون، بالضبط مثلما كانت مانشيستر بالنسبة للندن بعد العام 1820م، إنه الإدراك المبكر للأمور ومآلاتها وتقديراتها.

لقد كانت "الوسط" تقول ما يجب أن يُقال، وتصمت على ما يجب الصَّمت عليه، بالضبط مثلما يفعل العقلاء. تعضّ على الجراح ولا تنكأها، رغم أن دقيقة الألم ساعة، وساعة اللذة دقيقة. لم تقدح في هذا، أو تجرِّم ذاك، ولم تهرف بما لا تعرف، رغم صديد الألسن، وقيح الأقلام؛ لأنها كانت تدرك بأن الغضب وقِلة الاحتمال، هما أعداء الفهم الصائب، مثلما كان يقول المهاتما غاندي. هذا هو سر "الوسط" الحقيقي، فكان لها ما كان من شأوٍ كبير، وتقدير واسع.

وحتى عندما "ماجَ غيْهَبُهَا، واشتدَّ كَلَبُها"، كانت "الوسط" حريصة على أن تقول ما يجمع، وتباعِد عنها كل ما يُفرِّق، واضعة في أذنها اليُمنى طِيناً، وفي اليُسرى عجيناً لكي لا تنزلق في موبوء الحال، وسَفاسِف الكلِم، بل إنها كانت إذا ما رأت رُمْحَان قد تخاصَما صارت بينهما حائلاً، لكي لا يخدش الأهل بعضهما، حرصًا منها على رصِّ الصفوف ووحدة الكلمة.

لم تكن "الوسط" لتنتمي يومًا إلا إلى جنس الناس، إيماناً منها بأن خدمتهم وقضاء حوائجهم هي الأوكد؛ فخواتيم الأعمال هي في قضاء حوائج الإخوان. فعندما تتصفح "الوسط" ترى ما يُفيد بذلك. تتحدث عن مأساة هنا، ومشكلة هناك. تقول ما يُعانيه هؤلاء وأولئك، وتقِف معهم، لتصبح الكلمة على قراطيسها لها قيمة مُضافة ومُضاعفة، عبر وَصْلِها بآهات تصدح من البيوت والطرقات والأعمال وطالِبي الحقوق، لقد كان ذلك الانتماء لجنس الناس وهمومهم هو من أشرف الانتماءات وأكثرها انسجامًا مع الضمير الإنساني، تاركة انتماءات التأليب والتحريض والتأثيم والتخوين والشتيمة والنميمة والبهتان لمن يريدها، لأنها كانت مؤمنة بأنه يحق لأي مجتمع إجبار آخر على أن يكون متحضرًا كما كان يقول الفيلسوف الإنجليزي جون ستيوارت ميل.

ليس ذلك فحسب، وإنما شكل ظهور "الوسط" فرصة سانحة للطبقة الوسطى في البحرين إلى أن تتقدم خطوات كبيرة، وتتموضع في مكان مَنحَها القدرة على الحديث وتقديم نفسها على أنها حاضرة وقوية وصاحبة رأي، بالضبط مثلما ارتبط العام 1812م بظهور مصطلح الطبقة الوسطى في أوروبا.

لقد شكلت "الوسط" مفصلاً تاريخيًا لهذه الطبقة وَهَبَها الدينامية، والثقة بالنفس، وأن تستحصل لها إعلامًا داعِمًا مثلما حصلت عليه من قبل في أوروبا من الليدز ميركوري والمانشتر غارديان والمانشستر تايمز في منتصف القرن التاسع عشر.

كما كانت "الوسط" أكبر داعِم للمشروع الإصلاحي الذي دشنه عاهل البلاد جلالة الملك. وكانت عَوناً وسندًا له. وكان إذا ما ذكرت عملية الإصلاح في البحرين ذكرت معه "الوسط" على أنها أحد مظاهره الناجزة، حيث مارست "الوسط" دورًا محوريًا في تقديم صورة جديدة للإعلام في البحرين، سواء من حيث التقنية أو المضمون والجِدَّة. وكانت رافعة قوية لتقويم الأشياء، ومعالجة المثالب، وتوضيح الصورة، وهي حقيقة دور الصحافة الإيجابية الذي من المفترض أن تقوم به.

لقد واكبتُ "الوسط" بعد أقل من عام من صدورها. وفي كل مرة أقوم فيها بعملية جَرْد ذاتي لما أكتبه فيها يتضح لي أن لهذه الصحيفة جيشًا كبيرًا من المتابعين والقراء، يلتقون بك وجهًا لوجه أو بالهاتف أو بالبريد الإلكتروني أو عبر مرسال، ويُواجهونك بأسئلة فيها من النباهة والذكاء والتحدِّي الذهني ما يُبهرك، ويفرضون عليك أن تتحدث بشكل صحيح وأن تكتب بما هو يفيد وإلا فإنك مُعرَّض للمساءلة المعنوية. وهو ما يجعل الأمر غاية في الجدِّية، والمسئولية، لكنه أيضًا مليء بالحيوية والتشجيع وحُب القلم والأهم منه حُب القرطاس الذي يُكتب عليه، وهو أيضًا السِّر في أنني أحبّ "الوسط"

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3290 - الجمعة 09 سبتمبر 2011م الموافق 10 شوال 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 12 | 8:57 م

      شكرا للكاتب

      مقال ممتاز

    • زائر 10 | 6:43 ص

      شكرا فالى الامام

      فعلا الوسط نقلتنا نقلة نوعية في فن الحوار والطرح لكل قضايا المجتمع و اصبحنا لدينا الطلاقة في التعبير عن كل ما يحقق لنا النمو والحياة الافضل ولو لم تكن الوسط لاصبحنا ننعق مع الناعقين وكما يقول ان لم تكن معنا فانت عدونا لمجرد وجهت نظر والله ولى التوفيق ،،،

    • زائر 9 | 5:17 ص

      غاية المقال هو أن الوسط

      تقول ما يجب أن يُقال، وتصمت على ما يجب الصَّمت عليه، بالضبط مثلما يفعل العقلاء. تعضّ على الجراح ولا تنكأها

    • زائر 7 | 3:34 ص

      للأمانة

      نعم أقولها و بأمانة في البحرين و اينما أذهب وتوجد جرائد للقراءة العامة إلا أن الكل يسأل عن الوسط ليقرأءها وعن نفسي لو قرأت جميع الجرائد البحرينية فلا تغنيني عن الوسط بل كثيرا ما أقرأ الوسط فقط و أكتفي بها. وبالفعل كما ذكر الكاتب في العنوان : إذا فكرت الوسط فكر بعدها الآخرون.

    • زائر 5 | 1:53 ص

      كل عام والوسط بخيير

      سنحب الوسط وسنظل كذلك والله يخلي هالاقلام النظيفة ذات الحس الوطني وكل عام والوسط بخير .

    • زائر 3 | 12:58 ص

      انتم رجالها

      انتم رجالها والقادرون عل حمل شعله المعرفه

    • زائر 1 | 10:16 م

      ابو حسن

      خواتيم الاعمال هي في قضاء حوائج الاخوان دام قلمك اخي

اقرأ ايضاً