العدد 3289 - الخميس 08 سبتمبر 2011م الموافق 09 شوال 1432هـ

الأسمدة ودورها في زيادة الغلة الزراعية

إن المخاوف التي أثارتها أسعار المواد الغذائية الاستهلاكية ومدى توافر الإمدادات العالمية من الغذاء لتلبية الطلب المتزايد منذ العام 2008 ساهم بشكل مؤثر في إدراك أهمية دور الأسمدة في الزراعة لزيادة الغلة الزراعية وتحقيق الأمن الغذائي العالمي لسكان الأرض الآخذة أعدادهم في الازدياد.

جاء ذلك في التقرير الذي أعده الاتحاد العالمي للأسمدة (IFA) عن أهمية الأسمدة في القطاع الزراعي ودورها في تحقيق الموازنة الغذائية للأعداد الهائلة التي تعيش على سطح البسيطة.

وتعتبر الزراعة قطاعاً اقتصاديّاً حيويّاً تَحفُّ به المخاطر نظراً إلى ارتباطها الوثيق وبشكل أساسي بالظروف المناخية كما تواجه اليوم العديد من التحديات ومنها النمو السكاني المطرد والتغيرات التي تطرأ على العادات الغذائية للبشر وانحسار الرقعة والمسطحات الزراعية نتيجة التغيرات المناخية واستهلاك العناصر الغذائية في التربة نتيجة الزراعة المتكررة ناهيكم عن الزحف العمراني الذي اكتسح مساحات شاسعة من المسطحات الخضراء.

كل تلك التحديات أوجدت ضرورة حتمية للبحث عن الحلول التي يمكن من خلالها التغلب على كل تلك التحديات عبر تهيئة الظروف الملائمة للزراعة بالاعتماد على الأسمدة والمصادر الأخرى كالمياه والتربة الصالحة لزيادة الغلة الزراعية بمواصفات عالية الجودة.

وقد شهدت الآونة الأخيرة انخفاضاً حادّاً في مستوى المحصول في العديد من البلدان نظراً إلى استنزاف العناصر الغذائية في التربة بسبب الزراعة المتكررة وغير المتوازنة من دون اتخاذ أية إجراءات فعالة لإعادة خلقها باتباع الإدارة المثلى للأسمدة والتي تمد التربة بحاجاتها من العناصر الغذائية لتصبح أرضاً زراعية صالحة وخصبة.

وأضاف التقرير أن الاستهلاك المتزايد للبروتين الحيواني والفواكه والخضراوات والارتفاع الملحوظ في إنتاج الوقود الحيوي أكد الحاجة الملحة إلى تعزيز وزيادة الغلة من المحاصيل الزراعية بمختلف أنواعها باعتبار أن الاستخدام الأمثل للأسمدة والمصادر المغذية الأخرى للتربة يمكنها المحافظة على زيادة معدلات الخصوبة فيها وبالتالي المساعدة في زيادة الغلة الزراعية من دون التعرض لأية مخاطر بيئية.

وبيّن التقرير أن من العوامل المؤثرة على منحنى الطلب على الأسمدة أيضاً، زيادة دخل الفرد، ولاسيما في الدول المتقدمة حيث تساهم هذه الزيادة في حدوث تغيرات في السلوكيات الغذائية من حيث اتباع سبل غذائية مختلفة كانتهاج نظام الحمية والمفاضلة بين مختلف أنواع الأغذية، ما يساعد في زيادة الطلب على المنتجات الزراعية كالفواكه والحبوب بمختلف أنواعها.

وأظهر التقرير أن من أكثر المناطق نموّاً في العالم هي منطقة دول جنوب وشرق آسيا، التي من المتوقع أن تستحوذ على ما يقارب ثلثي الزيادة المتوقعة في استخدام الأسمدة عالميّاً خلال السنوات الخمس المقبلة.

وتشير التوقعات كما وردت في التقرير إلى أن مقدار الزيادة في الاستهلاك العالمي من الأسمدة ستبلغ حوالي 3,6 في المئة لزراعة المحاصيل المستخدمة في إنتاج الوقود الحيوي، بالإضافة إلى التوقع بوجود طلب قوي على الثروة الحيوانية ما قد يشكل ضغطاً على أسواق الحبوب والأعلاف يقابله انخفاض في مستوى العرض في الأسواق. ونتيجة لذلك فمن المتوقع أن ترتفع أسعار الحبوب بشكل ملحوظ كرد فعل للشح الذي قد تتسم به أسواق الحبوب ليس على الأمد القصير فحسب بل على الأمد البعيد أيضاً.

وتطرق التقرير إلى الاستثمارات في مداخيل المحاصيل بما في ذلك الأسمدة، حيث أوضح التحديات التي قد تواجه تلك الاستثمارات نظراً إلى إقدام المزارعين على شراء الأسمدة بشكل عام على أساس الائتمان وسداد الديون فقط عند بيع المحصول، ولذلك فإن العائد المتوقع من منحنى الأسعار المستقبلية للمحاصيل الزراعية قد يؤثر على قرار المستثمرين في قطاع صناعة الأسمدة.

وقد أظهرت الدراسات أن أسعار السلع الزراعية عادة ما تكون أكثر تأثيراً على القرارات الاستثمارية من أسعار الأسمدة نفسها. لهذا السبب فإن ارتفاع أسعار السلع الزراعية في السوق لابد أن يتبعه في العادة ارتفاع في مستوى الطلب على الأسمدة وقد حدث ذلك في العام 2007 وكذلك في العام 2010 حين بدأت أسعار المحاصيل الرئيسية كالحبوب مثلاً في الارتفاع اولاً ثم تبعه ارتفاع في أسعار الأسمدة.

تباع الأسمدة وكذلك المواد الخام والوسيطة لإنتاجها في الغالب بعقود آجلة ويتم تحديد السعر فيها مبدئياً لفترة معينة، على سبيل المثال ثلاثة أشهر، ستة أشهر أو حتى سنة ومن ثم يبدأ الموردون والمشترون بالتفاوض والاتفاق في نهاية المطاف على سعر البيع النهائي والملزم للطرفين وينعكس ذلك على منحنى الأسعار العالمي لها.

أما في السوق الفورية؛ فإن الكميات تباع كدفعة واحدة ويتم التفاوض بين الموردين والمشترين على سعر البيع لكل بيعة على حدة. وقد تختلف الأسعار للمبيعات الفورية من أسبوع لآخر متأثرةً بميزان العرض والطلب على الأمد القصير أو البعيد وتتسم أسواق الأسمدة وأسعارها بالشفافية حيث تقوم العديد من النشرات المتخصصة والمستقلة بنشر معلومات مفصلة عن تطورات تلك الأسواق وتوجهاتها، وتستخدم هذه النشرات غالباً مِّن قبل الموردين والمشترين في تحديد سعر البيع في ضوء الأسعار المنشورة فيها.

إن النقص المتزايد في إمدادات الأسمدة التي شهدتها الأسواق العالمية خلال الفترة من العام 2007 ومنتصف 2008 شجعت على اجتذاب العديد من الاستثمارات لبناء مصانع جديدة لصناعة الأسمدة إلى جانب تحديث بعض المصانع القائمة ولكن الجزء الأكبر منه تم إنفاقه لبناء وحدات إنتاجية كبيرة وحديثة وفعالة.

وبلغ حجم الاستثمارات لبناء المصانع الجديدة حوالي 40 مليار دولار أميركي وذلك لإنتاج مخصبات التربة الرئيسية بأنواعها الثلاث النيتروجينية، الفوسفاتية، والبوتاسية. وبحسب تقديرات الاتحاد (IFA) فمن المتوقع أن يتم استثمار 80 مليار دولار أميركي أخرى خلال الفترة ما بين العامين 2011 و 2015 وستتيح هذه الاستثمارات الفرصة لتوفير الركائز الرئيسية لتحقيق التنمية الزراعية المستدامة وبالتالي تحسين مستوى الأمن الغذائي.

وأشار التقرير إلى أنه من المتوقع أن يتم تشغيل نحو 55 وحدة جديدة لإنتاج اليوريا، وتوسيع 20 مشروعاً للمنتجات البوتاسية و40 مشروعاً للمنتجات الفوسفاتية في جميع أنحاء العالم للفترة ما بين 2010 و 2015. وبناءً على ذلك فإنه من المتوقع أن تنمو الطاقات الإنتاجية في اليوريا بمقدار 15 في المئة بين العامين 2008 و2011 على أن ترتفع النسبة لتصل إلى 21 في المئة بين العامين 2011 و 2015. وبذلك تكون الزيادة الإجمالية للطاقات الجديدة حوالي 64 مليون طن من اليوريا ما يمثل ضعف الطاقات المضافة مقارنة بالفترة ما بين 2000 و2008.

أما فيما يتعلق بالبوتاس فمن المتوقع أن تزيد الطاقات العالمية بمقدار 5 ملايين طن منذ العام 2008 حتى العام 2011، و19 مليون طن أخرى بين العامين 2011 و 2015، أما بالنسبة لسماد ثنائي فوسفات الأمونيوم فمن المتوقع أن تصل الطاقات الإجمالية 58 مليون طن مع حلول العام 2015، بزيادة وقدرها 40 في المئة مقارنة بالعام 2008 و 15 في المئة بالعام 2011.

وأوضح التقرير أن كل هذه التوسعات في الطاقات الإنتاجية لليوريا والبوتاس وسماد ثنائي فوسفات الأمونيوم قد تكون كافية لتلبية النمو المتوقع في الطلب على الأمد القصير. أما على صعيد التشغيل فلم تصل معدلات التشغيل للمصانع القائمة إلى طاقاتها القصوى خلال الفترة 2007-2008 ويعود سبب ذلك إما لأسباب إقتصادية أو لانخفاض تدفق الغاز الطبيعي إلى قطاع الصناعة ومنها الأسمدة لاستخدامه في توليد الطاقة الكهربائية، ما يوحي بأن هناك طاقات إنتاجية فائضة وكافية لاستيعاب التغيرات في الطلب. ومع ذلك، فإن العجز المؤقت في مستوى العرض والتأخير في تشغيل الطاقات الإنتاجية الجديدة قد تلقي بظلالها على الحالة السائدة للأسواق.

وشهدت قطاعات الطاقة والثروة المعدنية مؤخرا تقلبات في الأسعار مماثلة لتلك التي شهدتها أسواق السلع الأساسية وانعكس ذلك الى حد كبير على قطاع صناعة الأسمدة من حيث ارتفاع كلفة الإنتاج وتحديداً على الصناعات التي تعتمد على الغاز الطبيعي. وتواصل صعود أسعار الطاقة ما أسفر عنه ارتفاع كلفة التصنيع الخاصة بإنتاج الأسمدة بمختلف أنواعها ومنها النيتروجينية من جهة، وحدوث زيادة في تكاليف الشحن من جهة أخرى.

يشار هنا إلى أن كلفة الغاز الطبيعي الذي يعد المادة اللقيم في صناعة المواد الأولية للأسمدة مثل الأمونيا تمثل ما يقارب 70 في المئة من إجمالي كلفة الإنتاج لمادة الأمونيا وسماد اليوريا.

وفي ضوء ما تقدم، فقد تمكن عدد قليل فقط من الدول من الحفاظ على أنسياب صادراتها من الأسمدة والمواد الخام منذ العام 2008، في حين اتخذت بعض الدول الأخرى بعض التدابير للحد من الصادرات لتلبية الطلب المحلي وذلك عبر اللجوء إلى فرض ضرائب على صادرات الأسمدة كالصين التي فرضت ضرائب عالية على الصادرات من سماد ثنائي فوسفات الأمونيوم واليوريا فاقت في نسبتها 100 في المئة في بعض الفترات في حين تراوحت نسبتها بين العالية والمنخفضة على مدار العام، وتم مؤخراً تمديد فترات التعريفات المرتفعة خلال العام 2011 مقارنة مع الأعوام السابقة. ومن شأن هذه التدابير أن تؤثر على مستوى العرض والكميات المتاحة للتصدير إلى الأسواق الدولية حيث تبلغ حصة الصين حوالي 26 في المئة و20 في المئة من حجم التجارة العالمية من اليوريا وسماد ثنائي فوسفات الأمونيوم على التوالي حسب إحصائيات العام 2010.

وخلص التقرير إلى حقيقة مفادها أن التقلبات التي تشهدها أسعار المنتجات الزراعية والأسمدة هي نتيجة عدة عوامل تتفاوت بين طويلة الأمد ومنها النمو في مستوى الدخل وحدوث تغيرات في العادات الغذائية ولاسيما في الدول ذات الاقتصادات الناشئة ووضع الأهداف التنافسية لقطاع الزراعة بشكل عام بالإضافة إلى إنتاج الأغذية والأعلاف (على سبيل المثال إنتاج الألياف وإنتاج الوقود الحيوي والمواد الكيماوية الحيوية) والحالة السائدة لأسواق الحبوب العالمية (من حيث مستوى المخزون) وأخيراً في ارتفاع أسعار الطاقة العادية.

أما العوامل القصيرة الأمد فيمكن إيجازها في ضعف الاقتصاد في العديد من البلدان في أعقاب فترة التراجع والتدابير المتخذة لتقييد التصدير والظروف الجوية القصوى والكوارث الطبيعية في العديد من المناطق

العدد 3289 - الخميس 08 سبتمبر 2011م الموافق 09 شوال 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً