العدد 3285 - الأحد 04 سبتمبر 2011م الموافق 05 شوال 1432هـ

ما لا نريده لسورية وما لا نريده منها

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

لا نريد من سورية أن توقِفَ دعمها للمقاومتيْن اللبنانية والفلسطينية، ولكننا أيضًا لا نريد منها أن تبقى بلدًا ديكتاتوريًا. ولا نريد من سورية أن يتآمر عليها الغرب، لكننا أيضًا لا نريد منها أن تبقى محكومة بفرد وعائلة. لا نريد من سورية ألا تبقى قلعة للصُّمود، لكننا أيضًا لا نريد منها أن تطلق الرصاص على المتظاهرين. ولا نريد أن يُتلاعب بشئونها ومصيرها في أروقة الدول الكبرى، لكننا أيضًا لا نريد منها أن تصبح أسيرة للمادة الثامنة من الدستور.

ما لا نريده لسورية كثير، لكن ما لا نريده منها أكثر. على سورية أن تعلم (وأيضًا جميع الأنظمة العربية المشابهة) أن لا شيء يغسل أدران القمع والقتل ووزرهما حتى ولو كان ذلك محاربة إسرائيل. فاجتماعهما (المقاومة/ الديكتاتورية) مرفوض، وانفضاضهما غير مأسوف عليه، لتكون المعادلة الصحيحة هي: مقاومة/ ديمقراطية. فمعاداة إسرائيل ودعم المقاومة لا يستوجبان أن يكون حُكمِي غير ديمقراطي، ويُمكنني أن أحوز على الحسْنيَيْن معًا دون مشكلة، بل إن وجودهما بالتساوق، سيكون سندًا من بعضهما إليهما. هذه هي الحقيقة.

عندما دَعَمَ الملك لويس السادس عشر، آخر ملوك الرجعية الفرنسية الثورة الأميركية في العام 1776، لم يمنع ذلك من أن تقوم الثورة الأميركية لاحقاً بالتضامن مع الثورة الفرنسية، والتي اندلعت ضد الملِك ونظامه، وهو الذي كان قد ساند الأميركيين في ثورتهم؛ لأن القضية بالنسبة للثوار الأميركيين كانت أكبر من مسألة دعم سياسي أو عسكري، كانت أهدافه معروفة حينها، وهو العداء المشترك ضد الإنجليز، وهو ذات الأمر الذي انطبق على الايدلنديين أيضًا في فترة متقاربة من ذلك الزمن، عندما تضامنوا مع الثورة الفرنسية وتأثروا بها رغم الدعم الذي كانوا يلقونه من الملكية الفرنسية الرجعية لمعاونتهم ضد التغول الإنجليزي.

اليوم الرئيس السوري بشار الأسد، يعتد بنظامه القوي والحديد كما أكده آخر مرة خلال ظهوره العلني في التلفزيون السوري، لكن ما لا يُدركه الرجل هو أن الحسم السريع سواء في النصر أو الهزيمة ليس هو المعيار ولا هو نهاية السطر؛ وإنما ديمومة الحسم هي العُمدة. جميع الثورات التي اندلعت في أوروبا في منتصف القرن الثامن عشر انتهت إلى هزيمة الحرية لصالح الرجعية التي كانت تمتلك القوة المادية من جيوش مُدجَّجَة بالسلاح وبمساندة من مُرتزقة، لكن الأمر لم يدُم طويلاً حتى استقرت الأمور على الصواب فانتصرت الأولى وذهب ريح الثانية.

قوة النظام السياسي هو من اتساع الرضا عنه، وليس في اتساع عساكره ونفوذه المادي. هذا ليس مجرد تكتيك رياضي، وإنما هو نابع من استقامته مع طبيعة الأشياء. كل الأنظمة القمعية التي لا تسمح بمراوح تهوية في الحريات الممنوحة، ومكافحة الفساد، وإقامة المؤسسات الدستورية ذات الصلاحيات الحقيقية، وضرب مراكز القوى المتنفذة في الدولة، ستتلبسها ما كان يقوله هنري بروكس آدامز، من أن الفوضى ستُولـِّد الحياة عندما يُولد النظام العادة. هذه هي الحقيقة، وعندها لن يكون هناك جبلٌ يؤوي أحدًا من هؤلاء أبدًا.

عندما يتظاهر عشرات الآلاف من السوريين ضد النظام، فهذا يعني أن هناك مشكلة في المشروعية. وبمعنى آخر، فإن النظام بات لا يُغطي الجميع، فهو غير تمثيلي، ولا يُدافع عن مصالح المجموع. بالتأكيد لا يطمح أحد لنيل كل الرضا، ولكن أن تتظاهر النواة الصلبة من السوريين، من متعلمين وعُموم الفتوَّة السورية فهذا يعني أن شرعية التظاهر والرفض للنظام هي واسعة باتساع امتدادها الفعلي على خريطة المجتمع السوري بكامله. من هنا، يظهر القياس الحقيقي للحراك السياسي، وليس في انتماءات المتظاهرين، ولا في وجود مجاميع أخرى تؤيد السلطة، هي في الأساس لا تستطيع أن تلغي مسألة الحق مهما صَغرَت قوته، بل هنا يُصبح التأمل أوضح حين تجتمع الكثرة مع الدفاع عن استرجاع الحقوق.

ما نقوله ليس تطفلاً ولا هو تغريدٌ خارج السرب، لأن التاريخ هو الذي يُثبت لنا ما نقوله. قد يستغرب الكثيرون عندما أتندَّر كثيرًا بالمسألة الأوروبية، لكن الحقيقة التي أتشبث بها دائمًا هي أن تجربة العالم العربي تتشابه إلى حد بعيد مع تلك التجربة، سواء في مسألة الحركات والانتفاضات (الأدنى من الثورات في بعضها) أو في انهيار الأنظمة وما سيؤول إليه حال بعضها الآخر، وفي نهايتها كيف استقرت الأمور على مشاريع الديمقراطية والحريات.

هنا، لا أتذكر من نصحٍ لسورية ولغيرها من الدول إلاَّ ما ورَدَ عن الخليفة الراشد الإمام علي بن أبي طالب لواليه على مصر مالك بن الحارث الأشتر عندما أوصاه برعيته قائلاً «أطلِق عن الناس عقدة كل ّحقد، واقطع عنك سببَ كلّ وتر، وتغابَ عن كلّ ما لا يَضِحُ لك، ولا تعجلنَّ إلى تصديق ساع، فإنّ الساعي غاش، وإن تشبَّه بالناصحين. وأشعر قلبكَ الرحمة للرعيَّة، والمحبّة لهم، واللطف بهم، ولا تكوننَّ عليهم سَبُعاً ضارياً تغتنم أكلهم، فإنهم صنفان إمّا أخ لك في الدِّين وإمّا نظير لك في الخلق». فهل هناك أبلغ مما قال الأمير

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3285 - الأحد 04 سبتمبر 2011م الموافق 05 شوال 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 11 | 9:38 ص

      توضيح للرواية الشريفة ..... ام محمود

      الرجفة التي ذكرها الامام عليه السلام أو الهدة في بعض الكتب قد تعني زلزال عنيف أو ضربة صاروخية تستخدم فيها القذائف المدمرة __ لا أدري إذا كانت شخصية عثمان بن عنبسة موجودة في الواقع أم لا لأن العام الماضي وأنا أستمع للآخبار من راديو السيارة ذكرت المذيعة هذا الاسم هذا الشخص المعادي لفئة من المسلمين سيسفك الكثير من الدماء و سيستخدم المناشير والمساطير متى سيخرج لا ندري ولكنه سيعمل مجازر في الشام والعراق والجزيرة العربية فتنة الشام هي أسوأ الفتن لأن سيكون لها سلبيات وعواقب وخيمة

    • زائر 10 | 9:16 ص

      أحداث سوريا الكبرى يمكن ستمهد لخروج السفياني الثالث (عثمان بن عنبسة) ابن آكلة الأكباد... ام محمود

      عن الإمام علي ع : إذا اختلف رمحان بالشام فهو آيه من آيات الله، قيل: وما هي يا أمير المؤمنين، قال رجفة تكون بالشام يهلك فيها أكثر من مائة ألف يجعلها الله رحمة للمؤمنين، وعذاباً على الكافرين، فإذا كان ذلك، فانظروا إلى أصحاب البراذين الشهب المحذوفة والرايات الصفر، تقبل من المغرب حتى تحل بالشام، وذلك عند الجزع الأكبر والموت الأحمر، فإذا كان ذلك فانظروا خسف قرية من دمشق يقال لها (حرستا) – فإذا كان ذلك خرج ابن آكلة الأكباد من الوادي اليابس حتى يستوي على منبر دمشق، فإذا كان ذلك فانتظروا خروج المهدي)

    • زائر 9 | 9:07 ص

      نظام سوريا سيذهب إلى مزبلة التاريخ

      نظام سوريا سيذهب إلى مزبلة التاريخ لأنه نظام خان عروبتة و تحالف ضد العرب مع أعداء العرب ... إن شاء الله يسحل الشعب السوري عملاء هذا النظام في كل الدول المجاورة لسوريا في الأرض و أولهم لبنان الذي قاسى الأمريين من دعم سوريا للطائفية المستورده من بلاد ما وراء النهر

    • زائر 8 | 8:03 ص

      هذا ديدن الدول العربية النار والحديد

      !!!!!!

    • زائر 7 | 6:02 ص

      وضوح المغزى ومغزى الوضوح في ثورتي سورية والبحرين .!

      لا نبرأ النظام السوري من تجاوزاته ، ولكننا ينبغي أن لا نغفل أن الغرب ومن يتآمرون معه من الحكام العرب كشفوا علانية عن مؤامرتهم تجاه سورية. لسورية مواقف لا يرتئيها الغرب ولا من هم تحت نفوذهم ، فسورية أعلنت مواقفها من عدة قضايا جعل الغرب حانق عليها لدرجة أنه جند كل ما يملك في سبيل إسقاطها كما هو الحال مع حزب الله. نحن البحرينيين لا يبغي علينا أن نغفل ما تعانيه سورية ، لأننا نعاني ما يماثله من تكالب الأنظمة علينا و وصف ثورتنا بما يجانب الحقيقة ،وشن حرب إعلامية مضادة. أقول كل هذا مع وضوح مغزى الكاتب.

    • زائر 6 | 5:06 ص

      سوريا سقطت في الفخ الذي أُعد لها وبالغت في القتل الهمجي والتعذيب .... ام محمود

      لا أستطيع متابعة الأخبار عن سوريا خاصة مناظر القتل الدامية وسقوط العدد الكبير للشهداء من الشباب والأطفال كما ان صور التعذيب في السجون جميعها تدمي القلب و لا تطاق
      أمس في لقطة من أخبار العربية صور لمعتقلين بالعشرات في أحد المدارس وجميعهم منكسي الرؤوس على الطاولات العريضة ويسألهم الجندي المسلح من رئيسك ؟ ويردد ( بشار ) وتأتيه الصفعات القوية على رأسه وهكذا الى نهايه القاعة
      أحدى الامهات السوريات من حمص قالت ان رجال الأمن يطلقون الرصاص وكأنهم في رحلة صيد أي بدون أي احساس وكأن الذين أمامهم ليسوا بشر

    • زائر 5 | 4:54 ص

      النهي عن سفك الدماء الحرام لأنه يقوض السلطان ويزيله ...... ام محمود

      وإياك و الدماء و سفكها بغير حلها فانه ليس شيء ادعى لنقمة و لا اعظم لتبعة و لا أحرى بزوال نعمة و انقطاع مدة من سفك الدماء بغير حقها و الله سبحانه مبتدئ بالحكم بين العباد فيما تسافكوا من الدماء يوم القيامة فلا تقوين سلطانك بسفك دم حرام فان ذلك مما يضعفه و يوهنه بل يزيله و ينقله و لا عذر لك عند الله و لا عندي في قتل العمد لان فيه قود البدن و ان ابتليت بخطأ و إفراط عليك سوطك أو سيفك أو يدك بالعقوبة فان في الوكزة فما فوقها مقتله فلا تطمحن بك نخوة سلطانك عن ان تودي إلى أولياء المقتول حقهم

    • زائر 4 | 4:51 ص

      من وصايا الامام علي ع لمالك الأشتر أما بعد هذا فلا تطولن احتجابك عن رعيتك فان احتجاب الولاة عن الرعية شعبة من الضيق و قلة علم بالأمور.... ام محمود

      و الاحتجاب منهم يقطع عنهم علم ما احتجبوا دونه فيصغر عندهم الكبير و يعظم الصغير و يقبح الحسن و يحسن القبيح و يشاب الحق بالباطل و إنما الوالي بشر لا يعرف ما توارى عنه الناس به من الأمور و ليست على الحق سمات تعرف بها ضروب الصدق من الكذب و إنما أنت أحد رجلين إما امرؤ سخت نفسك بالبذل في الحق ففيم احتجابك من واجب حق تعطيه أو فعل كريم تسديه أو مبتلى بالمنع فما أسرع كف الناس عن مسألتك إذا أيسوا من بذلك مع ان اكثر حاجات الناس إليك ما لا مؤونة فيه عليك من شكاة مظلمة أو طلب إنصاف في معاملة ..

اقرأ ايضاً