العدد 3285 - الأحد 04 سبتمبر 2011م الموافق 05 شوال 1432هـ

عبدالرحمن النعيمي مثقفاً ملتزماً

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في سيرة فقيد البحرين الكبير المناضل الأممي عبدالرحمن النعيمي رحمه الله، نتوقف عند سيرة المثقف الملتزم.

كلٌّ منا صنيع ظروفه وبيئته إلى حدٍ بعيد، والنعيمي الذي درس في البحرين وأكمل تعليمه الجامعي في بيروت الستينيات، كان ابن مرحلته القومية... حتى إذا انحسرت الناصرية برحيل الزعيم عبدالناصر وتقلبت الأزمان، انعكس ذلك على مسيرته وتنقله إلى مدرسة اليسار.

في حديثه مع «الوسط»، تحدث رفيقه عبدالنبي العكري بالتفصيل عن تلك المرحلة، حيث كانت بيروت مختبراً يضم كل الجنسيات، استطاع خلالها ابن الجزيرة الصغيرة (النعيمي) أن يمد علاقاته مع الجميع، بل وجد نفسه في بؤرة القضايا العربية الكبرى حينها، وفي مقدمتها فلسطين. وبعد عودته إلى البحرين وعمله في مجال الكهرباء العام 1968، قاد إضراباً عمالياً احتجاجاً على إساءة السلطة الاستعمارية لعمال البحرين، دون أن يبالي بما ينتظره من فرص ترقٍ بصفته مهندساً حديث التخرج. وكانت النتيجة معاقبته بالسجن 15 يوماً، والفصل من العمل.

المحطة الأخرى في أبوظبي، حيث عمل بدائرة الكهرباء أيضاً، وأضاع فرصة وظيفية أخرى لالتزامه بالعمل النضالي في عُمان؛ فهو من تلك الشريحة النادرة من الناس، التي خُلقت للتضحية والنضال في سبيل الشعب والصالح العام عن رضا وطيب خاطر. وانتهت تلك المحطة باعتقاله لمدة ستة أشهر، بسبب نشاطه السياسي، ثم تسفيره إلى البحرين التي رفضت استقباله، فعاد مجدداً إلى بيروت عام سبعين. ومنها تبدأ محطة أخرى أكثر صعوبة في حياته، باهتمامه باليمن وعُمان... حتى استقر أخيراً في سورية العام 1973.

بعد أقل من عشر سنوات تعرض لبنان للاجتياح الإسرائيلي (1982)، فاستنفر طاقاته الحزبية للالتحاق بالمقاومة الفلسطينية. وبعد عشر سنوات أخرى تعرضت الكويت إلى الغزو العراقي، حيث التحقت أغلب الدول العربية بالتحالف الدولي لتحريرها، وبسبب موقفه اعتقل في سورية سبعة أشهر، ولم يطلق سراحه إلا في مارس/ آذار 1991، أي بعد شهر من تحرير الكويت!

هذه سيرة رجل ثوري، محطات متتابعة من الهجرة والنفي والتعرض للسجن في أكثر من بلد عربي. وفي قضايا الداخل كان منحازاً من البداية إلى الطبقة العاملة، وحقوق الناس، فلا مجال لتحريف سيرة الرجل، أو التشويش عليها ببعض الكتابات المراهقة، وخصوصاً أنه ترك وراءه إرثاً فكرياً موثقاً لمراحل الصراع السياسي والاجتماعي في البحرين.

العكري في يوم رحيله، قال إن النعيمي حاول أن يجعل من «وعد» منبراً لكل أطراف المعارضة، والحركات المطالبة بالحقوق العادلة، كحركة «دعم العاطلين عن العمل»، و «المحرومين من الجنسية». والمؤكد أنه لم يكن ليرضى أن تشهد البحرين حركة فصلٍ جماعي للعمال وموظفي القطاعين العام والخاص، فضلاً عن الأطباء والممرضات والمعلمين والمهندسين، بسبب مواقفهم السياسية أو مشاركاتهم في مسيراتٍ سلميةٍ تطالب بالتغيير السياسي.

في حديث شخصي مع العكري قبل يومين، أشار إلى ما قدمه النعيمي في المجال الثقافي من خلال دور النشر التي أنشأها، وآخرها دار الكنوز الأدبية، حيث قام بنشر مئات الكتب، لعشرات المؤلفين الخليجيين الذين تقف المادة عائقاً أمام انتشارهم، إلى جانب كتـَّابٍ من دول عربية أخرى. ولم تكن الدار تكسب مالاً، لكنها نجحت في تعريف هذه الكوكبة للقراء. فالمناضل الحقيقي ليس من يكتب أو ينظـِّر من وراء مكتبه، وينظر للآخرين من علٍ وكأنه جالس فوق رابية، بل هو من يعيش مع الناس، ويختلط مع طبقات المجتمع الذي يخدمه ويتحدث عنه، دون نرجسيةٍ أو تكبر أو غرور. والمثقف الحقيقي من يخدم المجتمع ويساعد على تطوره ورقيه وتحرره، لا من يمارس عليه ساديته ويوسِعه جلداً بالسياط، ويسهم في تبرير الظلم والاستعباد ومظاهر التمييز ومناهضة دعوات العدل والمساواة.

لاشك أن رحيل النعيمي خسارة كبرى لشعب البحرين عموماً، وللحركة الوطنية خصوصاً، بشقيها الديمقراطي اليساري والإسلامي الحركي. خسارةٌ يستشعرها كلُّ مهتم بالشأن العام، ومستقبل هذا الوطن، إلا أن الشعب الذي أنجب مثل هذه القامة، لن يعقم أن يلد قاماتٍ أخرى يعتز بها الوطن، وتفتخر به الأجيال

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 3285 - الأحد 04 سبتمبر 2011م الموافق 05 شوال 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 13 | 8:38 ص

      نبذة عن الامام الصدر الذي يجب انصافه

      وصل الامام الصدر إلى ليبيا بتاريخ 25 أغسطس 1978 يرافقه فضيلة الشيخ محمد يعقوب والصحافي الاستاذ عباس بدر الدين، في زيارة رسمية، وحلوا ضيوفاً على السلطة الليبية في "فندق الشاطئ" بطرابلس الغرب. وكان الامام الصدر قد أعلن قبل مغادرته لبنان، أنه مسافر إلى ليبيا من أجل عقد اجتماع مع العقيد معمر القذافي. أغفلت وسائل الاعلام الليبية أخبار وصول الامام الصدر إلى ليبيا ووقائع أيام زيارته لها،

    • زائر 12 | 7:38 ص

      احرار ورجال عز

      لا يكتب عن الاحرار إلا الاحرار. ولا يتكلم عن المثقفين إلا المثقفين. رحم الله فقيد شعب البحرين.

    • زائر 11 | 6:51 ص

      التاريخ يحفظ الانسان

      كم وكم هذا الرجل سيحفظ في ذاكرة التاريخ كما سيحفظ في قلوب المواطين المخلصلين الرجال بالمواقف وليس باللفائف . شكر نقولها للمناضل ابا أمل أسمك يعطي الامل رحمك الله وجعل الجنة مثواك .

    • زائر 10 | 5:53 ص

      النعيمي الانسان

      انا لم اتحدث مع النعيمي شخصيا ولكن من احاديث االناس الذين التقوا به تشعر بان النعيمي يتحدث مع الاخر كانسان قبل كل شي وكانه يطبق قول الامام علي الناس صنفان اما اخ لك في الدين او نظير لك في الخلق

    • زائر 7 | 4:45 ص

      ملاحظة

      مع التقدير والاحترام للكاتب والفقيد، من غير الصحيح الخلط بين الاممية والقومية فهما لا يجتمعان حسب معرفتي البسيطة. وياريت ينورنا من هو اعلم.

    • زائر 6 | 4:37 ص

      لماذا الدنيا تسير بالمعكوس

      هذا ديدن المناضلين الشرفاء يرحلون من هذه الدنيا بصفحات بيضاء ناصعة من العز والكرامة لهم وسبقى الانتهازيين والمتسلقين اصحاب الثقافات الضيقة في الصعود لمسك مفاصل هذه البلد وذاك ليقضوا على كل صوت محب للخير والحرية والعدالة .
      رحمك الله ايها المناضل الصبور وسبقى طريق النضال ما دام هناك مطالبين بالحرية .

    • زائر 5 | 2:57 ص

      شتان بين الرأيين

      سلمت يا سيد القلم.
      أين هذا مما كتبته احدى المراهقات في عالم السياسة عن الجمعية ورجالاتها.
      قاتل الله الطمع والتملق عندما يسيطرا على عقل الانسان.

    • زائر 4 | 2:05 ص

      ابطال وعد

      هكذا هم الرجال الوطنيين الاحرار لا تمنعهم كل الحواجز عن الانغماس في الهم الوطني. فبعض الكتاب الصفحات راحو يرسمون في مخيلتهم المريضه صوره عن محافظة المحرق وكانها قلعه ضد اي تحرك وطني يطالب باالاصلاحات فهاهم ابطال وعد ابناء هذه المحافظه المعطائه ابو الا ان يشاركو اخوانهم في الوطن في اتراحهم و افراحهم

    • زائر 3 | 1:39 ص

      الفصل بسبب الاضراب، مسلسل طويل

      وبعد عودته إلى البحرين وعمله في مجال الكهرباء العام 1968، قاد إضراباً عمالياً احتجاجاً على إساءة السلطة الاستعمارية لعمال البحرين، دون أن يبالي بما ينتظره من فرص ترقٍ بصفته مهندساً حديث التخرج. وكانت النتيجة معاقبته بالسجن 15 يوماً، والفصل من العمل.

    • زائر 2 | 1:09 ص

      رحمك الله

      رحمة الله على شهيد الوطن المغفور لة باذن الله تعالى عبدالرحمن النعيمي . هذا المناضل الذي كرس عمره في حمل هموم ابناء هذا الوطن ان المرحوم فعلا يمثل جميع اطياف ابناء هذا الوطن يمكن ان نطلق عليه رحمة الله شهيد الانسانية .. كما ادعو جميع ابناء البحرين ان تشارك في اي فعالية تكريم لهذا البطل الشهيد .. وبهذه المناسبة اتقدم الى اسرة المناضل بأحر التعازي ونسئل الله ان يلهمهم الصبر والسلوان وان يغفر لة انه سميع مجيب .

    • زائر 1 | 10:04 م

      الى رحمه الله

      هكذا ناس لا يمكن للتاريخ أن يطمسهم لأن كل حدث يذكرنا بهم ومع التطور الا أنهم يبقون يتلئلؤن وذاكرة التأريخ ملأ .

اقرأ ايضاً