قد لا ينسى أحد تلك الرواية الحدث في الربع الأخير من القرن الماضي التي أهّلت الأديب السوداني «الطيب صالح» لأن يكون أحد عمالقة الرواية العربية المعاصرة، أعني روايته الموسومة بـ «موسم الهجرة إلى الشمال»، تلك التي صاغها بحس أدبي نادر وعالج فيها إحدى أهم قضايا عصره آنذاك، وأعني انبهار جنوب البحر الأبيض المتوسط ودول شمال إفريقيا بشكل أخصّ بحضارة شمال المتوسط، وناقش فيها حوار الحضارات وغيرها من المواضيع الحارقة. لكن لو أسعفه الزمن وعاش لأيامنا هذه لفكّر في كتابة رواية جديدة ولربّما عنونها بـ «موسم الهجرة إلى الجنوب»، نعم هجرة أهل الشمال إلى الضفة الجنوبية من المتوسط إلى تونس وليبيا ومصر.
لكن من سيختار أبطالاً لروايته؟ لعلّه لن يشقى طويلا في ذلك نظرا إلى اتساع دائرة الاختيار بعد ما حصل في هذه البلدان؛ لأن البطل واحد لعله دون منازع، هو إرادة الشعب وكلمته التي لا تقهر نظرا لتمسّك هذه الشعوب بإرادة الحياة.
لقد كانت الحياة كل الحياة في نظر بطله السابق في أوّل الرواية خاصة تختزل في الحضارة الأوروبية وما حققته من تقدّم على جميع المستويات، لكن بطله الجديد اختزل الحياة كل الحياة في إرادة الشعب التي تصنع إرادة الحياة، هذه الإرادة لفتت أنظار أهل الشمال على جميع الأصعدة، فشدوا الرحال إلى جنوب المتوسط كل من موقعه محاولا فهم هذه الرواية العجيبة التي لايزال بعضهم يعتقدها من صنع خيال مبدع فنان أو لربّما من وحي الخيال العلمي، فمن ذا الذي تجرّأ في رواياته وتخيّل مثل هذه السيناريوهات لحكام تونس ومصر وليبيا؟
نعم كلّهم شدّوا الرّحال نحو الجنوب، فمنذ نجاح الثورة التونسية اشرأبت الأعناق من الشمال ناظرة بأعين الدهشة والاستغراب متسائلة بكل إعجاب: أمازال في هذه البلدان صدى لقول قائلهم: إذا الشعب يوما أراد الحياة؟
انهال على تونس الصحافيون من كل وكالات الأنباء، تبعهم رجال السياسة من فرنسا والولايات المتحدة الأميركية ثم مع استقرار نسبي للوضع الأمني جاء السياح إلى تونس في شهر مارس لا قاصدين كعهدهم شواطئ البحار والرمال الذهبية وإنما آمّين الداخل من الديار من حيث انطلقت الشرارات الأولى لثورة الشباب الأحرار لينظروا بعين الانبهار إلى ما صنعه أولئك الأبرار لشاعرهم الخالد أبي القاسم الشابي.
ثم افتكّت الأهرامات كل الأنظار وزحف إليها الشمال بكلكله، فليست مصر ككل الديار، والتوازنات السياسية صارت قابلة للانهيار، والفذلكة ممنوعة في مثل هذه الأمصار، حيث يعشّش على مقربة منها كيان من نار كيان بني إسرائيل وما أدراك ما بنو إسرائيل!
وعلى رغم المحاولات لاختطاف ثورة الأحرار إلا أنهم خطفوا كل الأنظار بمسيراتهم المليونية واتجه إليهم المحللون والخبراء لفهم ما حدث وما يمكن أن يحدث في المستقبل المنظور نظرا إلى صعوبة استشراف المستقبل البعيد بعد الذي حصل، هذا الذي لم يخطر على بال أحد من جهابذة علم السياسة والاجتماع والاقتصاد، أو على الأقل لم يخطر على بالهم بالصورة والسرعة التي وقع بها.
وقبل أن يجف حبر المحبّرين يأتي أبناء عمر المختار بخير الأخبار رافعين بصوت واحد بيتا شعريا لشاعر معرة النعمان أبي العلاء القائل:
إني وإن كنت الأخير زمانه
لآت بما لم تستطعه الأوائل
نعم لقد فعلها ثوار ليبيا أطاحوا بطغيان عرش رجل «قضى الله أنه واحد ولم يقض أن يُرى له ثان»، على معنى قول المتنبي في كافور الإخشيدي، ولعل في هذا الأخير والقذافي نقاط التقاء كثيرة يضيق المجال هنا بتعدادها.
ومن جديد يقف الشمال حائرا في هذا الجنوب ونقاط استغراب كبيرة تراود مفكريه قبل ساسته، لأن الساسة استفادوا بسرعة وساندوا الثوار لغاية في نفوسهم لا تخفى على أحد، بينما انكفأ الباحثون في شئون الجنوب على ملفاتهم يراجعونها، وعلى نظرياتهم يقلّبونها، لعلهم يجدون تفسيرا لما يحدث، وربما سيجدون عن قريب كما وجد أهل تونس ومصر وليبيا وربما من بعدهم أهل اليمن وسورية: لقد وجد أهل تونس أن ابن عليّ ليس «زين العابدين» ووجد أهل مصر أن حسني غير «مبارك» ووجد أهل ليبيا أن القذافي غير «معمّر»، ولربما سيتأكد أهل اليمن وأهل سورية أن عبدالله ليس «صالحا» وأنّ بشاراً ليس بـ «أسد» طالما يتعاملان مع الأحرار بالحديد والنار
إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"العدد 3279 - الإثنين 29 أغسطس 2011م الموافق 30 رمضان 1432هـ
yes
لقد وجد أهل تونس أن ابن عليّ ليس «زين العابدين» ووجد أهل مصر أن حسني غير «مبارك» ووجد أهل ليبيا أن القذافي غير «معمّر»، ولربما سيتأكد أهل اليمن وأهل سورية أن عبدالله ليس «صالحا» وأنّ بشاراً ليس بـ «أسد» طالما يتعاملان مع الأحرار بالحديد والنار
thank you
perfect my freind
أسماء ملوك الدولة العباسة...
لقد أثبت التاريخ أن شعارات وأسماء الملوك المستبدين لا تعكس أوضاع الشعوب التي حكموها وخير دليل أسماء ملوك الدولة العباسةمنهم المامون،المنتصر وغيرهم!!!!!!!.