العدد 3278 - الأحد 28 أغسطس 2011م الموافق 28 رمضان 1432هـ

حديث في كيفيات الولاء بين صدام حسين ومعمر القذافي

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

تمنحنا الأحداث فرصًا «فرعية» للتأمّل. فالتغيير الثوري أو العسكري لا يستولي كلّه على المشهد، وإنما أشياء أخرى تزاحمه فتستحق من المراقبين إمعان النظر فيها. ما جرى في ليبيا كان ضمن تلك الأشياء التي تستحق النظر، لكن ليس في شكل الحرب ولا الهزيمة أو النصر فقط، وإنما في شكل الحكم الذي كان يقود ليبيا والشخوص التي فيه، ومدى قدرة ذلك النظام على التماسك أمام الأزمات الحادة، كالتي جرت في 17 فبراير/ شباط إلى أن غيّرته وأزالته.

هنا، أستحضر سؤالاً شَغلَني طيلة الأيام الماضية، وتطرق له بشكل عابر أيضًا أحد الإعلاميين دون أن يتعمّق فيه: ما هو الفرق ما بين الولاء الذي كان يحمله أنصار معمّر القذافي له وبين ولاء أنصار صدام حسين له؟ بمعنى أدق: كيف انفضَّت الحلقة القريبة من القذافي (فضلاً عن البعيدة) عنه وهو في محنته، في حين بقِيت الحلقة القريبة (والبعيدة أيضًا) موالية لنظام البعث؟ ألا يعتقد الكثيرون أن النظامَيْن كانا ديكتاتوريين قمعيين؟ إذًا أين المشكلة، وكيف يُمكن قراءة كيمياء النظامَيْن الليبي والعراقي في ذلك؟

لنتذكر جيدًا، فخلال الأزمة التي مرَّت بها ليبيا منذ 17 فبراير ولغاية وقت قريب كم من المسئولين الليبيين الذين انشقوا عن نظام العقيد مُعمَّر القذافي؟ تعالوا نحصي جزءًا من أهم المسئولين الذين تركوه وهو في محنته. وزير العدل مصطفى عبدالجليل كان أوّل المنشقين عن نظام القذافي. وزير الداخلية اللواء عبدالفتاح يونس ورفيق دربه. وزير الخارجية موسى كوسا أعلن انشقاقه وذهب إلى لندن.

أحمد قذاف الدم ابن عمّ القذافي، وعبدالسلام جلُّود نائبه في مجلس قيادة الثورة انشقا عنه. وزير العمل الأمين منفور، رئيس المؤسسة الوطنية للنفط شكري غانم، وزير الصحة محمد حجازي، وزير الدولة الليبي لشئون الهجرة والمغتربين علي الريشي، والنائب العام عبدالرحمن العبار جميعهم استقالوا. مندوب ليبيا في مجلس الأمن ونائبه ومندوبها لدى الجامعة العربية، وسفراؤها لدى الصين والهند وبريطانيا والأردن وبولندا وفرنسا وإندونيسيا وبنغلاديش وأذربيجان واليونسكو، والقنصل العام في تونس ودبلوماسيون ليبيون لدى الاتحاد الأوروبي وبلجيكا والسويد والمغرب. جميعهم استقالوا ووقفوا ضد القذافي ونظامه.

مدير جهاز المراسم العامة، ونائب رئيس الاستخبارات، ورئيس عمليات القوات الخاصة الليبية، وقائد المنطقة الشرقية، ومدير المباحث العامة، ورئيس جهاز الشرطة القضائية ومدير الأمن العام بطرابلس ومصراتة وسبها وأجدابيا كلهم استقالوا ومعهم العشرات من كبار المسئولين الليبيين. الأهم في كلّ ذلك، هو أن جميع هؤلاء قد استقالوا في الوقت الذي كان فيه النظام الليبي في أمسّ الحاجة لهم، ويتعرض لهجوم عسكري شرس من الناتو، دون أن يُحرِّك لديهم ذلك أدنى شعور بأنهم يتحالفون مع عدو من الخارج ضدّ بلدهم.

الآن نعود إلى ما قبل ثمانية أعوام خَلَتْ عندما بدا أن العراق سيتعرَّض إلى هجوم عسكري مماثل من قِبَل الولايات المتحدة وبريطانيا. وفعلاً بدأت الحرب في الـ 20 من مارس 2003، واستمرّت القوات الأميركية والبريطانية في دكِّ المرافق الحيوية العراقية من جسور ومحطات كهرباء واتصالات، إلى أن زحفوا برًا نحو بغداد. لكننا لم نشهد في أتون تلك المعركة انسحابًا لوزراء أو لمسئولين عراقيين كالذي شاهدناه في ليبيا.

بل الأكثر من ذلك، فحتى عندما تم القبض على صدام حسين، وأظهره الإعلام الحربي الأميركي أشعث الرأس، وبلحية كثَّة، وفي وضع ضعيف، ثم جيء به إلى المحكمة مُصَفدًا بالأغلال، كان الطاقم السياسي والأمني الذي كان يعمل معه في الدولة قد أبدا ولاءً شديدًا له ولنظامه (باستثناء مُداخلة علي حسن المجيد في قاعة المحكمة التي قال فيها إنه نادِم على انتمائه لمجلس قيادة الثورة، والخيانة السرية التي قيل إنها حصلت قبل معركة المطار)، بل أظهر أولئك البعثيون التزامًا حتى بالتعليمات الحزبية للبعث والتي لا يُمكن أن تشغل بال أحد في تلك الفترة الحرجة.

نعم، واجَه نظام البعث في العراق انشقاقات على مدى تاريخه منذ نهاية الستينيات، فالياسري والسامرائي وعلاوي وعمر العلي كلُّهم انشقوا عن نظام صدام حسين، ولكن في فترات متباعدة، وليس أثناء الضربة العسكرية ضد العراق، بالرغم من أن العراق كان قبل الحرب قد شَهِدَ حصارًا خانقًا طيلة 13 عامًا، وبات النظام يعيش عزلة دولية وعلى هامش الأحداث العالمية، ولم يعد نظامًا يُغري أحدًا في الداخل كي يبقى فيه، ولكن رغم كلّ ذلك حافظَ منتسبوه على ولائهم له، بل إنهم ناصروه حتى عندما أصبح تاريخًا من الماضي.

هنا تقودنا تلك المقاربة ما بين النظامين الليبي (حقبة معمّر القذافي) والعراقي (حقبة صدام حسين) إلى التأمّل في قراءة كُنه النظامين. إذ كيف يُمكن لنظام سياسي أن يخسر كلّ هؤلاء الأنصار والمنتسبين كما في ليبيا، ونظام آخر يُحافظ على كل منتسبيه خلال ذات الفترة الاستثنائية كما في العراق؟ الحقيقة، هي أن الموضوع مرتبط بأسباب مختلفة جعلت من مسألة الولاء البعثي تختلف عن نظيرتها في ليبيا القذافي والتي يُمكن ملاحظتها في العديد من الصور وهي على خمسة أشكال: الصورة التاريخية، الصورة الطبقية، الصورة الحزبية، الصورة الجغرافية، والصورة الديموغرافية. ولكل من تلك الصّور حالة خاصة وفريدة، لعبت دورًا بارزًا في تشكيل النظامين الليبي والعراقي، وأيضًا شكلت حدود الولاء لهما بين القيادات السياسية والأمنية، حيث يُمكن التفصيل فيها كلّ على حِدة وقراءتها بشكل مختلف. (للحديث صلة)

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3278 - الأحد 28 أغسطس 2011م الموافق 28 رمضان 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 13 | 4:03 ص

      لأ مقـارنه ..

      لأ يوجد مقارنه بين القذافي والشهيد صدام حسين .. صدام أخطاء في تصرفاته كثيرا لكن الرجل كان مناظل ويسعى لتوحيد الصفوف .. اما معمر وش استفدن منه ؟ فقط اشعل الفتنه بين الدول العربيه وتقسيمها الى احزاب شخص مغفل والدهاء كيف صبر عليه الشعب الليبي ...

    • زائر 12 | 9:39 م

      الحكمة البالغة

      في 9-4-1980 قام صدام باعدام السيد محمدباقر الصدر المفكر الاسلامي لانه رفض ان يؤيد البعث وصدام وسقط الصنم في 9-4-2003 في اليوم عينه
      واما القذافي فقد دعى السيد موسى الصدر الى زيارة ليبيا فوصل يوم 23-8-1979 واختفى السيد يوم24-8 بعديوم واحد وانظر الى الحكمة الواضحة حين دخل الثوار يوم 23-8 واختفى القذافي يوم 24-8 -2011
      هذا خبر ما عندنا فماهوخبر الطغاة الذين يظنون ان الله لايقدر عليهم

    • زائر 10 | 8:58 ص

      لا مثيل للطاغية العراق...

      لا مثيل للطاغية العراق على الاطلاق في استبداده مع شعبه-ولكن ضعاف العقول والنفوس ما زالو يراهنون على قداسته لانه فقط من طائفة غير الطائفة العظمى التي يحكمها!! "من أحب عمل قوم حشر معهم"حديث شريف

    • زائر 9 | 8:14 ص

      خطا

      الخطا التاريخي لصدام غزوة الكويت ومن مكيدة من الامريكان وذلك عندما قال انة يستطيع حرق نصف اسرائيل لو كان صدام مازال موجوداً علي السلطة حتي الان لاخاف حتي من يتبجح عندنا ولاكن الغرب وتخطيطهم للمستقبل والنوم العربي

    • زائر 7 | 6:30 ص

      في عهد صدام كان هناك خوف كبير من الانشقاق لأن الاعدام مصيرهم هل نسيت ما فعله في زوج ابنته رغد .... ام محمود

      وترى التلغراف أن اجتثاث حزب البعث والقضاء عليه ترك فراغا وعرض سكان العراق إلى خطر المجرمين والقتلة.
      أما بالنسبة للوضع في ليبيا، فمع سقوط طرابلس أدرك المجلس الانتقالي أن التركة التي خلفها القذافي ستكون ثقيلة، فسارع أعضاء المجلس إلى مناشدة قواته بتجنب الأعمال الانتقامية.
      وهناك اختلاف آخر وهو أن المجلس الانتقالي جاء نتيجة لثورة شعبية حقيقية مما سيجنبه اتهامات قد توجه له في وقت لاحق بمحاولة السيطرة على البلاد كما أنه لا يوجد في ليبيا الانقسام الطائفي الكبير الموجود في العراق.

    • زائر 6 | 6:23 ص

      حكام عرب يمثلون وصمة عار وهم شياطين الانس ...... ام محمود

      الديلي تلغراف نشرت مقالا في صفحة الرأي تحت عنوان " إذا ظل القذافي طليقا فلن تتحرك ليبيا إلى الأمام".أن الحكام الذين يسيطرون على كل مقاليد السلطة في البلاد يتركون إرثا ثقيلا في حال رحيلهم وضربت مثلا على ذلك ما حدث في العراق من قبل ويحدث الآن في ليبيا
      وتقول أن صدام حسين والقذافي دمرا كل أشكال الحوار بين الحكومة والشعب سواء كان ذلك عن طريق الأحزاب السياسية والنقابات والمؤسسات الدينية والمنظمات غير الحكومي.
      وأوضحت أن هناك فروقا بين البلدين فالعراق عاني من بناء مجتمع قوي وفرض نظام جديد.

    • زائر 4 | 3:15 ص

      جعل الشعارات مطية للركوب على ظهور السذّج

      الحمد لله الذي أرانا في هذا العمر القصير الكثير من العبر.
      فلقد قامت دول كثيرة على شعارات زائفة ما لبثت
      أن انكشفت وإذا بالمطبلين لها هم من تضرروا بها
      مقابل استحواذ فئات بسيطة على مقدرات أمم
      بأكملها مستغلة جهل الآخرين وتصديقهم لهذه الشعارات
      ما أتفه الشعوب وهي تصفق لطاغية يسومها سوء العذاب حتى توصله إلى شعور الفرعونية و الربوبية

اقرأ ايضاً