بعد عقود من الاحباطات أتى الربيع العربي ليثير آمالاً عريضة يمكن لكثير منها أن يتحقق إذا ما أحسن استخدام الزخم الجماهيري للتغيير وانشغال الغرب في أزمته الاقتصادية.
أعاد الربيع العربي الاعتبار إلى الشباب كونهم محركي النهوض الجماهيري، وهم بغالبيتهم مهمشون سياسيّاً واقتصاديّاً واجتماعيّاً بفعل النظم السائدة والثقافة العربية والبنية المجتمعية التقليدية. وقد أظهر الشباب العربي تمكنه من تكنولوجيا العصر للاتصالات والتواصل، وكسر احتكار الأنظمة العربية للسياسة والإعلام، وأظهر شجاعة فائقة وقدّم تضحيات جسيمة لم نكن نتوقعها. فقام هذا الشباب بما عجزت عنه التنظيمات السياسية والنقابية المعارضة على رغم إسهاماتها وتضحياتها التي لا تنكر.
كذلك ظاهرة مشاركة النساء بنسبة مرتفعة؛ سواء من حيث مشاركة الشابات في إطلاق وقيادة الثورة والانتفاضة، أو مشاركة النساء من مختلف الأعمار في الاعتصامات والاحتجاجات والمظاهرات وسقوط أعداد من النساء شهيدات، وتعرضهن للاعتقال والتعذيب أسوة بالرجال، في ظاهرة غير مسبوقة بهذا الحجم والفعل.
من نتائج الربيع العربي كسر حاجز الخوف الذي مكّن الأنظمة العربية من فرض حكمها المديد، وبالتالي استطاعت أن تسيطر على الدولة والمجتمع، وتطوع المواطنون، بحيث أضحى اللامعقول معقولاً ومسلماً به. كما أثبت أن العمل السري في ظل القمع لم يؤد إلى النتيجة، بل إن العمل الجماهيري العلني هو الحل.
هذه الحركة الشبابية كسرت أيضاً حلقة الاستعصاء لوضع نهاية للأنظمة المستبدة واللاديمقراطية، من خلال استنهاض الجماهير التي ابتعدت عن السياسة ولا تنتمي إلى أحزاب أو نقابات، والمتهمة بتخلف وعيها، فأظهرت وعياً متقدماً، وحسماً للموقف السياسي، وتمسكاً بالمطالب المشروعة من دون مساومة. وهذا يتضح في مسار أحداث ثورة 14 يناير/ كانون الثاني 2011 في تونس و25 يناير 2011 في مصر، وكذلك مسار الثورة في اليمن.
وأعاد الربيع العربي تأكيد الهدف الاستراتيجي الوطني، وهو بناء الدولة المدنية الديمقراطية التي تضمن حقوق المواطنة المتساوية، وأن الشعب مصدر السلطات، وأنها الجامع لكل مكونات الشعب، وأنها الحامي للحريات، والمؤطر لطاقات الشعب نحو التقدم والازدهار والعدالة.
على المستوى القومي، أعاد الربيع العربي الاعتبار إلى القضية القومية الأولى، قضية فلسطين والصراع العربي الاسرائيلي. وعلى رغم الانشغال الشديد بالقضية الوطنية والنظام السياسي، فإن الشعارات التي رفعت في ميدان التحرير أكدت بما لا مجال للشك ترابط قضية الإطاحة بالنظام المصري، نظام كامب ديفيد، المتصالح مع «إسرائيل»، والخاضع للولايات المتحدة، بقضية استعادة مصر دورها في الصراع العربي الاسرائيلي، وتحرير فلسطين وهو الدور التاريخي لمصر.
ويمكن إجمال الصورة بأن الربيع العربي أطلق حركة تغيير اجتاحت الوطن العربي من أقصاه إلى أقصاه، وأحدث تغييرات متفاوتة تبعاً لظروف كل بلد، وأحيا الأمل في إمكانية إسقاط أنظمة أو إصلاح أخرى، والانتقال إلى نظام حكم مختلف، ديمقراطي عصري مدني.
إنها تفتح الباب أمام نظام عربي مختلف يغادر نهائيّاً النظام المشلول للجامعة العربية، ويؤسس لنظام تكاملي عربي فاعل، حيث تكون المصلحة العربية العليا هي الاعتبار الأول، ولنا في الاتحاد الأوروبي نموذجاً رائع لكيفية الاندماج التدريجي في كيان واحد لدول وأمم مختلفة، والارتقاء بها جميعاً لصالح كل منها ولصالح المجموع.
هذه الحركة تؤسس لنهضة عربية جديدة، تضع العرب مرة أخرى على طريق التطور الحضاري واللحاق بمسيرة التطور والانتماء إلى عالم القرن الحادي والعشرين بكل إنجازاته وتحدياته، والإسهام بقسطها في مسيرة البشرية وتحمل مسئوليتها ودورها الذي تستحقه في نظام عالمي عادل.
تحيط بالربيع العربي مخاطر جمة ومخاوف من تحوله كما طرح البعض الى خريف عربي، أو الى حمام دم عربي، أو حروب أهلية. كما أن هناك مخاوف من اختطاف الثورة حتى في البلدان التي تخطّت عتبة التغيير مثل مصر وتونس. هذه المخاوف جدية تماماً، ولا أدل على ذلك من الحرب الأهلية التي تشهدها ليبيا وحمام الدم في سورية واحتمال حرب أهلية في اليمن، وإجهاض الحركة السلمية في البحرين وعمان، فما هي هذه المخاطر؟.
ان انتفاضة الجماهير العفوية كما حدث في أكثر من بلد عربي، بقدر ما هي إيجابية في إطلاق طاقات جماهيرية هائلة، إلا أنها تعكس واقعاً سلبياً، وهو ضعف وهشاشة المجتمع السياسي والمجتمع المدني بأحزابه ونقاباته ومنظماته. وعلى رغم وجود تعددية سياسية وهامش معقول للحريات كما في المغرب ذات التقاليد السياسية العريقة، فإن هيمنة النظام السياسي قوية بحيث تجعل من هذه التعددية غير كافية لتداول حقيقي للسلطة أو تأمين نظام ديمقراطي حقيقي. عدا ذلك فإن غالبية البلدان التي فيها تعددية حزبية شكلية كما في مصر واليمن وسورية ولبنان والسودان والجزائر والبحرين، فهي تعددية مقيّدة وضمن هوامش متباينة، لكنها ضيقة ولا تؤدي إلى حراك سياسي قوي. كما أن باقي الدول العربية تفتقد أساساً وجوداً حزبيّاً أو حتى منظمات مجتمع مدني.
وبشكل عام؛ فان المجتمع المدني ضعيف جدّاً، وحتى الأشكال الحديثة لتنظيم المجتمع مثل الأحزاب والنقابات والجمعيات الأهلية صيغت أحياناً بصيغة قومية أو دينية أو مذهبية أو عرقية، وتراجع دورها كمؤطر لأناس يلتفون حول برنامج معين، عدا عن انسداد آفاق تداول السلطة سلميّاً.
من هنا نرى العجز عن تأطير قوى الثورة وتحالف قواها، بل والشقاق بين ما يعرف بقوى الثورة الشبابية من ناحية، والأحزاب المعارضة من ناحية أخرى، كما في مصر وتونس واليمن والمغرب. هذه الوضعية تتيح لقوى أخرى أن تختطف الثورة، حيث يتبدى خطر اختطاف الثورة المصرية واليمنية، من قبل قوى تنقض عليها مستغلة هذه التناقضات وانشغال قوى الثوره ببعضها بعضاً.
إن عقوداً من الحكم الاستبدادي المديد في أكثر من بلد عربي، وسياسات تمزيق المجتمع، وتهميش المواطنين، وتحويلهم إلى رعايا، أضعف كثيراً التنظيمات الحديثة المعبّرة عن الطبقات والقوى والمصالح والتكوينات المتباينة للشعب. وبرز ذلك خلال فترة المخاض الثوري، وبالتالي يجعل من ائتلاف هذه القوى حول برنامج مرحلي للانتقال من الاستبداد الى الديمقراطية مهمة أصعب. من هنا الخوف من أن يتحول التوافق حول شعارات الثورة الأولى من قبل الكتل الجماهيرية إلى شقاق فيما بينها حول برنامج وآليات التغيير كما نراه في مصر أو اليمن، وخلافاً واضحاً كما في تونس الخضراء
إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"العدد 3275 - الخميس 25 أغسطس 2011م الموافق 25 رمضان 1432هـ
حراك عربي
العالم العربي كله سيتغير
ما هو الأسلوب الأمثل للتعامل مع الشباب
الشباب قوة وشعله من النشاط ويجب التعامل مع هذه القوة والطاقة بحذر شديد جدا
ومن الخطأ مجابهة القوة بالقوة لأن ذلك يمثل اصطدام
ونتيجة هذا التصادم خطرة جدا
لذلك لا بد من الحكمة في التعامل