مادامت الوفاق قد قرّرت دخول اللعبة السياسية، فلابد من التفكير في التفاصيل. و«في التفاصيل تختبئ الشياطين» كما يقول الانجليز! وفي مقدمة التفاصيل تأتي قضايا البحث عن المرشحين «الأكفاء»، والمؤهلات ...إلخ، وهي أشق مهمة تقع على عاتق الشيخ علي سلمان.
ربما هناك إجماعٌ من قبل الجميع على أن الكفاءة هي المعيار الأول للترشيح، لكن عندما ندخل في التفاصيل قد تبرز عوامل أخرى على حساب الكفاءة. فكم ستكون الوفاق وفيةً لمبدأ الكفاءة إذا اصطدم بعنصر «القرب» و«الولاء»؟ وماذا لو اصطدم مرشحٌ «معمّمٌ» مع مرشحٍ «غير معمّم» أكثر كفاءة؟ وإلى أيّ مدى الوفاق مستعدةٌ لقبول ترشيح شخصيةٍ كفوءةٍ غير وفاقيةٍ من «الرباعي» في دائرة مضمونة للوفاق؟
إذا فكّرت الوفاق بطريقةٍ «حزبية» ستختار شخصاً «ملتزماً» من «غير المغضوب عليهم ولا الضالين»، فالمهم أن يصلّي ويصوم... مع أن الصلاة والصيام أمران خاصان بين المرء وربّه، ولا ينبغي أن يتحكم هذا المعيار في عملية الترشيح، بينما المرحلة المقبلة تحتّم على المعارضة أن تفكّر بأجندةٍ وطنيةٍ عامة، فمؤهلات مرشح البرلمان ليست بالضرورة هي مؤهلات إمام الجماعة، خصوصاً أن هذه «المؤهلات» لم تمنع آخرين من «أئمة المساجد» و«المشايخ» من التلاعب بقضايا الشعب المصيرية، فباع بعضهم واشترى من تحت الطاولة، ولم يراعِ الله في حقوق الناس وأموال التأمينات ومحاسبة الوزراء.
المشاركة ليست نزهةً كما يبدو من اندفاعة وحماسة و«طرب» بعض المرشحين، وحتى المرشحات الكثيرات حديثات العهد على السياسة. فالمرحلة تحتاج إلى أشخاص مستعدين لمقارعة الجدار من أجل انتزاع ما يمكن انتزاعه من حقوق ومكاسب لصالح هذا الشعب، وهو أمرٌ لا يقدر عليه من اعتاد على المشي في ظل الحائط، يتحرّج حتى من ردّ الكلمة الجارحة من حيث جاءت. فالسياسة عالمٌ وسِخ، كل من يدخله يتلوث، ومن يفكّر بالطهارة و«النقاء» في وسطٍ موبوء، فهو يعيش في عالمٍ خرافي. ومن يتحرّج من ردّ التهمة عن نفسه على أقل تقدير، بدعوى «نحن نترفع عن الرد»، فبالأولى أنه سيعجز عن ردّ التهم عن هذا الشعب الذي تُكال له من دون حساب، فضلاً عن المطالبة بحقوقه وانتزاعها من بين مخالب الوحوش والمتنفذين.
ثم إن السياسة لا يُحترم فيها إلاّ الأقوياء، ومن لا يجد في نفسه القوّة والأمانة فليجلس من البداية في بيته فيريح ويستريح. فالجماهير التي صبرت دهراً على مضض الجراح عقداً من الزمان، ورأت النماذج التي تسرّبت بالصدفة إلى البرلمان في ظلّ المقاطعة، لا يمكن أن تتحمّل السيناريو نفسه والأدوار نفسها، تؤديها نماذج أخرى ضعيفة حتى لو خرجت من تحت عمامة الوفاق
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1363 - الثلثاء 30 مايو 2006م الموافق 02 جمادى الأولى 1427هـ