بعد شهرين من استقلال الكويت عن بريطانيا في العام 1961، أطلق أميرها الراحل عبدالله السالم الدعوة إلى إجراء الانتخابات العامة للمجلس التأسيسي، وتم تشكيل اللجنة الأساسية لكتابة الدستور، وقسمت الكويت إلى عشر مناطق انتخابية وفق القانون رقم 28 لسنة 1961، بحسب رأي المشرع حينها بأنها الأنسب لبلد بحجم الكويت، على أن تنتخب كل منطقة نائبين عنها في المجلس التأسيسي بالاقتراع العام السري والمباشر. وكانت الدوائر العشر: الشرق، القبلة، الشويخ، الشامية، كيفان، القادسية، الدسمة، حولي، السالمية، الأحمدي.
وأجريت أول انتخابات برلمانية وتكون مجلس الأمة، واستمرت الدوائر العشر على مدى أربعة انتخابات متتالية 63، 67، 71، 75 قبل حل البرلمان في نهاية 1976. ثم عادت الحياة البرلمانية في العام 1981 بمرسوم قانوني يعيد تقسيم الدوائر الانتخابية في الكويت إلى 25 دائرة تحت تبرير الحاجة وفق تغيّر المعالم السكانية في الدولة.
ومع التجربة اكتشف الكويتيون السلبيات الكثيرة التي نجمت عن زيادة عدد الدوائر وأبرزها التفاوت في عدد السكان بين الدوائر، بسبب نقل الناخبين من دائرة إلى أخرى وشراء الأصوات، واقترحوا على هيئة المعلومات المدنية أن تعد قوائم القاطنين في الدوائر ولا تسمح لغير القاطنين في الدائرة التصويت. التفاوتات الحالية بين الدوائر كبيرة، فالبعض يتحدث عن دوائر بـ 16 ألف ناخب يمثلهم 6 نواب، وأخرى بـ 45 ألفاً يمثلهم 4 نواب، وأخرى بـ 12 ألف ناخب يمثلهم نائبان، ولكن الانتخابات المقبلة المقررة في 29 يونيو/ حزيران ستقام وفق هذه الدوائر الخمس والعشرين.
اللافت للنظر في تجربة أشقائنا في الكويت وعيهم بالدرس العملي أهمية مبدأ تساوي القوة التصويتية للمواطنين التي تطالب بها المعايير الدولية أساساً لتمثيلية صادقة للشعب، وهو مبدأ تعرض في البحرين والكويت لانتهاكات خطيرة تحقيقا لمصالح حكومية سياسية واضحة لا تلتقي والاستقرار المجتمعي. الكويتيون استوعبوا بالمعايشة العملية أن الدائرة الواحدة أو الدوائر الخمس أو الست مقترحات جميعها مقبولة شريطة تحقيق المساواة في التمثيل، والكثير منهم استوعب ضرورة الإصلاح الانتخابي الشامل. فبالإضافة إلى التوزيع العادل للدوائر يلزم القضاء على القبلية والطائفية السياسية وشراء الأصوات وما سمي بنواب الخدمات والمنفعية وغيرها.
وفي شرحهم لأسباب المطالبة بتكبير الدوائر وتقليص عددها، يوضح النشطاء والنواب فكرة توسيع القاعدة الانتخابية وتضييق المجال على الأصوات القبلية أو الطائفية السياسية المحصورة في قبيلة بعينها أو طائفة بعينها، فمن سيعتمد على هذه الدعامات وأصواتها المحدودة لن يتمكن من الوصول إلى البرلمان عند الانتخاب، لأن الأصوات لن تكون كافية في الدوائر الكبيرة ذات الأعداد الكثيفة من الناخبين المنتمين إلى مشارب متنوعة، وعلى المرشح حينئذ أن يبذل الجهد الحقيقي على أساس المواطنة ومراعاة هموم الناس وقضاياهم لا هموم الطائفة والقبيلة والعشيرة. كما يدور الكلام أيضاً عن الأحزاب وبداية تداول السلطة بناءً على مبدأ الكفاءة الشخصية للمرشح، وعلى البرنامج الانتخابي لا الولاءات أو الانتماءات.
إن ما يحدث في الجارة الكويت اليوم يعد بالنسبة الينا نموذجاً خصباً للمدافعة الشعبية فيما يتعلق بمتطلبات إصلاح المنظومة الانتخابية التي تشمل فيما تشمل، اختيار نظام الانتخاب الممثل للشعب، واعتماد هيئات إدارة الانتخابات المستقلة، والمعايير الصحيحة لتحديد الدوائر الانتخابية، والإطار القانوني المساند، ودور الأحزاب والقوى السياسية، وتوعية الناخبين وغيرها.
بلا شك فإن النظام الانتخابي كما يقول خبراء الانتخابات هو المؤسسة السياسية الأكثر عرضة للتلاعب، سواء للأفضل أو للأسوأ، وعملية اختياره عملية سياسية بحتة تلعب المصلحة السياسية في اختياره دورا دائما وأساسياً، حتى وإن كان ذلك تعطيلاً للمصلحة العامة على المدى البعيد. ولعل العامل الحاسم في صدقية أي نظام انتخابي هو قدرته على تحويل أصوات الناس المتساوية إلى مقاعد، بمعنى مدى عدالة النظام في ترجمة أصوات التجمعات السكانية إلى عدد من المقاعد متناسب وتلك التجمعات.
حدود الدوائر هنا ليست مهمة، فكثير من الدول تحتفظ بحدودها الإدارية أو الجغرافية لأن ذلك يقلل عليها كلفة رسم الدوائر، لكنها تلتزم بالمعادلة التمثيلية الموحدة في أية بقعة على أرضها. ووفق خبراء الانتخابات يحظى نظام قائمة التمثيل النسبي بالانتشار الأكبر في العالم لانعكاساته الايجابية على تمثيل المواطنين، وهو مطبق على سبيل المثال في جنوب إفريقيا والأرجنتين والبرازيل وكوستاريكا. فالدوائر في هذا النظام كبيرة والمرشحون متعددون والتحالفات ممكنة، ما يعكس التركيبة المجتمعية بصدق ويوفر الفرص لجميع الفئات والأحزاب الصغيرة والنساء للتمثيل المناسب. فتجربة جنوب إفريقيا، في انتخابات 1994، تألفت فيها الجمعية الوطنية لجنوب إفريقيا من (52 في المئة سود، 32 في المئة بيض، 7 في المئة ملونون، 8 في المئة هنود)، وكانت نسبة المرأة في البرلمان 25 في المئة.
الدوائر الكبيرة في نظام التمثيل النسبي تعني عدداً من المقاعد أكثر يسع جميع المتنافسين، كلٌ وفق نسبة الأصوات التي يحصل عليها. أما النظم المعتمدة على الدوائر الصغيرة ذات المرشح الواحد فإن أصوات ما يقارب نصف الناخبين أو أقل تذهب من دون تمثيل في حال عدم فوز مرشحهم وفوز المرشح الآخر، وهذه هي وضعية البحرين منذ اعتماد نظام الجولتين بدوائر فردية. ولتصحيح ذلك ينبغي أن يكبر حجم الدوائر الانتخابية لدينا ويتقلص عددها أيضا لتصبح على مستوى المحافظات مثلاً، وينبغي اعتماد نظام قائمة التمثيل النسبي الذي يوفر فرصة لتمثيل الأقليات السياسية والاجتماعية والاثنية والدينية والمرأة، وخصوصاً قوى التيار الليبرالي، الذي لم يحظ في انتخابات 2002 بعدد مناسب من المقاعد بسبب ضياع أصوات ناخبيه
إقرأ أيضا لـ "فريدة غلام إسماعيل"العدد 1363 - الثلثاء 30 مايو 2006م الموافق 02 جمادى الأولى 1427هـ