التاريخ يعيد نفسه فيما يتعلق بنتائج الموازنة العامة في البحرين. فقد كشفت النتائج النهائية للسنة المالية 2005 عن تكرار مسلسل العام 2004 من حيث المضمون مع اختلاف الأرقام. فالمعادلة المتبعة هي كالآتي: ارتفاع زيادة الإيرادات مقابل تراجع المصروفات ومن ثم تحويل العجز المتوقع إلى فائض فعلي.
بحسب الأرقام الواردة في تقرير وكالة أنباء البحرين (بنا) والمستند إلى مجلس الوزراء، فقد ارتفعت الإيرادات الفعلية بنحو 417 مليون دينار في العام 2005. تحديداً ارتفاع الدخل من 1254 مليون دينار في الموازنة المعتمدة إلى 1671 مليون دينار في الموازنة الفعلية ما يعني تسجيل نمو فعلي قدره 33 في المئة. وتبين أن السر يعود إلى ارتفاع الدخل النفطي من 890 مليون دينار في الموازنة المعتمدة إلى 1265 مليون دينار في الموازنة الفعلية ما يعني تسجيل نسبة نمو قدرها 42 في المئة. يذكر أن الموازنة افترضت سعراً منخفضاً قدره 30 دولاراً للبرميل، لكن استناداً إلى الزيادة المسجلة، يبدو لنا أن الحكومة تبنت متوسط سعر قدره 43 دولاراً للبرميل الواحد.
والأهم من ذلك، شكل الدخل النفطي نحو 76 في المئة من مجموع الإيرادات الأمر الذي يعني استمرار الأهمية النسبية الكبيرة للقطاع النفطي في اقتصادنا الوطني على رغم كل المزاعم عن التنوع الاقتصادي. وعليه يبقى اقتصادنا الوطني أسيراً للتطورات في السوق النفطية العالمية. وبحسب الموازنة المعتمدة، كان من المفترض أن يشكل الدخل النفطي 71 في المئة من مجموع الإيرادات.
إضافة إلى ذلك، بلغت الإيرادات الأخرى (أو غير النفطية) 406 ملايين دينار في الموازنة الفعلية مقارنة بـ 364 مليون دينار في الموازنة المعتمدة مسجلة نسبة نمو قدرها 11 في المئة. تأتي الإيرادات الأخرى عن طريق الضرائب المفروضة على الواردات، الرسوم على الخدمات الحكومية، مبيعات المنتجات الخدمية والسلعية الحكومية مثل: الكهرباء، عوائد الاستثمارات والأملاك الحكومية فضلا عن الغرامات والجزاءات إضافتاً للمعونة المقدمة من الدول الشقيقة. على كل حال شكلت الإيرادات الأخرى 24 في المئة في الموازنة الفعلية مقارنة بـ 29 في المئة في الموازنة المعتمدة وذلك على خلفية ارتفاع الدخل النفطي.
يبدو جلياً أن حكومتنا تكره الصرف. تشير الأرقام إلى حدوث تدني في قيمة مصروفات موازنة العام 2005 بنحو 174 مليون دينار من 1463 مليون دينار إلى 1289 مليون دينار. حقيقة لا نعرف فيما إذا كان التراجع مرتبطاً بخانة المصروفات المتكررة (مثل رواتب وأجور العالمين في الدوائر الحكومية) أو المشروعات (مثل تطوير شبكة الطرق والكهرباء والماء وأمور أخرى في البنية التحتية). علينا الانتظار قليلاً للوقوف على الأرقام الحقيقية وإن كنا نميل إلى أن التراجع حدث في خانة مصروفات المشروعات تماماً كما حدث في العام 2004 (رجاء انظر الجدول).
كالعادة تتمكن الحكومة في تحويل العجز المتوقع إلى فائض، والعام 2005 لم يكن استثناء. فقد ساهم الثنائي (ارتفاع الإيرادات مقابل تدني المصروفات) في تحويل العجز المتوقع وقدره 209 ملايين دينار في الموازنة المعتمدة إلى فائض قدره 257 مليون دينار في الموازنة الفعلية.
حقيقة كان من المفترض أن يتم تسجيل فائض قدره 382 مليون دينار (الفرق بين 1671 مليون دينار للإيرادات مقابل 1289 مليون دينار للمصروفات). لكن يبدو أن الحكومة قررت تدوير بعض الأموال. فهناك مبلغ قدره 125 مليون دينار ربما تم تحويله لأغراض أخرى وهي عادة متبعة عندنا (بالمقارنة في العام ،2004 قررت الحكومة تدوير مبلغ قدره 135 مليون دينار).
زعمنا في بداية مقالنا بأن ما حدث في السنة المالية 2005 ما هو إلا تكرار لمسلسل العام حقيقة العام 2004. فقد افترضت الموازنة سعرا قدره 18 دولاراً للبرميل، لكن تبين في نهاية الأمر أن متوسط السعر الحقيقي بلغ نحو 43 دولاراً للبرميل الواحد. وعلى هذا الأساس ساعد ارتفاع أسعار النفط في زيادة حجم الإيرادات الفعلية بنحو 494 مليون دينار. فقد ارتفع الدخل من 806 ملايين دينار في الموازنة المعتمدة إلى 1300 مليون دينار في الموازنة الفعلية. من جهة أخرى، قدرت الحكومة المصروفات بـ 1246 مليون دينار، لكنها قامت بصرف 1105 ملايين دينار فقط أي 141 مليون دينار أقل من المبلغ المعتمد. بمعنى آخر، فقد تم تسجيل زيادة 61 في المئة في الإيرادات مقابل تدني قدره 11 في المئة في المصروفات. وقد ساهمت عملية ارتفاع الإيرادات مقابل تدني المصروفات في تحويل العجز المتوقع وقدره 440 مليون دينار في الموازنة المعتمدة إلى فائض قدره 195 مليون دينار في الموازنة الفعلية. لكن قررت الحكومة تدوير 135 مليون دينار من هذا المبلغ لهدفين محددين: أولاً 85 مليون دينار لمصروفات المشروعات لفترة لاحقة وثانياً 50 مليون دينار لشراء الأسلحة والتطوير). وعليه تم تسجيل فائض حقيقي قدره 60 مليون دينار.
طبعاً الخاسر الأكبر فيما حدث لموازنة السنتين الماليتين 2005 و2004 هو الشعب البحريني لأنه يرى بأم عينيه أن حكومته تتحاشى الصرف على رغم حدوث ارتفاع في الإيرادات
إقرأ أيضا لـ "جاسم حسين"العدد 1363 - الثلثاء 30 مايو 2006م الموافق 02 جمادى الأولى 1427هـ