ليس المطلوب من «الوفاق» أن تتخلى عن جماهيرها العريضة من أجل الوصول إلى البرلمان، فالتخلي حماقةٌ سياسيةٌ وخيانةٌ وطنية. فهذه الجماهير قدمت عشرات الشهداء، وآلاف المعتقلين، في آخر حلقة من مسلسل كفاح هذا الشعب، الممتد لأكثر من خمسين عاماً، من أجل نيل الحقوق السياسية والمدنية كبقية شعوب الأرض. التخلي عن هذه الجماهير خيانةٌ وحماقةٌ وغباء.
المطلوب السعي لحماية حقوق هذه الجماهير، التي تهدّدها البطالة والفقر والخصخصة وتراجع مستويات المعيشة، في سياق وطني عريض، فكل ما يمكن إنجازه من حقوق وتطوير سياسي، ستعم فائدته الجميع. من هنا ليس المطروح التخلّي عن هذه الجماهير المسحوقة المهمّشة من أجل الوصول إلى البرلمان، بل المطلوب تطوير اللغة بما يتناسب والمرحلة السياسية، وبما يحقق الأهداف العامة للمواطنين والمصالح العليا للوطن.
«الوفاق» اليوم، ومعها بقية أعضاء التحالف الرباعي، تشرف على مغادرة رصيف المقاطعة، لتشارك في الانتخابات المقبلة. والمشاركة حتى لو كانت بنفسية القبول بـ «أهون الشرين»، فإنها تحتاج إلى لغةٍ أخرى غير لغة المرحلة السابقة.
وإذا عزمت الوفاق، ومعها التحالف الرباعي، على المشاركة، فليس من الصحيح الدخول بنية «إثبات سوء نية الحكومة»، كما صرّح بعض المرشحين فترة انتخابات شورى الوفاق. هذه ليست سياسة، وإنما مناكفةٌ تدل على الافتقار إلى الرؤية السياسية الناضجة والمسئولة. فبعد كل سنوات العذاب والتضحيات، يفكر بعض «السياسيين» في أكبر جمعية سياسية بحرينية، بالدخول من أجل المناكفة! هذه ليست سياسةً... وإنما عمليةُ تضييعٍ لمزيد من الوقت.
المشاركة موقفٌ جديدٌ، يستدعي نظرةً جديدة، ولغةً جديدة، أما الاستمرار بلغة زمن المقاطعة في زمن المشاركة، فهو دليل على الجمود وتشوش الرؤية.
إذا أردتم المشاركة فليكن التفكير في الدخول والبقاء، فالجمهور الذي قامت الجمعية على أكتافه وتضحياته، له مطالب مادية ومعنوية، لم تتحقق قبل ولا بعد الإصلاح، والتفكير في الانسحاب عند أول مواجهة هو ما تحلم به أطراف كثيرة، وهو أغلى أمنيات الحكومة كما تعلمون. بل انها تتمنى لو تقعدون على الرصيف إلى الأبد، و«يا دار ما دخلك شر». فإذا كنتم تفكرون في خطة الانسحاب من الآن، فلماذا كل «وجع الرأس» هذا؟
الموقف الجديد يتطلب التخفيف من لغة ادعاء «القوة»، لكي تحافظوا على نفسية جماهيركم. اللغة الجديدة ينبغي أن تكون واقعية، فـ «نحن مقبلون على مشاركة في برلمان تتحكم فيه قوانين داخلية مكبلة، لا يسمح لنا بتحقيق ما هو أقل من الحد الأدنى». ادعاء القوة فضلاً عما يسببه من تهييج للأطراف الأخرى وزيادة مخاوفها، لن يفيدكم أيضاً، من حيث ارتداده على الجمهور إحباطاً ويأساً وكفراً بكل إمكانية للتغيير السلمي. وهو أمرٌ يجب أن يصل بوضوح إلى مسامع الحكومة أيضاً، لتدرك أخطاءها وما ستنتهي إليه سياساتها المتصلبة الصمّاء في المستقبل المنظور.
لتكن اللغة الجديدة عقلانيةً وواقعيةً وواضحة: «نحن لا نعدكم بتحقيق المستحيل... سنعمل قدر طاقتنا على تحقيق ما يمكن... فهذا ما يتيحه سقف العمل السياسي المتاح». هذا إذا أرادت أن تحافظ على جمهورها وتدافع عن شعبها الكادح بحثاً عن الخبز والكرامة وحد الكفاف
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1362 - الإثنين 29 مايو 2006م الموافق 01 جمادى الأولى 1427هـ