ذات يوم، وقفت تلك الفتاة الشابة أمام العشرات من النساء والأطفال والشباب والرجال قبالة شاطئ قرية مهزة الساحلية الستراوية لتقول: «الأخطار التي تهدده كثيرة، منها: الصيد الجائر والتدمير المباشر له عبر بعض مرتادي البحر ومنها آثار الردم والحفر البحري التي تلقي بطميها على كائناته ومكوناته وتخنقها رويدا رويدا، ثم يأتيه بعد ذلك مخطط دفن الفشت والقضاء عليه كلياً!».
وما توقفت في خطابها لتقول...
فشت العظم الذي دربت تلاميذ المدارس على لفظ اسمه بشكل صحيح ضمن برامجنا البيئية التوعوية والذي وقفت الجمعية الأهلية للهوايات البحرية ونقابة الصيادين جنباً إلى جنب مع جمعية أصدقاء البيئة لتعريف الناس به وبأهميته عبر وسائل الإعلام ومهرجان الطفل والبيئة الثالث الذي أطلقنا عليه اسم «نخلة ومرجان» وشرح فيه الصيادون موقع فشت العظم والأسماك التي تصاد فيه وعبر البطاقات التي رسمها اعضاء لجنة ريم ودافعوا فيها عن أسماك ومرجان فشت العظم وعبر لقاءات جمعتنا مع المسئولين الحكوميين عن حماية البيئة في البحرين وعن التخطيط الطبيعي لهذا الفشت الذي أطلق عليه بعض البحرينيين اسم «الفشت العظيم» في خطر! في هذا اللقاء السريع، تتحدث الفتاة البيئية الشابة... المناضلة من أجل أكثر من قضية بيئية... رئيسة جمعية أصدقاء البيئة والمتحدثة باسم التكتل البيئي المدافع عن فشت العظم لتقول منطلقةً في حديثها... فشت العظم من مناطق الشعاب المرجانية المهمة بيئيا وتعد من أهم مرابي الأسماك للصيادين، ووردت في الصحف منذ 2003 أخبار بشأن نية ردمه وإقامة منشآت عليه بسبب ضحالة المنطقة وقلة كلفة ردمها.
تشكيل تكتل الدفاع
ومنذ ذلك الحين، أعلنت جمعية أصدقاء البيئة ومؤسستان أخريان (نقابة الصيادين والجمعية الأهلية للهوايات البحرية) من مؤسسات المجتمع المدني المعنية بالبحر في العام 2004 موقفاً قوياً وموحداً تجاه قضية فشت العظم، تواصلت الجمعيات بقرب وأعلنت تشكيل تكتل للدفاع عن القضية، ضغط التكتل إعلاميا وعلى أصعدة متعددة بقوة، نجحت الجهود في التعريف بالقضية وكسب المؤيدين وظهرت تصريحات رسمية تفيد بنجاح الجهود، لكن بعد أكثر من عام عادت المخاوف المهددة لفشت العظم، ومعها عاد ضغط التكتل (البيئي للدفاع عن فشت العظم) من جديد.
ويمكن حصر أهم الخطوات في الاتصالات بين الجمعيات الثلاث والترتيب للقاء تشاوري وشرح المواقف وتوحيد الرؤى بين جمعية أصدقاء البيئة (بصفتها جمعية بيئية)، ونقابة الصيادين (ممثلة للعاملين في البحر) والجمعية الأهلية للهوايات البحرية (ممثله للمهتمين بالبحر)، وإعلان الموقف الموحد إعلامياً ومخاطبة مؤسسات المجتمع المدني لتأييد الموقف، وتشكيل هيئة تنظيمية للتكتل البيئي للدفاع عن فشت العظم وإعلان جمعية أصدقاء البيئة ممثلاً ونقطة اتصال لاعتبار قدراتها وإمكاناتها وتخصصها البيئي، وتمثيل الجمعيات في التكتل عبر أعلى سلطة في كل منها بالإضافة الى مقابلة متخذي القرار وطلب تحديد موقفهم، وتنظيم حملات إعلامية للتعريف بفشت العظم وأهميته البيئية والاجتماعية والاقتصادية والتراثية، وأستطيع أن أشير الى تخصيص جمعية أصدقاء البيئة جزءاً كبيراً من أهم فعالياتها الجماهيرية لقضية فشت العظم.
وليس ذلك فحسب، فنقابة الصيادين والهوايات البحرية وضعت قواربها وبحاريها تحت تصرف التكتل للتعريف بفشت العظم وتعريف الإعلاميين والبرلمانيين والمهتمين بفشت العظم عبر رحلات بيئية ميدانية وبحضور المختصين القادرين على شرح أهمية فشت العظم، وعدم الاكتفاء بهذا العمل بل الانطلاق للتعريف بالقضية عربياً.
وخلال الشهر الماضي أعيد طرح موضوع ردم فشت العظم مرة بعد صمت جاوز العام، ومعه أصدر التكتل بيانا قويا وصريحا ووزعه ودعا الجميع إلى الوقوف معه. وفي تغيير نوعي لخطوات التكتل بادر بالاتصال بجمعيات النفع العام (ولاسيما السياسية) وطلب الاجتماع معها جميعاً لشرح أهمية دعم توجهات التكتل لحماية فشت العظم، ومن بعده بدأت جمعيات التكتل بإقامة ندوات في مواقع مختلفة من البحرين للتعريف بفشت العظم وأهمية وقوف الجميع مع التكتل.
قضية فشت العظم لاقت نجاحاً لعدة أسباب، منها اجتماع أكثر من مؤسسة من مؤسسات المجتمع المدني وتكوين تكتل فاعل وقوي أساساً من مؤسسات المجتمع المدني، وهذه المؤسسات هي مؤسسات معنية بالقضية بشكل مباشر وتمتلك حضورا ومؤهلات جيدة وحرصاً حقيقياً على الدفاع عن البحر والتواصل الجيد فيما بين مؤسسات التكتل، وكان للمقابلات الرسمية والندوة العامة الممثلة لجميع الأطراف دور في تعزيز موقف التكتل وتثبيت القضية وتصعيب مهمة الالتفاف من حولها كما كان لإسهام المؤسسات البحثية والأكاديمية دور كبير في لفت نظر متخذي القرار إلى أهمية فشت العظم.
من يتخذ القرارات المصيرية؟
وتعبر عن الأسف بالقول... من المؤسف أن تتخذ قرارات مصيرية تحدد حاضر ومستقبل البيئة والفرص المستقبلية للاستثمار الرشيد فيها بمعزل عن معطيات لدى مؤسسات المجتمع المدني التي تعمل بصورة تطوعية لأجل البيئة وتوظف لها إمكاناتها وخبرات الأعضاء المتخصصين لديها وخبرات جهات متعددة تؤمن بأهمية دور مؤسسات المجتمع المدني التي تمثل صوت الناس وتعبر عن مصالحهم المرتبطة بحماية البيئة وصون الطبيعة. ولنا أن نتصور الخسائر التي من الممكن تجنبها لو تحقق التعاون الصحيح مع مؤسسات المجتمع المدني المعنية بالبيئة.
من المهم أيضاً أن نتذكر أن النجاح الكلي لمؤسسات المجتمع المدني البيئية ليس مما يتوقع تحققه في دولنا العربية في هذه المرحلة، فنحن مازلنا في البداية، لكن التأسيس للعمل المجتمعي البيئي المنظم هو النجاح المرحلي الأكبر الممكن تحقيقه في المرحلة الحالية، والذي نرى أنه آخذ في التحقق والتطور والنضج.
طاولة الحوار لجميع الأطراف
من خلال متابعة جهود النشطاء البيئيين (أصدقاء البيئة وأحلافها) في البحرين للدفاع عن الحقوق البيئية نجد أنهم حاولوا تكوين طاولة للحوار بين جميع الأطراف المعنية، نجحوا في بعض الأوقات في الحصول على ممثلين من جهات عدة، وترددت جهات أخرى في الاستجابة أو وقفت موقف المتفرج حتى تحدد أفضل خياراتها. ففي الوقت الذي قدم فيه بعض الباحثين خلاصات أبحاثهم لدعم الموقف البيئي وحرصت بعض الجهات الحكومية على إيضاح موقفها المؤيد لحماية البيئة وحرص بعض النيابيين على الحضور وتسجيل موقف ووقفت فيه مؤسسات الشأن العام موقف المؤيد للمساعي الأهلية للدفاع عن الحقوق البيئية، فإن القرارات غالباً ما تتخذ بمعزل عن كل ذلك وتبرر بأن الجهة البيئية الرسمية وافقت على القرار مستندة إلى دراسات نفذتها شركة استشارية بيئية درست تقويم الأثر البيئي. يبقى السؤال: من يقوم صدقية تلك الدراسة، ومن يتأكد من الأخذ بتوصياتها ويراقب تنفيذها في غياب مؤسسات المجتمع المدني عن هذه المعادلة؟
أما التحدي الذي يواجهه الموضوع فيتمثل في إيجاد طاولة النقاش وإيجاد المحفز اللازم لأخذ كل الأطراف المهمة أماكنها حول تلك الطاولة وفي إيجاد الآلية والثقافة المناسبة لعقد مثل هذه الحوارات المصيرية المهمة. ويبقى السؤال الآخر والأكثر إلحاحاً: من هي الجهة القادرة على تحقيق ذلك؟
العدد 1362 - الإثنين 29 مايو 2006م الموافق 01 جمادى الأولى 1427هـ