لم يكن حفل التكريم في 4/4/1427هـ الذي يرعاه سنوياً أمير المنطقة الشرقية سمو الأمير محمد بن فهد، والمعني بتكريم واحد وسبعين متفوقا حصلوا على جائزة أمير الشرقية حفلا سنويا عاديا، بل هو شيء أرقى من حيث المضمون والدلالة.فالشعار «مقاومة الإرهاب» الذي توجت به فعاليات الحفل ملفت ودال على أكثر من معنى، لأنه شعار الوطن الحاضر، وهاجس المواطنين الدائم، والتحدي الذي قبلته البلاد قيادة وشعبا بعزيمة ثابتة، وثقة عالية لا تلين ولا تستكين.
أما الفئة المكرمة فهي فئة شبابية من شباب وشابات أخذوا على أنفسهم إلا أن يكونوا في صفوف العلم المتقدمة، تهيؤا واستعدادا لمستقبل قريب يخدمون فيه أهلهم وبلدهم بما يملكون من علم ومعرفة. ولا يغيب عن البال ضيف الحفل مساعد وزير الداخلية للشئون الأمنية سمو الأمير محمد بن نايف. يمكننا أن نلحظ اهتماما بالغ الأهمية بموضوع الشباب، سواء من صاحب الجائزة الأمير محمد بن فهد أو من الضيف المشارك في التكريم الأمير محمد بن نايف، فكلاهما يمسك بمفصل حساس من مفاصل إدارة هذه البلاد وكلاهما يعي هذا الشعار «مقاومة الإرهاب» وعيا جادا، ويعلمان أي فئة يخاطبون.
لقد لفت انتباهي في كلمة الأمير محمد بن نايف إشارته إلى النسبة المئوية التي يصلها كثير من الشباب في بلادنا وهي (67 في المئة) من إجمالي السكان، إنهم ثلثا السكان، وهذه نسبة مذهلة وذات حدين، فهي بشرى للمستقبل لكنها تحدي الحاضر. وهي إيجابية إن أحسن التعامل معها، لكنها خطرة أشد الخطورة إن أهملت ولم تعط حقها من العناية.
سمو الأمير: هناك أمران خطيران وملفان ساخنان، لاشك أنكم تقفون على تفاصيلهما وتتابعون مجرياتهما لحظة بلحظة وبألم وغصة، الأول هو التحديات التي تواجه المملكة على الصعيد الخارجي، وتصنع الهياج الكافي داخليا ليتركز أثره (الهياج) البالغ على فئة الشباب بشكل خاص، على رأس تلك التحديات الاستفزاز المتواصل للعالم العربي والإسلامي الذي تنتهجه الولايات المتحدة وحليفتها الصهيونية الإسرائيلية)، والأسف كل الأسف أن كل استفزاز لمشاعر الأمة الإسلامية ينعكس تشنجا داخليا بين الشعوب وحكوماتها، ويزيد الفجوة والتباعد بينهما. ولو أضفنا إلى جانب ذلك الأوضاع الإقليمية المرعبة التي تحيط بنا لما طبق لنا جفن ولا نامت عين، فهناك العراق وشرره المتطاير على المنطقة برمتها وعلى جيرانه القريبين بشكل أرزأ وأفجع، وهناك الإثارة الأميركية بشأن الملف النووي الإيراني، وهناك الملف السوري اللبناني الذي يأبى التعقل، وينحدر يوما بعد آخر إلى الهاوية جارفا وراءه المنطقة برمتها إلى نتائج معتمة.
أما الأمر الثاني فهو الفكر الإرهابي الذي يعشعش في بيئتنا، ويتصيد أجيال الشباب بعد أن يملأهم بأوهامه وهواجسه وجنته الموعودة، فيحولهم إلى مجاهدين على غير الجادة، ومضحين لكن بمستقبل بلادهم وأهليهم، وأبطال تنقصهم الحكمة في استخدام شجاعتهم.
سمو الأمير: لابد من التذكير بأمرين حاضرين في مخيلتكم، الأول أن الدولة لن تستطيع توجيه أجيال الشباب بمفردها، ولا أخالها تطمح لذلك، والمنظومة الدينية التي اعتمدتها من خلال خطب الجمعة وحلقات تحفيظ القرآن الكريم، وتخريج الأئمة وغيرها (مع ضرورتها وحسنها) لم تثبت كفايتها للوقوف أمام المد الجارف للتوجهات الأخرى. لقد عانت الدولة من استيعاب الشباب في الجامعات والمدارس ففتحت باب المدارس الأهلية ليساهم المجتمع في التخفيف من معاناة الشباب، ويقف إلى جانب دولته وقت الحاجة والضرورة، وهكذا فعلت مع قلة الوظائف وزيادة البطالة، إذ مدت يدها بعزة إلى أهلها من القطاع الخاص ليكونوا العون والناصر من أجل مستقبل أنمى وأمكن وأسلم للمجتمع بأسره.
أما آن الأوان يا سمو الأمير لتخطط الدولة (وهي قادرة على ذلك) فتضع قانونا يتيح العمل للتكتلات والأحزاب والنقابات وصنوف النشاط المجتمعي المدني، ليستوعب حماس الشباب وطاقاتهم لخير البلاد وأهلها؟ أليست البلاد بحاجة إلى تكتلات شبابية تتشكل في جمعيات ومؤسسات ومراكز (لا خوف من التسميات) مشروعة ومكشوفة يعرف أصلها من فرعها في مقابل التشكيلات الممنوعة ولكنها قائمة فعلاً ونشطة على تراب وطننا الغالي.
إن الاحتواء الرديء للشباب لا يقابل إلا باستقطاب طيب وموجه للخير، وإلا فالساحة لهم يا سمو الأمير وهم اللاعب الوحيد فيها، أيترك هؤلاء يستهلكون طاقة الدولة ويشغلون قيادتها ويعبثون بخيراتها، ولدينا بحر زاخر بالعطاء من الجماهير التي تشاطر الدولة في حبها لأبنائها، وخوفها على مستقبلهم وسلامة توجهاتهم؟
إن ما تخشاه الدول عادة هو أن تتحول التنظيمات والأحزاب والحركات والجمعيات السياسية والوطنية إلى موقع المناهض لسياساتها وتوجهاتها وتجر معها جماهيرها لذلك الطريق، لكن هذا الذي نخشاه حاصل بالفعل وبطريقة خفية ومستورة وخارجة عن مجال الرؤية، والحل هو السماح للطرح البديل أن يأخذ مجراه ويدلو بدلوه وينقذ آلاف الشباب من الوقوع في شباك العنف والإرهاب والأفكار الظلامية المتسترة.
أعتقد أننا الآن في الوقت الضيق والضائع، ولذلك نحتاج إلى تخفيف التحفظات وتقليل الهواجس، فوجود البدائل أمام الشباب الـ (67 في المئة) ضرورة تفرضها بحسب تصوري الحوادث الأمنية، والحاجة الشبابية التي يصعب التمرد عليها، وأخيرا هي أمر تترقبه آمال الشباب، فهي حراكهم، ومحل لعطائهم، وهي أكبر المصاديق لشعورهم بأنفسهم وكياناتهم، وعلى أقل التقادير فهم لا يريدون لأنفسهم أن يكونوا أقل شأنا من بقية عالمهم العربي والإسلامي
إقرأ أيضا لـ "الشيخ محمد الصفار"العدد 1361 - الأحد 28 مايو 2006م الموافق 29 ربيع الثاني 1427هـ