العدد 1360 - السبت 27 مايو 2006م الموافق 28 ربيع الثاني 1427هـ

«الإذاعة» بوصفها «وزارة الداخلية» والمذيع «رجل الأمن»... إنها مسألة «قدرات»!

عادل مرزوق Adel.Marzooq [at] alwasatnews.com

-

عطفاً على منحى الزعم في «الإعلام»، اعتقد أن لي «حق» في الزعم بأن مجمل المناوشات والملاسنات بين الصحافة المكتوبة من جهة، وبين الصحافة التلفزيونية والإذاعية من جهة أخرى، هي لا تزيد عن كونها مسألة «قدرات» لا أكثر، وربما أقل!

«لنا حق» في محاسبة الجهاز التلفزي والإذاعي على «هدره» للطاقات البحرينية في سلسلة من التراجعات التي يصفها «الفرحون» بتناول «الميكرفون الإذاعي» بأنها خطوات تتجه للأمام!، وليس هذا بالتحديد ما يصيبني بالقلق، فـ «القلق» هو أني لا أجد في هذه المنظومة الإعلامية من يستطيع المحاورة أو المثاقفة أو المنافحة، إذ دائماً وأبداً، ما ينتابني إحساس «مضاعف» بأننا نتحدث عن شيء لا يدركه هؤلاء، لذلك، ومنذ البدء، كانت المسألة في نظري... مسألة «قدرات»!

طالعت مقابلة مع مذيع برنامح (خلنا على بالك) في إحدى الصحف المحلية، من الجيد أن نطلع على «قدرات» هذه التوليفة الجديدة من الإعلاميين الإذاعيين، وعلى رغم أن الحذر كان يلف المقابلة، فإن المرء لا يستطيع أن يختلق ما لا يجيده، من الصعب على «اللاإعلاميين»؟ أن يكونوا «إعلاميين» بين ليلة وضحاها!

لابد للإعلامي أن يخطئ، فالخطأ دليل «قدرة»، هو نتيجة نوع من «الفهم»، يفهم الإعلامي فيخطئ، ولا يقدح الخطأ بقدراته، إلا أن تصريح أي إعلامي بأنه «ضد إعطاء الحرية المطلقة للصحافي لأن في الفترة الأخيرة تحولت الصحافة الى باب مفتوح الى كل من هب ودب يكتب...»، فهذا ما لا يندرج في مستوى «الفهم» أصلاً، فكيف لي أن أحاول السبر في ما أسميته بـ «القدرات»!

ركاكة التعبير لا تقف عند حدود «القدرات»، هي مسألة ثقافة، ودلالة على مستوى «الفهم»، وحين يحاول «المذيع» تصحيح زوايا الصورة، فهو لا يتردد في إحراقها، إذ يقول: «دعني أكون صريحاً معك - هي صحيفة معينة - وأقولها بأمانة ان هذه الصحيفة تتعامل دائماً في المواضيع التي تهم البلد والوطن بصورة كما يراها كتابها».

ليست «القمندة» في «الصحيفة»، بل في «النقد» ذاته، فما هي رؤية «النقد»، في أن أية مؤسسة إعلامية تعتمد على آراء كتابها في تناولها لقضايا الوطن؟! وهنا... أنا لا استطيع أن «أفهم» ما يريد أن يعلنه هذا الخطاب الركيك، فهل يريد «المذيع» من الصحيفة أن تسأل «وزير الداخلية» مثلاً عن الطريقة المثلى في تناولها لقضايا الوطن!

وحينما يحاول «المذيع» التوضيح، فهو لا يتردد في أن يقحم نفسه في ما لا يفهمه، إذ يقول: «لكن أن تكون المسألة شن حرب على برنامج ولمدة أربعة أيام في (عمود صحفي)، فهذا أعتبره إفلاساً فكرياً»... ولنا في هذا «الإفلاس» وارتباطه المنطقي بتأسيس «العبارة الحاكمة» علامة تعجب!، فالكاتب يكون مفلساً حين يوجه نقده على برنامج ما لمدة أربعة أيام، وهذا «الحكم» هو نتيجة ما يفهمه «المذيع» في الإعلام، وعليه، فلا أجد كاتباً بحرينياً في أية صحيفة من الصحف البحرينية إلا وقد خاض ما يشبه هذه المعركة، فهل لنا أن نعمم الحكم «السفسطائي» لنخرج بنتيجة مفادها، أن كتابنا البحرينيين بلا استثناء «مفلسون»؟!

ولنا في تحليل مفردة «الفكري»، سبرٌ آخر، ولا اعتقد أن مستويات الفهم إياها، تستطيع المنافحة فيه.

«إن هذا المجال يريد الكثير من التأني»، نحمد الرب أن «المذيع» أعلن عن تأنيه في خوض تجربة الكتابة في الدراما الإذاعية!، فقوله «لأن هناك اتفاقاً بين أكثر من شخص في هذه الصحيفة لمهاجمة برنامج - خلنا على بالك - (...) ان خطاب هذه الصحيفة أصبح مكشوفاً»، يحمل اسوأ خاتمة درامية في حبكتها، فالصحف لا تخوض في العادة معاركها مع من لا حول لهم ولا قوة، وليس من «المنطقي» أن يعقد الصحافيون «مؤامرة» ضد برامج الإذاعة أو التلفزيون، فـ «الضرب في الميت حرام»، كما أن الدخول في معركة يقتضي أن يبحث المتعاركون عن سبل «الانتصار» فيها، وأعتقد أن الشارع البحريني لا يحتاج إلى أن ندفعه إلى القبول بهذه المعركة وحسم نتيجتها لصالح «الصحف». النصر عليكم لا يغري، ببساطة... لسهولته.

يقول المذيع: «مستحيل أن نكون راضين عن كل شيء، فطبيعة الاذاعي البحريني بشكل عام ينظر الى الاحسن (...) سيظل الدافع الابداعي عندنا وهاجسنا».

هذا ما يقتضي تجاوز حقيقة أكثر أهمية من «الإبداع»، فالمبدعون لا يبدعون في فضاءات فارغة، الإذاعي البحريني يحتاج أن «يفهم»، قبل أن يحاول «الابداع»، فالإبداع في المكملات الإعلامية، كالديكور أو المؤثرات الصوتية أو طريقة العرض الإعلامي لا يقتضي النجاح إذا ما بقى المحتوى الإعلامي media content فارغاً.

ليس الإبداع في أن نستقطب الاتصالات الهاتفية، أو مكالمات المسئولين، وليس الإعلام جهاز خدمة اجتماعية، وإلا لكان من المفترض أن تكون الإذاعة صندوقاً خيرياً، او مؤسسة للخدمات الاجتماعية، وليست العبارات المستهلكة مثل «نحن كوسائل إعلام يجب أن نبحث عن المواطن المتضرر لكي نحل قضيته» ستكون الخاتمة الأفضل، فجميع المؤسسات الإعلامية تزعم مثل هذا الزعم، فما الذي يتغير؟!

«الحكومة» ليست هي قوام المجتمع المدني، لذلك هي خارج لعبة الإعلام، وحين تقول: «أقولها وبكل صراحة اذا كنا حكوميين فهذا شرف لنا جميعا لاننا نحب هذه البلد، ولا يمكن ابداً ان نكون معارضين للحكومة... نحن مع توجهات الحكومة...» فإنك ببساطة تنتقل من الظهور كـ «إعلامي»، إلى اعتبارك رجل «علاقات عامة» حكومية.

يا عزيزي، إن الاعتقاد بأن أي حكومة - مهما امتلكت مظاهر القبول المجتمعي - هي خلاصة التشكل المدني، وبالتالي لابد من دعمها، هو اعتقاد يمثل انحرافاً عن أدوار الإعلام. تناغمك مع الحكومة، قد يفرضه الرأي العام كحصيلة عن التعايش السوي بين الحقول المجتمعية، وليس هو بالضرورة نتاج القرار المؤسسي، فالإذاعة والتلفزيون مؤسسة، ووزارة الداخلية مؤسسة أخرى.

وأملاً في أن تكون أكثر فهماً للإعلام، اعلم، أن المجتمع ليس بؤرة صراع بالمعنى التقليدي، بل هو أشبه بالمُثل المتجاورة وأجهزة الإعلام هي من تسعى إلى الحفاظ على هذا التجاور السلمي، ومتى ما أخفقت في ذلك، ينشأ الصراع، لأننا بذلك لا نملك مجتمعاً مدنياً منضبطاً. ولابد أن لا يكون هذا التناغم مناقضاً لوحدة المجتمع، الذي لا نعني به «شعباً واحداً» بل مجموعة غرباء متفقين يجمعهم عقد اجتماعي.

يا «المذيع»، لست تقوم بما يقوض الدولة حين تقوم بعملك بحيادية، فالدولة هي مؤسسة مدنية ينتجها الجمهور، والمؤسسات الإعلامية مؤسسات ينتجها الجمهور ذاته.

لذلك لابد أن يكون بينهما توازن بشرط أن لا يصل إلى حد الاندماج، كما تقرر ذلك بقولك: «سأظل طوال عمري رجل أمن (...) وكل مواطن يعتبر رجل أمن»، في الحقيقة لست رجل أمن. وهذا خلط في «الفهم»، وتوظيف بليد لمفهوم «رجل الأمن»، وتجاوز لسلطات ليست من اختصاصك.

اعلم يا «المذيع»، أن هذا المجتمع هو الذي سمح لإذاعتك بأن «توجد»، والهدف من هذه «الموافقة المجتمعية» هو الحصول على خدمات معلوماتية وتحليلية بكفاءة، وإخفاق أي إذاعة في القيام بهذه المهمة هو إعلان ضمني برفض المجتمع لها، إذ إنها لم تستطع أن تحقق له طموحاته ورغباته.

هذه الرؤية، لابد ان تكون في ذهنك، وهي أن المجتمع هو من أرسلك في مهماتك التحريرية، وهو من يستحق باقات «الورد»، وليست وزارة الداخلية

إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"

العدد 1360 - السبت 27 مايو 2006م الموافق 28 ربيع الثاني 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً