التفاهمات التي يقال إنها بدأت بين «حماس» والرئيس الفلسطيني لتخفيف التوتر بين الطرفين تعتبر الحل الأفضل لمنع القوى المحلية من الانزلاق نحو الاقتتال السياسي/ الأهلي. وغير التفاهم على منع احتمال اختراق «الخط الأحمر» يعني أن الفصائل الفلسطينية دخلت في لعبة خطرة تصب في النهاية في مصلحة «إسرائيل» بغض النظر عن المنتصر في المعركة. فمثل هذه الحروب لا منتصر فيها سوى العدو، فالكل خاسر حتى لو نجحت «حماس» في فرض شروطها. و«فتح» أيضاً خاسرة حتى لو نجحت في الدفاع عن مواقعها ومكاسبها.
التفاهم على تسوية داخلية بين الفصائل الفلسطينية يقطع الطريق على سياسة فرق تسد «الإسرائيلية». حركة «حماس» تعلم هذا الأمر وهي على دراية بأن «فتح» ليست العائق في وجه برنامج التحرير الشامل. كذلك حركة «فتح» تدرك أن «حماس» ليست هي الطرف المسئول عن افشال «اتفاقات أوسلو» التي تورطت فيها القيادة الفلسطينية في تسعينات القرن الماضي.
محمود عباس الذي أشرف على إدارة مفاوضات أوسلو وأسهم في تزيين الاتفاقات وتلميع صورتها يعرف أكثر من غيره، وهو على اتصال دائم بالقيادة الإسرائيلية، أن تل أبيب هي التي انقلبت على بقايا أوسلو وأطاحت بكل تلك الضمانات الأوروبية والأميركية بشأن تنفيذها. كذلك يعلم عباس أن «خريطة الطريق» التي رسمت بإشراف أميركي ولمصلحة «إسرائيل» ضاعت تفاصيلها بسبب الاعتراضات الشارونية عليها.
المشكلة إذاً ليست في سياسة «حماس» ولا في تلك المواقف المبدئية المتمسكة بها. وعباس أيضاً يعلم هذه المسألة ويدرك، بسبب خبرته الطويلة في التعامل مع القيادات الإسرائيلية، أنه حتى لو أعلنت «حماس» وقف عملياتها العسكرية واعترفت أيضاً بوجود «إسرائيل» فإن الأمر لن يغير شيئاً من معادلة القوة. فتل أبيب ستواصل سياسة القضم والسلب والاستيلاء والقتل وبناء «جدار الفصل العنصري» الذي أقرته الحكومة الإسرائيلية بعد توقيع «اتفاقات أوسلو» وحصول ياسر عرفات على جائزة نوبل للسلام.
المسألة إذاً تتصل مبدئياً بموازين القوة ومدى قدرة الأطراف صاحبة الحق على بناء قوتها الذاتية واستخدام سياسات عاقلة تخدم الهدف المرسوم. وحين تكون معادلة القوة التي لا غنى عنها للدفاع عن الحق وتحقيق العدالة مختلة تصبح الاختلافات في الاستراتيجيات مجرد خلافات في وجهات النظر.
العدالة تحتاج إلى قوة لتحقيقها والحق يحتاج إلى عصبية (أو شوكة) لتحميه، وحين تكثر العصبيات وتزداد الخلافات تصبح إمكانات بناء الجبهة الداخلية ضعيفة وغير قادرة على حمل مشروع التحرير أو برنامج التسوية. فالتحرير بحاجة إلى قوة لتحقيقه، كذلك التسوية بحاجة إلى قوة تدافع عنها. وإذا لم تتوافر القوة (والوحدة الداخلية من شروطها) في الحالين تصبح التسوية مثل التحرير. فمن يعجز عن حماية التسوية لا يختلف كثيراً عن ذاك الطرف غير القادر على إنجاز مهمة التحرير.
مسئولية فشل عباس وكل ما يتصل بتلك الأوراق المتبقية من «اتفاقات أوسلو» لا تتحملها «حماس». فالفشل يتصل بضعف المؤسسات الفلسطينية والخلل في ميزان القوى وعدم توافر تلك الشروط العربية والإقليمية والدولية المساعدة على تحقيق الحد الأدنى من المطالب المشروعة للشعب الفلسطيني.
هذا الواقع الموضوعي - البنيوي يمكن التعويض عنه جزئياً بالحرص على عدم التفريط الذاتي بما تبقى من قوى وإمكانات بشرية وسياسية يمكن التعويل عليها لسد النقص أو تقليل نسبة العجز في معادلة الصراع. وهذا بدوره يتطلب أبسط وعي لادراك سلبيات المشاحنات الفلسطينية ومدى خطورتها في حال تدهورت المناكفات من الكلام إلى الاقتتال.
الحال الفلسطينية معقدة في أساسها التكويني. وظروف الثورة أساساً كانت صعبة. وظروف السلطة التي تأسست في مناطق معزولة عربياً وإقليمياً أصعب... وبالتالي فإن ما يحصل بين «فتح» و«حماس» يزيد الطين بلة ويعطي ذريعة للاعداء والخصوم والمصطادين في المياه الوسخة فرصة للتملص من كل «الاجماعات» التي تنص عليها القرارات الدولية أو ما صدر عن القمم العربية من تصورات وخطابات.
المشكلة كانت ولاتزال في «إسرائيل» ومشروعها الصهيوني الذي مضى عليه أكثر من مئة عام. والمصيبة أن «فتح» و«حماس» تعرفان المسألة... والأكبر من المصيبة إصرار كل من الحركتين على اتهام بعضهما بعرقلة خططهما
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 1360 - السبت 27 مايو 2006م الموافق 28 ربيع الثاني 1427هـ