العدد 1360 - السبت 27 مايو 2006م الموافق 28 ربيع الثاني 1427هـ

محطات تونسية... مع العلامة ابن خلدون

حسين راشد الصباغ comments [at] alwasatnews.com

أمضيت في تونس أربع سنوات في إطار عملي الدبلوماسي، حرصت خلالها على التعرف على معالمها الحضارية والتاريخية والأثرية الثرية والكثيرة والمنتشرة في كل بقاع تونس. وتأتي على رأسها مدينة القيروان الواقعة وسط تونس وجامعها الكبير الذي بناه القائد عقبة ابن نافع الفهري، وقد زرته مرات عدة وصحبت في إحداها الصديق تقي محمد البحارنة. وأذكر أنني حضرت فعاليات مهرجان ربيع الفنون الدولي فيها بحضور كوكبة من الفنانين والشعراء العرب، وهذا المهرجان تنظمه وزارة الثقافة التونسية سنوياً، وفيها مركز ثقافي جميل.

وتحرص الجهات التونسية الرسمية على إبراز الهوية الوطنية المحلية والاستفادة من التراث التونسي الغني بالتنوع الثقافي والحضاري الذي تتصف به تونس. ومن المواقع الأثرية التي شدتني، أولها المسرح الروماني في منطقة الجم، وهو أضخم من مثيله في روما، وقد زرته مع وزير الثقافة التونسي السابق فرج الشاذلي أيام الرئيس بورقيبة. وكذلك متحف باردو العظيم، وقد قيض الله لي دليلا سياحيا كريما شرح لي محتويات هذا المتحف العظيم في أكثر من زيارتين.

وهذا الدليل السياحي التونسي الكريم هو الذي رافقني في زيارتي إلى دار أسرة الوليد عبدالرحمن بن خلدون. وقد زرت هذا البيت الجميل في منطقة تونس العتيقة، وهو مكون من طابقين ويحمل طابعاً أندلسياً إسلامياً، وفي الدور الأول الذي يشتمل على عدة غرف أو دور تطل على حوش مربع وتحتوي على أروقة ذات أعمدة جميلة، وتسكن هذه الدار عائلة تونسية في الدور الأول. وقالوا لنا أنهم لا يمتون بنسب إلى عائلة ابن خلدون. وعائلة ابن خلدون هذه قد نزحت من الأندلس بعد سقوط قرطبة وطليطلة وأشبيليا إبان أفول نجم العرب هناك، من بين عائلات أندلسية كثيرة تعرضت للقتل والوأد والاضطهاد. وعمارة هذه الدار ذات الأعمدة الجميلة نجدها منتشرة في معظم بلداننا العربية، والذي لفت نظري أن الغرف مزركشة بنقوش جميلة تشد إليها الناظرين. ومن المعروف أن ابن خلدون ولد في هذا البيت الجميل. ويبدو أن عائلته ميسورة الحال.

وفي تونس انطلقت في شهر مارس/ آذار من هذا العام احتفالات الذكرى المئوية السادسة لوفاة مؤسس علم العمران البشري العلامة أبو الوليد عبدالرحمن بن خلدون، وستستمر لمدة سنة وتنتقل بعد ذلك إلى اسبانيا وفرنسا. إنها عبقرية فذة ظهرت خلال القرن الرابع عشر الميلادي، وما ذكره المؤرخ وعالم الاجتماع البريطاني ارنولد تويمبي لخير إطراء وتقدير في حق ابن خلدون، حين وصف مقدمته بأنها أعظم مؤلف من نوعه لم يقم بإنجازه أي عقل من قبل في أي زمان ومكان. والذي تبنى هذه الندوة هو رئيس بيت الحكمة، الصديق عبدالوهاب بوحديبة. إنه فضاء شامخ ومعلم حضاري لأهل الحكمة والفكر والرأي، وهو ساحة مفتوحة للندوات المحلية والعربية والدولية على مدار السنة في شتى ميادين المعرفة والعلوم. ولعبدالوهاب أبوحديبة كتاب اشتمل على دراسة قيمة عن الجنسانية في الإسلام، يسلط الضوء فيه على العلاقات والأنماط الجنسية في الإسلام.

بعض المؤرخين الأوروبيين يقولون بوجود شبه بين ابن خلدون وبين ماكيافيلي في نبذ الماضي الطوباوي، إلا أن ابن خلدون يختلف عنه في أنه يلتزم بنظرة دينية واضحة، بينما ماكيافيلي يؤمن أن الدين يقف حائلا دون سطوة السلطة وقوتها وبطشها. وفي كتابه المشهور «العبر وديوان المبدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر»، يمتاز ابن خلدون بالموضوعية في رؤيته للتاريخ وكذلك بالواقعية المجردة، ولا يخطئ المرء المتجول في شارع بورقيبة بتونس العاصمة رؤية تمثال مهيب للعلامة ابن خلدون منتصب القامة ويمسك بيده كتاباً، وهو يقع أمام السفارة الفرنسية. كما ان هناك تمثالا كبيرا للرئيس بورقيبة أقيم في يوليو/ تموز 1957 في مناسبة عيد النصر.

والحديث عن هذا العالم الفذ يأخذني إلى مدارج كلية الآداب بجامعة القاهرة، إذ درسنا علم الاجتماع على يد عبدالعزيز الاهواني، هذا العالم المبدع والمحيط بعيون الشعر العربي وفنونه وخصوصا إعجابه بالشاعر المتنبي، إذ يشط به الخيال بعيدا عن علم الاجتماع فيتحفنا بما يحفظ من شعر المتنبي وروحه العالية الوثابة نحو المجد والعزة والرفعة

إقرأ أيضا لـ "حسين راشد الصباغ"

العدد 1360 - السبت 27 مايو 2006م الموافق 28 ربيع الثاني 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً