كلكم يتذكر بالتأكيد ما قرأه في الابتدائية عن قصة ذلك الأب الذي جمع أولاده وأتى بمجموعة من العصي وقال لأحدهم خذ هذه العصا واكسرها فانكسرت بسهولة ثم ناوله مجموعة منها وطلب منه أن يحاول كسرها فما استطاع!
إنها العبرة التي يجب أن يتذكرها كل فرد وتتذكرها كل جماعة في بلادنا العربية والإسلامية اليوم، وأن يضع كل الناشطين في عالم الاجتماع والسياسة هذه الأيام من دون استثناء!
نعم انظروا وتأملوا طويلاً فيما يحدث في بلداننا واحدة واحدة ثم حدقوا ملياً بالمنظر الكلي المتعدد العبر والدروس أيضاً!
في فلسطين يُشيعون ويصرون في إشاعتهم حتى كادت تصبح أقرب إلى «الحقيقة منها إلى الإشاعة بأن انتصار حماس هو «هزيمة» لفتح! ومن قال ذلك لا يهدف في الواقع إلا إلى جرّ الفصيلين المناضلين إلى اقتتال لا يتوقف ولا ينتهي إلا بانتصار أحدهما على الفصيل الثاني!
لماذا؟ لأن المجتمع الإسرائيلي في تفكك متواصل. نعم لقد مات آخر ملوك «إسرائيل» وجنرالاتها، ومن تبقى من جيل الاستيطان والاستعمار لا يكاد يملك قدرة السيطرة على وحدته العائلية المصغرة ناهيك عن الجماعة اليهودية الإسرائيلية المشتتة. وها هو رئيس الوزراء أولمرت الذي يحاول صباح مساء أن يفرق بين السلطة والحكومة الفلسطينية لا يكاد يتفاهم حتى مع زوجته المختلفة معه ناهيك عن ابنته السحاقية الخارجة على سياسته والقابعة في لندن وابنه الآخر الهارب من العسكرية والذي يفضل باريس أو الآخر القاطن في نيويورك ليضمن مستقبله الفردي بعد توصله إلى قناعة استحالة العيش في «إسرائيل»!
كيف يكون انتصار حماس هزيمة لفتح وكل ما كانت ولاتزال تهدف إليه فتح هو تحرير الشعب الفلسطيني من الاحتلال، وكل ما كانت ولاتزال تهدف إليه حماس هو أن يكون القرار الفلسطيني والسلطة الفلسطينية بيد الفلسطينيين؟ إن فتح الأمس ترى روحها في حماس اليوم وحماس اليوم ترى نفسها في فتح الأمس. ألا يعني هذا تكامل الدورين واستمرارية الكفاح؟!
ألا تقول الأنشودة الفتحاوية الأسطورية إن الشهيد الفلسطيني لم يمت لأنه يرى النصر في عيون رفيقه الذي يرفع الراية من بعده؟!
إنها القصة نفسها تتكرر اليوم في العراق. نعم في العراق، لا تصدقوا عملاء الاحتلال والمنظرين لبقائه بأي ثمن كان من سلطويين أو إرهابيين يقتلون شعبهم على الهوية والمصرّين على تقسيمه إلى أعراق وطوائف ومذاهب وقوائم وكيانات وأن يكون أي شيء إلا أن يكون وطنياً عراقياً خالصاً للعراق!
نعم إنها القصة نفسها في لبنان، وهي القصة نفسها في سورية، ونفسها في إيران، وفي أية لحظة قد تندلع في البحرين وفي السعودية والكويت، وهم أنفسهم الذين يعملون عليها ليل نهار في مصر الكنانة، نعم: «أنت قبطي مسيحي والإسلاميون قادمون ليأكلوك وينزعون هويتك وذاتك ويذوبونك في دينهم وثقافتهم الكليانية والراديكالية والإرهابية»!
هكذا يقولون له وينفخون في روح التخندق الطائفي والمذهبي والعنصري المقيت حتى يحولوا المنطقة كلها إلى كيانات «إسرائيلية» مفككة تماماً كما هي الحال الإسرائيلية داخل الكيان المصطنع
الشيء نفسه في العلاقة البينية فيما بين الدول. سورية محكوم عليها بالمؤبد لأنها تحتضن الفلسطينيين بفصائلهم و«تتدخل» في العراق! وإيران محكومة بالمؤبد لأنها تدعم الفلسطينيين واللبنانيين وترعاهم و«تتدخل» أيضاً في العراق!
والمقاومون اللبنانيون بالمقابل بماذا هم متهمون؟! بالتبعية لمحور سوري - إيراني! وكأن الأميركيين والبريطانيين من أصول بصراوية أو نجفية أو بغدادية أو جنوبية لبنانية أو شامية أو أهوازية حتى يتدخلون في كل مكان يشاءون وبالقلم العريض وعلى رؤوس الأشهاد بل وحتى بالذخيرة الحية، فيما نحن يجب أن نخفي حتى الريال أو الدرهم أو الدينار الذي نقدمه إلى عوائل شهداء أو جرحى أو أيتام أهلنا في فلسطين ولبنان والعراق باعتبارنا «أغراب» قادمين من وراء البحار والمحيطات، فيما هم أهل الدار!
اكسروا هذه «الخطوط الحمر» الكاذبة! إنها وهم اصطنعوه لتفريقنا عن بعضنا بعضاً، هم أنفسهم لا يصدقونه، بل إن قاعدة تعاملهم مع من وما زرعوه في المنطقة هي العكس تماماً، لا بل أن «إسرائيل» تفاخر وبأعلى صوت مسموع بأن سفير أميركا في الأمم المتحدة جون بولتن هو سفيرنا وعميلنا السري، فيما نحن لا نكتفي بالرد على أهلنا وأصدقائنا وحلفائنا ومن لهم الفضل علينا في أن أصبحنا زعماء ونواباً ووزراء ومسئولين يُقام لنا ويُقعد، بل نذهب إلى تكريم قاتل أهلنا وقاتل شعبنا وصانع مجازر فلسطين والعراق ولبنان ولا نخجل لا من أهلنا ولا من أنفسنا. ثم نستغرب لماذا لا نزال بعد في مؤخرة ركب التقدم الإنساني والحضاري! ونربي شعبنا وأهلنا بالتخلف الثقافي والفكري وانعدام الهمة والتمسك بالتقاليد والأعراف البالية!
ناسين أو متناسين أن من لا جذور له في أرضه وأهله لا جذع ولا أغصان ولا ثمر له حتى لو تعلق بأستار «كعبة» أقوى القوى البعيدة أو القريبة! وأن قوتنا هي في تضامننا وتوحدنا وانتصارنا لبعضنا بعضاً وتحملنا لبعضنا بعضاً وتكاملنا وتكافلنا والحرص الشديد على العض بالنواجذ على مصادر قوتنا الداخلية والذاتية، وعند ذاك لا بأس من التواصل مع الآخر مهما كان بعيداً أو غريباً والأخذ منه والتعاطي معه بكل وسائل التعاطي الإنسانية، لكن الشرط الأساسي أن نكون شيئاً ما أولاً وإلا ذُبنا ولم نستطع أن نقدم أية خدمة حتى لمن راهن علينا. لأننا عندئذ نصبح مصداقاً للآية الكريمة التي تقول: «وضرب الله مثلاً رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء وهو كَلٌّ على مولاه أينما يُوجهه لا يأتِ بخير...» (النحل: 76).
نعم، لا يستوي من هو أصيل وضاربة جذوره عميقاً في الأرض، ومن هو لا رأسمال له إلا التغني بقدرة الآخرين والتحسر على ما يملكونه.
فلننظر إليهم وهم على باطلهم كيف يتناصرون وكيف يتجمعون وكيف يُنسقون وكيف يتنادون لجمع أنفسهم كرزمة العصي تحت عنوان الإجماع الدولي والمجتمع الدولي و... ولننظر إلى بلادنا واقطارنا وقواتنا المتفرقة كالعصي المنفردة المعزولة عن بعضها بعضاً والتي يسهل كسرها من جانب أضعف خلق الله فكيف بنا ونحن نواجه قوى متحدة متمترسة خلف ترسانة من أسلحة الدمار الشامل وأقل اتهام توجهه لنا هو أننا نتضامن مع بعضنا بعضاً وهو أضعف إيماننا
إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"العدد 1359 - الجمعة 26 مايو 2006م الموافق 27 ربيع الثاني 1427هـ