شهدت البحرين إصلاحات إدارية ابتداءً من العام 1919 وذلك بإنشاء المحاكم والتنظيمات البلدية والمدارس بنين وبنات، ففي العام 1919 أنشئت محكمة مشتركة يرأسها المعتمد البريطاني تختص بالدعاوى التي يقيمها الأجانب ضد الرعايا البحرينيين كما أنشئ في العام 1920م مجلس بلدي مؤلف من ثمانية أعضاء، أوكلت إليه مسئوليات مدنية كالمرافق العامة والنقل والمواصلات والماء والكهرباء، كما أعطي له الحق في إنشاء فرقة صغيرة من الحرس البلدي، وتم تنظيم المجلس العرفي بعد ذلك الذي أعطي حق النظر في القضايا التجارية، إلا أنه خلال تطور مسيرة التحديث في مملكة البحرين في القرن الماضي كان هناك تطور موازٍ في المطالب الشعبية المتمثلة في تأسيس برلمان منتخب من الشعب إذ تطور هذا المطلب في أواخر الثلاثينات من القرن الماضي على يد فئة من التجار الوطنيين ونخبة من الشباب المثقف الذي درس في عاصمتي التنوير العربي وهما بيروت والقاهرة، إذ اطلع وآمن بالفكر القومي الوطني التحرري وعاد إلى المجتمع البحريني ليشارك بفعالية في الحياة السياسية البحرينية، الى أن أخذ هذا المطلب يشكل ركيزة من ركائز العمل الشعبي فرفع للحاكم لتحقيقه عن طريق هيئة الاتحاد الوطني 1954 - 1956 وهي تمثل تحالف قوة الشعب بمختلف طوائفه ومشاربه السياسية، واستمر مطلب تأسيس برلمان منتخب من الشعب حتى استقلال دولة البحرين عن الانتداب البريطاني العام 1971م إلا أن هذا الاستقلال ما لم يعزز بدستور وحياة دستورية فلن تتحقق آمال الشعب وتطلعاته فكانت الحاجة السياسية والاجتماعية والاقتصادية أوجبت صدور دستور حديث، وعليه فإننا نحدد ثلاثة محاور أساسية لتوحيد الاتجاه خدمة للمشروع الإصلاحي الكبير:
صدر مرسوم أميري رقم (1) لسنة 1971 بشأن التنظيم السياسي لدولة البحرين قد حدد معالم الدولة الرئيسية، كما صدر المرسوم رقم (12) لسنة 1972 بشأن إنشاء مجلس تأسيسي لإعداد دستور للدولة الذي صدر في 9 يونيو/ حزيران 1973 وعلى اساسه تمت الانتخابات التشريعية وانتخب المجلس الوطني الذي مارس عمله منذ العام 1973 إلى أن تأزم الوضع السياسي في الدولة نتيجة موقف السلطة التشريعية من قانون أمن الدولة الذي تقدمت به الحكومة ما حدا بالأخيرة أن تتقدم باستقالتها في 24 أغسطس/ آب 1975 ويحل المجلس على أثر ذلك، إذ تشكلت الوزارة مرة ثانية بتاريخ 25 أغسطس 1975 واستمر حل المجلس سبعة وعشرين عاماً على رغم صراحة نص المادة (65) من الدستور التي تنص على انه «للأمير أن يحل المجلس الوطني بمرسوم تبين فيه أسباب الحل، ولا يجوز حل المجلس لذات الأسباب مرة أخرى، وإذا حل المجلس وجب إجراء الانتخابات للمجلس الجديد في ميعاد لا يجاوز شهرين من تاريخ الحل. فإذا لم تجرَ الانتخابات خلال تلك المدة يسترد المجلس المنحل كامل سلطته الدستورية ويجتمع فوراً كأن الحل لم يكن ويستمر في أعماله الى أن ينتخب المجلس الجديد»، إلا ان هذا النص أوقف بالأمر الأميري رقم (4) لسنة 1975.
بعد أن تولى جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة مقاليد الحكم بعد وفاة والده رحمه الله في مارس/ آذار من العام 1999 وبرؤيته الثابتة المستنيرة للحالة السياسية في مملكة البحرين استطاع أن يقدم مشروعه الإصلاحي الكبير في المجال السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وقد بدأ بإعداد ميثاق العمل الوطني الذي استفتى عليه الشعب في شهر فبراير/ شباط العام 2001 وقد وافق عليه الشعب بنسبة 98,4 في المئة.
وبتاريخ 14 فبراير 2002 صدر التعديل الدستوري الجديد وبذلك تم تدشين مرحلة جديدة من العمل البرلماني وخلال هذه الفترة صدرت حزمة من القوانين من شأنها أن وضعت اللبنات الأولى لمسيرة المشروع الإصلاحي لجلالة الملك منها قانون مباشرة الحقوق السياسية الذي نظم حقوق المواطن السياسية وكذلك مرسوم بقانون رقم (15) لسنة 2002 بشأن مجلس الشورى والنواب الذي نظم طريقة التعيين في مجلس الشورى ونظم الانتخاب في مجلس النواب كما صدر مرسوم بقانون رقم (14) لسنة 2002 ومرسوم بقانون رقم (54) لسنة 2002 بشأن اللائحة الداخلية لمجلس النواب، وانتخب أعضاء مجلس النواب في اكتوبر/ تشرين الأول من العام 2002 لأربع سنوات وسط أجواء مهيبة بين مقاطعة ومشاركة وتهيب من حداثة التجربة إلا أنه مارس خلال الفترة الماضية عمله بخطوات ثابتة في ممارسة صلاحياته الدستورية من خلال التشريع والرقابة وبذلك استعادت السلطة التشريعية عافيتها مرة أخرى وبدأت بثبات أكبر وعمل منظم يهدف الى المصلحة الوطنية وأخذت التجربة البرلمانية في مملكة البحرين يكون لها صداها في المنطقة العربية والعالم من خلال مشاركات أعضاء المجلس الوطني وحصوله على عضوية اتحاد البرلمانيين الدولي والمشاركة في فعاليات البرلمانات الأخرى بكل فعالية كما يشارك المجتمع المدني في مملكة البحرين ويعتبر نفسه شريكاً له لما يمثله من سلطة تشريعية منتخبة قريبة من آمال شعب البحرين وتطلعاته.
أمام هذه التطورات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المتسارعة حديثاً في مملكة البحرين خصوصاً ومنطقة الخليج عموماً يحتم على المسئولين في مملكة البحرين حكاماً ومحكومين ألا ينظروا الى مصالح آنية في مجال الديمقراطية والتنمية وإنما تعزيز دور المؤسسات وبناء الكوادر المحلية المؤهلة والمدربة وفـي هـذا المجال يجب ألا نرفع الشعارات الجوفاء بل تطبيق ذلك بشكل عملي وعلمي ومحاولة إبعاد التطرف السياسي عن مراكز بناء الكوادر الإدارية المعنية بالتنمية الديمقراطية سواء أكانت حزبية عقائدية أم يمينية ولاؤها أعمى فقد أثبت التاريخ أن التطرف يلتقي سواء كان معارضة أو موالاة ولا يعني في هذا المقام ألا يكون للشخص فكر معين، وإنما تدريب أنفسنا والآخرين أن نعمل بمهنية وحيادية بعيدة عن النظرة الحزبية الضيقة التي تناصر فكراً معيناً أو طائفة معينة، فعلى رغم أحقية البعض في ذلك فإنه يجب أن نبعد تجاذباتها عن السلطة التنفيذية والتشريعية والمؤسسات المعنية بالديمقراطية حتى نضمن تحقيق أكبر قدر ممكن من الصالح العام، فإذا توجهنا بهذه النظرة استطعنا أن نحمي مؤسسات الدولة المختلفة من التعصب الضيق إلى رحابة العمل المشترك وتقبل بعضنا بعضاً فإذا كانت السلطة التنفيذية قد انفردت بالتطرف اليميني ردحاً كبيراً من الزمن إلا أنها استطاعت أن تخلق بين ثناياها تياراً معتدلاً أخذت قاعدته في الاتساع أكثر فأكثر، أما السلطة التشريعية التي ظلت مغيبة مدة كبيرة فإن مهمتها أصعب بكثير لكونها تأتي على قواعد انتخابية في الغالب منها طائفي حزبي والقليل مستقل معتدل وهو ما يحتم عليها أن تتخلى عن النظرة المحدودة للأمور ويتخلى بعض أعضائها - منهم من في السلطة حالياً أو من منهم قادمون - عن القضايا السطحية والصدامية التي يعتقد بأنها في صالح الوطن وأنهم يحتكرون الحقيقة، والسلطة التشريعية عليها أن تنظر من زوايا عدة وعليها أن تجد الاعتدال في الطرح لكون أعضائها يمثلون عموم شعب البحرين فهم لا يمثلون طائفة أو فكراً معيناً متحزباً. وهذا إذا كان يسري على الأعضاء المتأسلمين يسري بالضرورة على أعضاء السلطة التشريعية من المعتدلين المنفتحين. فمن الخطأ ألا يدافع من يمثل التيار الإسلامي عن الأفكار الجديدة الحرة الملتزمة بالدين وبالعادات والتقاليد، كما أنه من الخطأ ألا يدافع المعتدل المستقل عن شريحة من المجتمع ملتزمة بالدين في مظهرها وتريد تطبيقه بالأسلوب المتعارف عليه. فالعلاقة جدلية وليست صدامية كما يعتقد البعض، إلا أنه كلما غلّبنا مصالح الوطن ونظرنا إليها بشيء من تقبل أفكار الآخرين كلما كان وطناً جميلاً بحديقته الأمامية والخلفية لتنوع ألوان أزهاره التي تشرئب أعناقها بالحرية والديمقراطية
العدد 1358 - الخميس 25 مايو 2006م الموافق 26 ربيع الثاني 1427هـ