العدد 1357 - الأربعاء 24 مايو 2006م الموافق 25 ربيع الثاني 1427هـ

رحل تاركاً وراءه أسرة لليتم والترمّل

سيد ضياء الموسوي comments [at] alwasatnews.com

طيلة هذا الأسبوع كنت أتحدّث عن معلومات دقيقة عن المخدرات... دخلت بيوتاً، وجلست مع الكثير من هؤلاء الشباب، استمعت إلى بعضهم، ونقلت تصريحات بعض آخر، وكلما توغلت في هذا الملف شعرت بأهمية الدخول في دهاليزه، كي نخلق إضاءة في عتمة هذا النفق المؤلم والمحزن... فالأمن الاجتماعي مسألة مهمة يجب المحافظة عليه.

عندما ذهبت إلى «مركز المؤيد» جلست هناك مع 16 شاباً بحرينياً، استمعت إليهم عن قرب، ألقيت عليهم كلمة في بداية الأمر، وكنت صريحاً في طرح مشاعري وتصوراتي لهذا الملف، لكني آثرت أن أسمع منهم هم أنفسهم، وشعورهم تجاه هذا المرض الخطير، وانطباعهم تجاه المركز ووزارة الصحة، وغير ذلك من القضايا.

أثار انتباهي شاب من إحدى المناطق الشمالية، كان يقول: «يا سيد، أنا الآن أعاني من الإحباط»، فرددت عليه لكنه قاطعني قائلاً: «جاءتنا الوزيرة ووعدتنا بتغيير الحال نحو الأفضل ولم نرَ شيئاً». قلت له: الآن سيفتح الجزء العلوي من المركز وستوضع 10 أسرّة إضافية، أجابني: «وهل تعتقد أن 10 أسرّة تكفي؟».

متى سيفتح مركز نموذجي؟ كثير من الشباب يريدون الالتحاق لإزالة السموم من أجسادهم، وهذا يستدعي 6 أشهر يكونون فيها تحت المراقبة من قبل الطبيب والاختصاصي النفسي... بعض الشباب يحصل على الأقراص الكثيرة المهدئة، فيعطى إيّاها هرباً من المسئولية فيلتهما جميعاً إلى أن تقتله، لو كانت هناك أسرّة كافية لاستطعنا إنقاذ عشرات الشباب البحريني. تقع على عاتق وزارة الصحة مسئولية كبرى، يجب أن تدفع باتجاه بناء مركز نموذجي كبير ولابد من تشكيل لجنة من أجل ذلك.

تتذكرون الأم التي تحدثت لكم عنها، والتي فقدت ثلاثة من أبنائها، الآن الابن الرابع تم الإفراج عنه، حاول أحد المنتسبين إلى منظمة الزمالة للمخدرات توفير عمل لهذا الشاب، لكن ارتأيت معه أن ندخله المركز لإزالة السموم أولاً من جسده، قبلت الأم العرض، لكن المشكلة أنه بعد الاتصال تبيّن أن المركز ممتلئ، ولا يوجد فيه سرير شاغر. أمّ ذلك الشاب اتصلت وألّحت على إدخاله، وكذلك زوجته لأنهما تخافان أن يلجأ الشاب إلى هذا السمّ مرة أخرى ويفقد حياته.

السؤال: على مَنْ تقع المسئولية لو فقد هذا الإنسان حياته التي بالإمكان تداركها بوجود سرير في المركز؟

أريد هنا أن أطرح خبراً مؤلماً... يوم الثلثاء الماضي توفي شاب بحريني في الحمام بسبب تناوله كمية كبيرة من الحبوب، سقط على الأرض تاركاً وراءه زوجة وأبناء.

السؤال الكبير الذي يُوجّه إلينا: كم عائلة فقدَتْ عائلها بسبب المخدرات؟! كم عائلة انهارت بسبب ذلك؟! ما الحل؟ ما موقف الحكومة؟ ما موقف المجتمع؟ ما دور علماء الدين والمثقفين؟ أنا لم أعلم أن بفتحي لهذا الملف سأكتشف كل هذه المعلومات المبتلة بالدموع والآلام، يجب ألا نضع كل المسئولية على وزارة الداخلية، بل كلنا مسئولون؛ من الحكومة إلى المجتمع إلى الأسرة... الدعايات الإعلامية مهمة، ولكن في تصوري أن أهم شيء الآن هو إيجاد مركز نموذجي يستوعب الحالات الموجودة. وفي الفترة الحالية، لابد من إنشاء مقر للطوارئ يتمثل في إيجاد موقع يعيد تأهيل - ولو مؤقتاً - هؤلاء الذين يتساقطون.

ما أعجبني في «مركز الرحمة لرعاية الشباب» هو استفادته من التجارب الغربية في رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة (العقلية)، إذ استفادوا من خبير كندي في بعض الأمور وابتكروا أشياءً تستحق الإشادة... نتمنى إيجاد مركز لتأهيل المدمنين بالجودة نفسها وأفضل أيضاً.

لديّ إحصائية لعدد الذين سقطوا من الشباب البحريني طيلة السنوات الماضية، والعدد في ازدياد في السنوات الأخيرة لعدة أسباب، منها: غياب مركز تأهيلي نموذجي، وهروب المجتمع من تحمل المسئولية، الفراغ والفقر وعدم مراقبة الأسرة للأبناء، وكذلك إغراق الشباب بالأقراص المهدئة لعدم وجود البديل. وأخيراً، التعاطي الوحشي للمجتمع مع المشكلة بدلاً من التعاطي العلمي والإنساني.

نحن أمام إشكال كبير لا يُعالج بإخفاء الرأس في التراب، أو وضع الماكياج على الملف، ولا بـ «الهيصة» الموسمية، بل بمتابعة الملف طيلة العام، والتعاون مع الجهات المختصة للقبض على أي مروّج لهذه السموم الخطيرة على شبابنا ومستقبل أبنائنا

إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"

العدد 1357 - الأربعاء 24 مايو 2006م الموافق 25 ربيع الثاني 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً