في الاسبوع الماضي كتبت مقالاً عن لجوء بعض سيدات البحرين إلى خارج بلادهن بغية تحقيق بعض مطالبهن وقلت في ذلك المقال أنني لا أرى وجاهة لمثل تلك التصريحات لأن التغيير يجب أن يكون من الداخل ولأن الآخرين (مهما كانوا) لن يحققوا شيئاً لنا في أي بلد من بلداننا والوقائع الكثيرة تثبت كذبهم وأنهم يتخلون عن كل أحد في سبيل مصالحهم.
هذا المقال كما لقي قبولاً لدى البعض فإنه لقي اعتراضاً من البعض الآخر وكانت حجة الرافضين، أن القضاء الشرعي في البحرين لا يحقق المطالب المعقولة لسيدات البحرين وأنهن يعانين من هذا القضاء المذهل الذي أضاع حقوقهن (كما قلن) وهذا الوضع السيئ هو الذي جعل غادة جمشير ومن معها يلجأن إلى الغير بغية تحقيق مطالبهن.
هذه خلاصة ما جاء في اعتراضات بعض سيدات البحرين على مقالي السابق، وهذه الاعتراضات هي التي أوحت لي كتابة هذا المقال. الذي أعرفه أن القضاء الشرعي هو الذي يحكم في قضايا الأحوال الشخصية في البحرين، وهذا النوع من القضاء هو الذي يحكم في مثل هذه القضايا في السعودية، كما يحكم في سواها، وليت إخواننا في البحرين يتخذون من القضاء الشرعي منهجاً لهم في كل قضاياهم، فأهل البحرين مسلمون، ولو جربوا القضاء الشرعي لأدركوا أنه الأفضل بالنسبة لهم ولتخلصوا من كثير من مشكلاتهم مع القضاء الموصوف بـ «المدني».
أقول إن المرأة في السعودية لا تعاني مطلقاً من القضايا التي قيل أن المرأة في البحرين تعاني منها خصوصاَ في قضايا الزواج والطلاق والإرث وبقية الحقوق الأخرى... ففي قضايا الطلاق(مثلاً) يحق للمرأة السعودية أن تطلب الطلاق من زوجها إذا وجدت أن حياتها مستحيلة معه، فإذا كانت هذه «الاستحالة» من دون سبب واضح، أي أنها تكرهه من دون أن يسيئ إليها فلها (حسب القضاء الشرعي) حق «الخلع» على أن ترد له المهر الذي دفعه لها. والقاضي في السعودية يقوم بتطليق الزوجة من زوجها في حال رفضه أن يقوم بالطلاق بإرادته، وهذه العملية تتم بسهولة وقد لا تستغرق شهراً في بعض الأحيان، وهناك تعليمات واضحة في قضائنا تحدد دور القاضي في هذه العملية وتلزمه بإجراء الخلع في حال رفض الزوجة البقاء مع زوجها. وإذا رأى القاضي أن الزوج قد أساء لزوجته إساءة واضحة يستحيل معها دوام العشرة الزوجية فله الحق في تطليقها منه من دون عوض مادي. هذه الحال قد تتأخر قليلاً لأنها تحتاج إلى أدلة تقدمها الزوجة لتثبت فيها سوء معاملة زوجها لها.
أما قضايا تزويج الفتاة رغماً عنها فهذه الظاهرة تكاد أن تختفي من مجتمعنا في السعودية، ربما نجد لها أثراً في البادية، ولكنها عندما تصل إلى القضاء ويثبت للقاضي أن الفتاة تزوجت رغماً عنها فإنه يخيرها بين القبول بهذا الزواج أو رفضه فإذا رفضته فإن القاضي يقوم بتطليقها على رغم أنف والدها أو زوجها، وهذا هو الشرع الإسلامي الذي نعرفه جميعاً.
في قضايا الميراث لا نجد هناك أية مشكلة للمرأة في هذا الباب، كما لا نجد لها في الغالب أية مشكلات في مجال العمل أو الدراسة إلا بعض الإشكالات التي تقع للرجل وللمرأة على حد سواء، فإذا كان هناك ظلم للمرأة فهناك ظلم آخر للرجل في هاتين المسألتين.
هناك مسائل قد تكون محل اختلاف بين بعض فئات المجتمع، فالبعض يرى أن حرمان المرأة منها يعتبر حرماناً لها من حقوقها الأساسية، بينما يرى البعض الآخر أن تلك المسائل مختلف فيها وأن مصلحة المجتمع في عدم تحقيقها.
لعلي أمثل لهذه المسائل بقيادة المرأة للسيارة، وكشف الوجه، وعدم الاختلاط في بعض الأماكن وما شابه هذه المسائل التي يعتبرها البعض محل اختلاف اما من الناحية الشرعية أو الاجتماعية. وهذه المسائل (كما أعرف) لا تشكل عقبات حقيقية للمرأة في مجتمعنا ولعل الحراك الاجتماعي الموجود الآن يزيل كثيراً منها.
أعود إلى القضاء الشرعي في البحرين الذي عرفت أنه يحكم في قضايا الأحوال الشخصية للسنة والشيعة على حد سواء وأعجب لما أسمع عن تعطيله وتأخيره لبعض المسائل التي يجب أن لا تتأخر مطلقاً ولست أظن أن المسألة هنا تتعلق بالقوانين القضائية لأن هذه القوانين ينبغي أن تكون شرعية والشرع ينصف المرأة ويأمر في الوقت ذاته بعدم تعطيل مصالح الناس مهما كانوا.
الخلل إن كان من الأشخاص فمن واجب وزارة العدل أن تعيد النظر في تأهيلهم وأن تضع ضوابط لهم تحاسبهم عليها وهذا هو لب الشرع وأهدافه ولا يجوز لهم مطلقاً تعطيل مصالح الناس. وإن كان الحل في وضع لوائح قضائية تتماشى مع الشرع فليكن لأن مصلحة الناس (كما قلت) هي الهدف من الشرع الإسلامي كله، فالإسلام جاء لخدمة الناس وتسهيل مصالحهم ونقلهم من وضع سيء إلى وضع أحسن منه وأفضل.
لا يجوز مطلقاً أن يلجأ الناس إلى الآخرين هرباً من ظلم الشرع وكان الأولى، أن تكون المسألة عكسية لأن الشرع ينبغي أن يحتوي الناس كلهم.
المرأة يجب أن لا تظلم في مجتمعها المسلم، كما أن من واجب هذا المجتمع أن لا يقبل أن تكون نساؤه «متعجرفات» يفسدن المجتمع ولا يصلحنه بحجة الفن أو الحرية... التوازن مطلوب ولا يقوم أي مجتمع إلا بتحقيق الخير لكل أفراده، رجالاً ونساءً، فهل ندرك هذه الحقيقة التي لا تحتاج إلى كبير فهم؟
إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"العدد 1357 - الأربعاء 24 مايو 2006م الموافق 25 ربيع الثاني 1427هـ