تصنف هيئات الإدارة الانتخابية في العالم عموماً وفق ثلاثة نماذج. النموذج الحكومي، النموذج المستقل والنموذج المختلط. في النموذج الحكومي تدار الانتخابات وتنفذ عبر الجهاز التنفيذي، من خلال وزارة الداخلية، أو العدل أو غيرها من الإدارات والهيئات الحكومية وتشرف السلطة التنفيذية على عمل الهيئة التي يحدد أعضاءها بالتعيين أما التقارير فترفع إلى الوزير، وعادة ما تخصص الموازنة ضمن موازنة الوزارة من دون منع تلقي التبرعات. ومن أمثلة الدول المتبعة لهذا النموذج تونس، المغرب، سنغافورة، السويد، الدنمارك، الولايات المتحدة الأميركية، البحرين.
وفي النموذج المستقل الذي تفضله الديمقراطيات الجديدة، تستقل هيئة إدارة الانتخابات عن السلطة التنفيذية وتدير موازنتها بذاتها، ويتحدد أعضاؤها من خارج الحكومة وأجهزتها. هذه الهيئات المستقلة غير محاسبة من قبل الحكومة بل من قبل السلطة التشريعية المنتخبة شعبيا، و لها صلاحيات لسن تشريعات تنظيمية للانتخابات ومن أمثلتها: أستراليا، كندا، بولندا، جنوب إفريقيا، الهند، البوسنة والهرسك، اندونيسيا.
وأخيراً، هناك النموذج المختلط الذي يكون التنفيذ فيه وفق النموذج الحكومي أما الإشراف والمراقبة فيكونان وفق النموذج المستقل، ومن أمثلة دول النموذج المختلط اليابان، فرنسا، ألمانيا، إسبانيا.
ووفق التعريفات السابقة فإن اللجنة العليا للإشراف العام على سلامة الاستفتاء والانتخاب في البحرين نموذج حكومي بامتياز، فالمعمول به هنا هو تعيين رئيس الوزراء لرئيس اللجنة العليا، وهذا الرئيس بدوره يعين عدداً غير محدد (كافيا) من القضاة والمستشارين بقرار من وزير العدل، ويعاون اللجنة العليا الجهاز المركزي للمعلومات، وفق المادة (18) من المرسوم بقانون رقم (14) لسنة 2002 بشأن مباشرة الحقوق السياسية، والدوائر الانتخابية تحدد بمرسوم: المادة (17).
أما موعد الاستفتاء أو الانتخاب فيحدد بأمر ملكي: المادة (15)، ويكون إصدار الأمر قبل التاريخ المحدد لإجراء الانتخابات بخمسة وأربعين يوماً على الأقل. اللجنة العليا لدينا ترفع تقريرها إلى رئيس الوزراء كما تعد الحكومة مشروع الموازنة وترفعه للبرلمان للإقرار. أما المناصب الأساسية فيتولاها أفراد قلة متكررة من الأسرة الحاكمة، فرئيس الجهاز المركزي للمعلومات هو ذاته الرئيس التنفيذي للانتخابات وهو أيضاً وزير الدولة لشئون مجلس الوزراء، أما مديرة دائرة الاستفتاء والانتخاب فقد عينت أيضاً من الأسرة الحاكمة وحتى الآن لا توجد إجابة واضحة عن موعد الانتخابات.
وعلى الطرف النقيض هناك النموذج البريطاني المستقل عبر لجنة الانتخابات البريطانية. اللجنة شكلها البرلمان البريطاني في 30 نوفمبر/ تشرين الثاني ،2000 مع تفعيل قانون الأحزاب السياسية والانتخابات والاستفتاء الصادر في العام نفسه وهي مسئولة مباشرة أمام البرلمان عبر لجنة Committee Speaker s (9 نواب) ويرأسها رئيس مجلس العموم البريطاني. ومن مهمات اللجنة المستقلة تسجيل الأحزاب السياسية، تنظيم أوجه صرف الأحزاب السياسية في الحملات الانتخابية، إعداد ونشر التقارير بشأن الانتخابات والاستفتاءات الأساسية، مراجعة قانون الانتخاب وإجراءات التنفيذ المتعلقة به، تقديم النصح والمشورة للحكومة ولسائر المعنيين في عمليات الانتخابات والاستفتاءات بشأن التغييرات المطلوبة، رفع الوعي الجماهيري بشأن نظم الانتخاب في بريطانيا ومراجعة حدود الدوائر الانتخابية.
وتخضع اللجنة لقانون حرية المعلومات 2000 he Freedom of Information Act (FOIA) الصادر العام 2000 والمفعل في يناير/ كانون الثاني ،2005 ووفق هذا القانون يحق للمواطن الحصول على المعرفة من الهيئات والأفراد وعلى الهيئة تزويد السائل المعلومة أو توفيرها له. أما مهلة الرد على المواطن فهي 20 يوماً وفق القانون، وللسائل حق التظلم ورفع الشكوى، وآلية رفع الشكوى موضحة وكذلك سياسة النشر والإعلام مكتوبة وواضحة ومعلنة.
وإذا تأملنا وضعنا البحريني لاحظنا أن انتخابات 2002 لم تؤد إلى أي انفتاح في الجهاز التنفيذي على المواطن، ولم تراع أهم مبادئ النظم الأساسية لإدارة انتخابات احترافية وأخلاقية، التي تؤكد جميعها ضرورة استناد السلطات الحكومية على إرادة الناس كأساس وقاعدة.
أما المبادئ الاسترشادية العامة للهيئات فهي: الاستقلالية، الحيادية، الصدق والسلامة، الشفافية، القابلية للمساءلة، الفاعلية، الخدمية، الاحترافية، احترام القانون. وإذا ما حاولنا تقييم ما يجري الإعداد له للفترة القادمة فسنجد الخصائص التالية في تعامل المسئولين مع حقوق المواطنين السياسية والانتخابية: احتكار المعلومات، إذ لا يعلم أحد بشكل قاطع موعد الانتخابات، ولا نوايا الهيئة الحكومية واستشارييها في إعادة رسم الدوائر الانتخابية و إعادة تسكين المجنسين، ولا توجد لجان الدراسات المحايدة أو إحصاءات للعامة. ولا حديث عن إصلاح النظام الانتخابي، لا قوائم، لا تمثيل نسبي، لا تعديل قانوني لتمثيل النساء. كل هذا والترويج للخطاب والرؤية الرسمية مستمر عبر المؤسسات الرسمية كما مسلسل التضييق على الحريات و محاولة سحب وإنهاء عملية المراقبة والطعن في صدقية المؤسسات المدنية المعنية بالمراقبة. أما الترويج للتصويت الإلكتروني على حساب الثقة فسائر من دون اكتراث بمخاوف الباحثين المحليين أو خبراء الانتخاب الدوليين.
وأخيراً، رأينا محاولة استبعاد النشطاء من الترشيح عبر بعض التعديلات المفتعلة في قانون مباشرة الحقوق السياسية وتحديدا في المادة (3) الذي يؤدي إلى عدم تقييد المحكوم عليهم في جداول الناخبين لعشر سنوات، تبدأ من اليوم التالي لتاريخ تنفيذ العقوبة أو سقوطها أو من التاريخ الذي يصبح فيه الحكم نهائيا إذا كان مشمولاً بوقف التنفيذ.
إن للإدارة الانتخابية أهمية بالغة في بناء الثقة الشعبية، وهناك نماذج صالحة وشعبية في مناطق كثيرة من العالم. وهذه كلها تسير وفق الاتجاهات الحديثة من حيث كون الهيئات دائمة ومستقلة. هذا هو حال الدول الناشئة في الديمقراطية أو المتحولة عندما أقدمت على الإصلاحات الجادة في منظومتها الانتخابية في السنوات الأخيرة، أما نحن فلا أحد يعرف جواباً للسؤال: متى سنتحول؟
إقرأ أيضا لـ "فريدة غلام إسماعيل"العدد 1357 - الأربعاء 24 مايو 2006م الموافق 25 ربيع الثاني 1427هـ