الكل يعرف بأن الماضي قد فات ولكن المستقبل مازال أمامنا. هذا لا يعني بأن المستقبل ينتظرنا بسعة الصدر مرحباً بنا. على العكس، فالمستقبل ينظر إلينا كما نحن ننظر إلى أنفسنا. وإذا بدأت تتعثر على فهم هذا الكلام، تابع القراءة.
ما هو المستقبل؟ هل هو ما نذهب إليه من دون خيار، مقذوفين نحو مجهول غامض قد يكون أولا يكون؟ أم هو مجرد نقطة انطلاق أخرى، نحو نمط حياة جديد، نحو قدرة أكبر، نحو أمل جديد؟ المستقبل قد يكون كل تلك الأشياء، فهو صفحات يمكننا أن نقسمها لعقود أو سنين أو أيام أو حتى ثوان. فالمستقبل يبدأ لحظة من الآن ويستمر حتى آخر أيام البشرية.
فإذاً، المستقبل يعتمد على نظرتنا الخاصة نحو الحياة، لأن مضمونه الرئيسي هو الوقت. نجد الكثير من يقول إن المستقبل بعيد، ويعمل على ضياع وقته في التفاهات والكلام الفارغ، حينما يسبقه الآخرون في العمل نحو مستقبل يمكنهم العيش فيه بفخر واعتزاز. وهذا ينطبق على الأفراد كما هو ينطبق على المؤسسات والاقتصاد.
القناعة شيء والكسل والاتكال على إنجازات الماضي شيء آخر. فلا عيب في أن يتجرأ المرء بأن يحاكي المستقبل عبر أخذ المجازفة والعمل بجد نحو بنائه. فحين يأتي المستقبل، سيوجد فيه ما يمكننا أن نقول بأنه من صنعنا ومن عرق جبيننا، ومن جهدنا في تطوير حياتنا وحياة الآخرين.
قال الروائي البريطاني جورج أورويل بأن من يتحكم بالماضي يتحكم بالمستقبل، ومن يتحكم بالحاضر يتحكم بالماضي. وفي زمننا هذا حيث النزاعات السياسية والآراء الديمقراطية والشبه ديمقراطية، يجدر بأن نتمعن في قول هذا الكاتب ونعلم بأن أفضل طريقة لصنع المستقبل هو التمسك بحاضرنا، لأن من يملك صوت الحاضر، يملك صوت الماضي والمستقبل في ان واحد. وهذه الفكرة لم تغيب عن بال الدكتاتوريين وغيرهم من الحكام. فالحاضر هو محور المستقبل والماضي. محور الماضي لأن في الحاضر يكتب التاريخ وتعاد صوغها. محور المستقبل لأن في الحاضر نرى التماطل والتردد وإعطاء الوعود الفارغة لمصلحة الأقلية.
لكن بعيداً عن الأنظمة الشمولية، فنحن اليوم نتمتع بحرية الرأي والتعبير لم نعتادها منذ زمن ليس بعيد في دولنا. وهذه الشفافية والحرية تمكننا بأن نمتلك الحاضر، وبذلك علينا ألا نخجل أو نيئس من صنع مستقبل أفضل. ولا داعي لأن نسمع كلاماً مسلوب المنطق كالقناعة والجلوس دائماً، منتظرين المستقبل في سبات عميق، بينما يصنعه من هم يضعون مصالحهم قبل مصالح الناس ككل.
لننتهز الفرصة، ونبدأ بالمجازفة وملاحقة الأهداف، فهذا لا يتعلق بالقناعة، بل يتعلق بكوننا أسياد حياتنا ومستقبلنا
العدد 1356 - الثلثاء 23 مايو 2006م الموافق 24 ربيع الثاني 1427هـ