كانت انطلاقة جمعية الصحفيين البحرينية العام 2000 تحمل نوعاً من البشرى للمجتمع الصحافي، إذ ارتبطت ببدايات الانفتاح السياسي، وسبقت تجميد قانون أمن الدولة.
ومن البداية، واجهت الجمعية نوعاً من عدم الانسجام الداخلي، بسبب الخلاف على العضوية والرئاسة، وهو ما أشار إليه تقرير الخارجية الأميركية بالقول: «تضم جمعية الصحفيين البحرينية غالبية كبيرة من موظفي الحكومة من العاملين في وزارة الإعلام ولم تكن منظمة مستقلة تحمي حقوق ومصالح الصحافيين».
حينها، كان المجتمع الصحافي يتطلع إلى هيئةٍ مستقلةٍ تحمي حقوق أعضائها وتدافع عن مصالحهم وتجمعهم تحت سقف واحد، ولكن... لم يحدث توافقٌ فانقسم الصحافيون إلى «جمعية» قائمة و«نقابة تحت التأسيس»، وانتهى كل شيء.
عند التأسيس أيضاً، حدثت خطوةٌ فسّرها العاملون في المطبوعات الشهرية والدورية على أنها «كرمٌ حاتمي»، إذ تولت إحدى صحيفتين تسديد اشتراكات منتسبيها، تبيّن لاحقاً أنها خطوةٌ استباقيةٌ لضمان النفوذ والتمكين. يومها لم يوجد غير صحيفتين، أما اليوم فقد تضاعف العدد مرتين، وتضاعفت أعداد العاملين في الصحافة، ومع ذلك ظل الاختلال واضحاً في ميزان التمثيل الصحافي، الذي لم تنجح المحاولات الخجولة في تغطيته عبر دوراتٍ تدريبية أو جولاتٍ برية، مع تقديرنا لكل هذه الجهود.
كل ذلك يمكن التغاضي عنه، إلاّ أن ما لا يمكن التغاضي عنه هو الزجّ باسم الجمعية في صراعات «حزبية» بين بعض الأطراف «المتنفذة» في البلد. فالجمعية تحمل اسم الصحافيين من جهة، وتحمل اسم البحرين من جهة أخرى، من هنا ليس مقبولاً جرجرتها إلى مستنقع المهاترات بين طرفٍ يدّعي تمثيل الليبرالية قسرياً، وطرف يدعي تمثيل الإسلام حصرياً.
لن نناقش الطرفين في دوافع هذا الصراع المفتوح، أو إن كان مفتعلاً أو حقيقياً، كما أنهم لن يقبلوا نصيحة أحدٍ بتهذيب اللغة أو الالتزام بالحد الأدنى من الأخلاق عند الخلاف. فليستخدموا ما يشاءون من لغةٍ، وليتجاوزوا كل الخطوط كما يشاءون، ولكن ليس من حقّهم استخدام المؤسسات العامة في حرب تصفية الحسابات الشخصية والحزبية. خوضوا صراعاتكم وحروبكم دفاعاً عن مصالحكم الفئوية، ولكن لا تورّطوا المؤسسات المشتركة ذات النفع العام في هذه الحروب. واستغلال المنابر الدينية لا يفرق عن استغلال المنابر الصحافية، كلاهما يقع في دائرة الإشكال نفسه.
جمعية الصحفيين التي بدأت كالتماعةٍ جميلةٍ في الظلام، سرعان ما انتهت وخبت بفعل سياسة «المكيالين»، وجرجرتها إلى مواقع وحروب لم تكن أبداً من أولويات المجتمع الصحافي البحريني، ولا تعبّر عن تطلعاته وأهدافه وحتى أخلاقياته، بمن فيهم الكثير من الزملاء من أعضاء مجلس الإدارة التي تصدر البيانات المختلفة باسمهم من دون مشورة أو موافقة. إنما هو صراع ديكة تتناطح على مساحات نفوذ. فئةٌ انتزعت الكثير مما لا تستحقه من نفوذ سياسي واجتماعي وبما يفوق حجمها، وفئةٌ تتطلع إلى ممارسةِ نفوذٍ أكبر من حجمها في المستقبل وبما لا تستحقه أيضاً. هذا هو جوهر القضية.
ربما أكون شكّاكاً، لكن أصارحكم أن خشيتي الكبرى أن تستخدم الجمعية بيدقاً في صراعٍ «مفتعل»، وتحت ستار هذا الدخان الكثيف، قد يتم تمرير «قانون تقييد الصحافة» باتفاقٍ «غير مقدّس» بين الطرفين
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1356 - الثلثاء 23 مايو 2006م الموافق 24 ربيع الثاني 1427هـ