العدد 1356 - الثلثاء 23 مايو 2006م الموافق 24 ربيع الثاني 1427هـ

«نعم»... و«لا»

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

ماذا لو قالت إيران «نعم» لتلك «الحوافز» الأوروبية وماذا لو قالت «لا» لتلك «الإجراءات التشجيعية» التي يتوقع أن تقدمها الدول الدائمة العضوية إضافة إلى ألمانيا، في اجتماعها المقرر عقده اليوم في لندن؟

الـ «ماذا» الأولى والثانية تتصلان بحسابات الربح والخسارة. فإذا تجاوبت إيران مع «الحوافز» هناك أرباح وخسائر، وإذا رفضت هناك أيضاً خسائر وأرباح. فكل جواب له سلبياته وإيجابياته لأن منطق «التسوية» يعني في جوهره تقديم تنازلات مؤلمة وقاسية لخفض المطالب والطموحات من حد أعلى إلى حد أوسط للمحافظة على الحد الأدنى. وغير التسوية يعني الذهاب بعيداً في مغامرة قد تكسب الحد الأعلى وقد تطيح بالحد الأدنى.

السؤال إذاً ما هي أرباح (فوائد) إيران من الإجابة عن الصفقة (العرض الأوروبي) بكلمة «نعم»؟ وهذا السؤال معطوف على آخر. ما هي خسائر إيران في حال ردت على الحوافز بكلمة «لا»؟

استعراض السلبيات والإيجابيات يعطي فكرة عن صعوبة القرار. فكل جواب له احتمالات مختلفة قد تبدأ في مكان وتنتهي في آخر. والمساحة التي تفصل بين تكافؤ الأدلة في ميزان الربح والخسارة قد تعني من جهة احتمال قبول إيران عضواً في «النادي النووي»، وقد تعني من جهة أخرى احتمال خروجها من المعادلة الإقليمية إلى فترة ليست قصيرة.

وبين الاحتمال الإيجابي والآخر السلبي هناك مجالات مفتوحة للمناورة لكسب الوقت أو لتوضيح سلامة الموقف الإيراني أمام القوى الدولية والإقليمية. ومجال المناورة مفتوح أمام قيادة طهران السياسية في حال أحسنت التعامل بمرونة مع ما يقال عنه «حوافز» أوروبية.

التعامل الإيجابي (نعم) يعطي فرصة لطهران أن تظهر أنها الطرف العادل والمحق في سلامة ملفه النووي. وهذا التعامل سيكشف بحدود نسبية مدى جدية الاتحاد الأوروبي في عرضه وسينفضح أمر دول الاتحاد في حال تراجعت عما تسميه بـ «الحوافز». كذلك سيكشف التعامل المرن مدى صحة الكلام عن خلافات أوروبية وأميركية بشأن «الحوافز». فالرفض يعني إعطاء ذريعة لدول الاتحاد للقول أمام شعوبها إنها حاولت وفشلت. وكذلك سيعطي ذريعة للولايات المتحدة أمام دافع الضرائب والناخب والرأي العام أن واشنطن ليست هي الطرف المتشدد بدليل أنها وافقت الاتحاد على عروضه ولم تلق سوى الرفض والتصعيد.

يضاف إلى كل هذه الاحتمالات فرصة جيدة لطهران لإعادة كسب ثقة الدول الكبرى وتحديداً الصين وروسيا التي تبدو مترددة بين القبول بنقل الملف إلى مجلس الأمن ومعارضته من الداخل أو إعادته إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومناقشته من جديد.

إلى ذلك، تكون قيادة طهران السياسية أرسلت إشارة قوية تعطي تطمينات وضمانات للدول المحيطة بها وتحديداً دول مجلس التعاون الخليجي التي تفكر في إرسال وفد للبحث مع المراجع الإيرانية في إيجاد مخارج سلمية للمسألة.

في المجموع العام تعتبر كلمة «نعم» هي بداية تنازل طهران عن الحد الأعلى والقبول بالحد الوسط مقابل أرباح كثيرة منها كشف أوراق الاتحاد الأوروبي الحقيقية، وتعيين حدود الاختلاف الأوروبي - الأميركي إذا كان موجوداً في الأساس، إضافة إلى تأمين غطاء دولي (صيني - روسي) لتعطيل نهج التصعيد الذي تقوده الولايات المتحدة، وأخيراً تطمين دول الخليج العربية إلى أن الملف لا يستهدفها في اعتبار أن نشاطه يقتصر على الجانب السلمي.

مقابل هذه «النعم». ما هي سلبيات كلمة «لا». «لا» تعني رفض إيران التنازل عن الحد الأعلى وهو حقها في تخصيب اليورانيوم وتطوير مصادرها البديلة عن النفط، مقابل إعطاء ذريعة للاتحاد الأوروبي بسحب عروضه (الحوافز) وتقليص شقة الخلاف (إذا وجد) مع الولايات المتحدة وتعثر المبادرة الخليجية في اتجاه التفاوض، وكذلك سحب الغطاء الدولي (الصيني - الروسي) الذي تحتاج إليه إيران في معركتها السياسية - الدبلوماسية وأخيراً فتح الطريق أمام التصعيد الأميركي والدفع باتجاه نقل الملف إلى مجلس الأمن وتدويله واتخاذ قرارات المقاطعة والعقوبات... وصولاً إلى احتمال اللجوء إلى الحل العسكري.

هناك فرصة للمناورة إذاً تعطي قيادة طهران السياسية فسحة من الوقت لإعادة إنتاج تسوية تعطل الحد الأعلى ولا تلغي الحد الأدنى. وهذه الفرصة قد تقطع الطريق على نهج التصعيد الأميركي وتكشف أوراق الإدارة التي تعاني صعوبات في احتلال العراق ويتعرض رئيسها لأقسى حملة إعلامية أدت إلى هبوط شعبيته وتدني نسبة المؤيدين لحزبه الجمهوري الذي يستعد لانتخابات نصفية في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.

«نعم» صعبة و«لا» أصعب. وفي كل إجابة سلبيات وإيجابيات. إلا أن التوصل إلى تسوية تضمن الحد الأدنى أفضل من الدخول في مغامرة قد تطيح بالمشروع كله

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1356 - الثلثاء 23 مايو 2006م الموافق 24 ربيع الثاني 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً