دعانا الإخوة من مجلس بلدي الوسطى ومن جمعية الوفاق مشكورين إلى ندوة أسموها: «ندوة فشت العظم وسواحل سترة... إلى أين؟» فكانت تلبيتنا للدعوة حتمية كون موضوعها من أهم الموضوعات البيئية في البحرين.
وتعقيباً على ما طرح في الندوة وعدم تمكني من التعقيب عليه بتاتاً أسوة بزملائي المنتدين ممن أعطوا وقتاً مفتوحاً للرد والتعقيب، والذين طرحوا في تعقيباتهم أسئلة ولوماً واتهامات مبطنة، من أهم تلك الاسئلة التي كررت: لماذا التركيز على حماية فشت العظم؟ لماذا لا توزعون اهتمامكم على جميع البحار الأخرى؟ لماذا الهجوم على مجلس بلدي الوسطى؟ ماذا عن المسئولين الحكوميين؟ وماذا عن مناطق المجالس البلدية الأخرى؟
وأوجز ردي بأن فشت العظم قضية مهمة تهم البيئيين والمنتفعين من البحر صيادين وهواة، وتنفيذ مخطط ردمي يشكل خسارة بالغة الخطورة أجمع المجتمع المدني بكل فئاته على إنقاذه، ومستغربة جداً أن ممثلي الوفاق بخبرتهم في طرح القضايا الحساسة اقترحوا ترك هذا الموضوع الحيوي إلى غيره تخفيفاً عن مجلس بلدي الوسطى؟
اهتمامنا بمجلس بلدي الوسطى جاء رداً على طرحهم اقتراح دفن فشت العظم كما أوردته الصحافة على لسان رئيسه وإصراره على هذا الاقتراح وكأنه يملك الفشت بثرواته الطبيعية التي أنعم الله بها على شعب البحرين الكريم. إذاً فهو من نصب نفسه في موقع الهجوم على فشت العظم فكان من الطبيعي أن يكون دفاعنا عن فشت العظم تجاهه هو بالذات.
ندوتنا عن «فشت العظم وبيئات البحرين الساحلية» التي أقمناها قبل سنة للتعريف بفشت العظم بصورة علمية بيئية تراثية متوازنة حضرها الممثلون الحكوميون والبرلمانيون والأكاديميون والبيئيون المتخصصون والنشطاء وممثلو المؤسسات الأهلية، ومنها بعض الجمعيات السياسية التي اهتمت بتلبية الدعوة، ورؤساء مجالس بلدي الجنوبية والمحرق وممثلين من مجلس بلدي الشمالية، وخلص الحضور إلى أهمية الحفاظ على فشت العظم، ولم يكلف رئيس مجلس بلدي الوسطى نفسه عناء الحضور.
جاءت الندوة على خلفية الرحلة البيئية التعريفية بفشت العظم التي نظمها التكتل للبرلمانيين والجمعيات السياسية والمجالس البلدية والإعلاميين وحضرها ممثل واحد من بلدي الوسطى، وكان له تصريح واضح في الصحافة بعد الرحلة بأهمية فشت العظم ووقوفه مع الحفاظ عليه أيضاً، وتخلف عن الحضور رئيس مجلس بلدي الوسطى.
ثم تأتي أسئلة أكثر تخصصية على غرار: لماذا لا تأتي الجمعيات البيئية ببدائل؟ المطلوب منها أن تأتي ببدائل. وقد كفانا المنسق الإعلامي بجمعية أصدقاء البيئة زميلنا جلال بن مجيد الرد بقوله: «هل أفلست البحرين من مهندسيها ومخططيها ليطلب من الجمعيات البيئية حل مشكلة الإسكان؟ ومنذ متى كان الإتيان ببدائل عن تدمير الموائل من مهمات الجمعيات البيئية؟» وأضيف إليه أن الجمعيات البيئية هي جمعيات تطوعية تعوزها الموارد والوقت خلاف غيرها.
تتحول الأسئلة إلى اتهامات في بعض المواضع ودفاعات متناقضة بعض الشيء: «أنا لو أردت دفن العظم لاتخذت قرار الدفن ولم نطول المسألة سنتين، أنا واحد من عشرة لا أستطيع تقرير شيء بنفسي، أنا لم أقل قط إنني مع أو ضد دفن فشت العظم».
المسألة غير المسبوقة أن الندوة معلنة كندوة بيئية إلا أنها شهدت تعداداً وشرحاً وتفصيلاً لمآثر وإنجازات المجلس البلدي التي امتدت لكل شيء ومنها خليج توبلي- الذي ذكر في الندوة مرات تفوق ذكر أو تذكر فشت العظم - فالمجلس البلدي هو من أوقف تقلصه وهو من حماه والوفاق من أقامت ندوة لحمايته، وفي ذلك الاتجاه تم رفض الفكرة التي طرحها أحد المتداخلين بشأن دور لجنة التحقيق البرلمانية، إذ إن توصياتها ما زادت على أن نقلت من المجلس البلدي توصياته حرفياً، بحسب قول أحد المنتدين ولعله مدير الندوة، فقد كان وفي معظم الأوقات الممثل الثالث للمجلس البلدي والمتحدث الرابع للدفاع عنه.
ولعل الإخوة الحضور سألوا مثلما سألت أنا وزميلاتي وزملائي من جمعية أصدقاء البيئة، بل وحتى الأطفال، عن سبب إقحام «إنجازات» خليج توبلي - إن صحت التسمية - على هذا النحو، ففشت العظم هو موضوع الندوة! قرية المعامير والمصانع والغاز وبابكو... لماذا تم الاسترسال في هذا الموضوع الشائك في ندوة عن فشت العظم؟
رئيس المجلس البلدي يتحدث عن الحوار والوصول إلى قرار لصالح الجميع في الوقت الذي مازلنا نذكر فيه الاجتماع الذي دعا المجلس فيه التكتل وحضره من الصيادين إلى جانب ممثلي التكتل الرسميين ممن حاولوا أن يشرحوا له مدى الضرر الذي من الممكن أن يقع عليهم عندما يدفن فشت العظم، فكان جوابه بنبرة حادة: «أنا لا أفهم ما تقولون»، في خطاب مشحون بالتعالي، وكان جوابه على سؤال ممثلة التكتل بشأن موقفه من دفن فشت العظم: «سأدفن فشت العظم إلا إذا منعتني قوة كبرى عن ذلك».
الشيء الذي كان من الممكن أن يمهد لفتح باب الحوار من جديد هو إعلانه أولاً أنه غيّر موقفه، وإلا فكيف نستطيع التحاور مع شخص يتملص من أقواله السابقة؟
الأمر الآخر ان تصرف مدير الندوة (أمين سر المجلس البلدي) ما هو إلا إعادة لما جرى في اجتماع التكتل مع المجلس قبل نحو سنة ونصف السنة. في الاجتماع كان رئيس المجلس يريد أن يتحدث لوحده ويجبر الآخرين على الاستماع ويعبّر عن غضبه وغيظه مما نشره التكتل عن معارضته لدفن فشت العظم. وفي الندوة لم يسمح لممثل التكتل بالتعقيب أسوة بالمتحدثين الثلاثة ومدير الندوة الذين عقبّوا على المداخلات وعلى كلمة التكتل وعلى توجهات التكتل أيضاً، ربما ليكون رأي المجلس والوفاق أيضاً هو الرأي الأوحد والكلمة العليا. كل ذلك لا يمت إلى معنى «الحوار» بصلة لا من قريب ولا من بعيد.
الخلاصة؛ ان الندوة كانت للدفاع عن المجلس البلدي بل وتمجيده وإقناع الناس قسراً بأن المجلس لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. ونحن إذ لا نندم على حضور هذه الندوة - وإلا لما سمع الناس صوتاً آخر غير صوت المجلس البلدي - فإننا نرى أنه كان جديراً أن تسمى «ندوة الدفاع عن المجلس البلدي»، ومازلنا بحاجة إلى ندوات للدفاع عن فشت العظم وبيئة البحرين
إقرأ أيضا لـ "خولة المهندي"العدد 1356 - الثلثاء 23 مايو 2006م الموافق 24 ربيع الثاني 1427هـ
فشت العظم
مقال يحمل ذكريات عزيزة من أيام نشاط بيئي رائع للدفاع عن بيئة البحرين! لله در التكتل البيئي