العدد 1355 - الإثنين 22 مايو 2006م الموافق 23 ربيع الثاني 1427هـ

حاضر العرب... مستقبلهم

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

على مدى ثلاثة أيام ناقش منتدى «دافوس» الاقتصادي في شرم الشيخ مستقبل العلاقات الدولية وموقع الدول العربية ودورها في صوغ شخصية العالم في القرن الجاري.

المنتدى حاول قراءة المستقبل. ولكن المستقبل ليس مسألة منفصلة عن الحاضر. والهروب إلى المستقبل لا يلغي مسئولية الحاضر لأن الآن يحدد صورة الغد. والكلام عن المستقبل ليس كافياً لأن معالمه راهنة وصورة الغد يمكن تصور عناوينها من اليوم.

مستقبل الدول العربية ليس بعيداً عن حاضرها. ومن يريد معرفة مستقبل العرب ليس بحاجة إلى الاستنجاد بعلماء الفلك ولا خبراء النجوم. فالقراءة المستقبلية محكومة بقراءة الحاضر. فإذا كان حاضر العرب جيداً ويبشر بالخير فإن مؤشرات مستقبل العرب جيدة وتبشر بالخير. وعكس ذلك يعني أن المستقبل يشبه الحاضر.

الحاضر هو وليد الماضي وأيضاً هو قابلة المستقبل. وبالتالي لا يمكن فصل الماضي عن الحاضر والمستقبل. فحلقات السلسلة مترابطة. ومن حلقة اليوم يمكن التكهن بما ستكون عليه حلقة الغد.

حاضر العرب إذاً هو نواة المستقبل. وتلك النواة يمكن رصد عناصر صورتها من حاضرنا. لنقرأ الحاضر حتى نعرف مستقبلنا. وهذه عينة من حالنا الراهن.

رئيس الحكومة اللبناني لا يلتقي رئيس الجمهورية في شرم الشيخ. فتح الانتفاضة تطلق النار على دورية للجيش اللبناني على مقربة من الحدود السورية. فتح عرفات تستنكر الحادث وترفض تشكيل لجنة تحقيق مشتركة لأن الخطوة تتعارض مع السيادة اللبنانية.

رئيس السلطة الفلسطينية يلتقي وزيرة الخارجية الإسرائيلية في شرم الشيخ ويشكو لها همومه السياسية مع حكومة حماس. وحماس لا تثق بحركة فتح. وفتح لا تعترف بسلطة حماس. و«إسرائيل» تستكمل أفعالها اليومية من قتل وقصف واغتيال وقنص واستيلاء. والفصائل تتابع خوض غمار حروبها الصغيرة ضد بضعها بعضاً.

السلطات المصرية تلتقي كل الوفود من «إسرائيل» إلى جزر «الواق واق» وتطالب بالعدالة أولاً والانفتاح الاقتصادي ثانياً. والأجهزة في القاهرة تطارد المعارضة وتعتقل المئات يومياً والسلطة التي تلتقي كل وفود العالم ترفض الالتقاء بالمعارضة المصرية.

السلطة الأردنية تلتقي يومياً مسئولين من «إسرائيل» وترفض تحديد موعد لحكومة حماس. والسلطة تتهم دمشق بتهريب أسلحة لحماس وحماس تنفي، وكذلك سورية. وسورية تحشد إعلامياً ضد لبنان. ولبنان يحشد إعلامياً ضد سورية. و«إسرائيل» تحتل الجولان ومرتفعات شبعا وكفرشوبا.

أميركا تحتل العراق. والسنة يطردون الشيعة من مناطقهم والشيعة يطردون السنة من مناطقهم. والاحتلال يتهم سورية بدعم المقاومة. والمقاومة مجموعة هيئات بعضها يحارب الاحتلال وبعضها يحارب أهل العراق. والاحتلال يدير اللعبة ويهدد إيران بالويل والثبور.

بعض دول الخليج خائف. خائف من «الخطر الصفوي» والذئب الأميركي يستغل المخاوف ويزيد من وتيرتها وقلقها حتى يستفيد ويعقد بسببها صفقات أسلحة تقدر قيمتها بمليارات الدولارات.

هذا هو الراهن العربي وهناك عشرات الأمثلة المتشابهة التي يمكن سردها من المحيط إلى الخليج. ومن هذا الحاضر يمكن أن نقرأ مستقبل المنطقة والصورة التي يفترض أن تكون عليها أجيال الأمة في العقود المقبلة.

«إسرائيل» لم تعد العدو عند الكثير من الجهات. والمخاطر لم تعد تلك التي ترفعها الصهيونية ضد المنطقة. والمخاوف لم تعد تأتي من «الذئب» بل من أهل البلد. فالذئب هو الوسيط أو الحارس الذي يضمن مستقبل السلطات ويحصنها من خطر الناس. فالمشكلة هي في المعارضة. والمعارضة هي المشكلة. وغير ذلك يصبح سهلاً ويمكن التعامل معه مهما كانت الكلفة.

هذا الرئيس قابع على كرسيه ينتظر من أميركا أن تتابع تنفيذ ما تبقى من فقرات القرار 1559 حتى يخرج من قصره. وهذه السلطة تحل البرلمان المنتخب لأن النواب طالبوا بتعديل الدوائر. وتلك السلطة تسجن المعارضة لأنها طالبت بوقف قانون الطوارئ المعمول به منذ 25 سنة. هذا وذاك، وذاك وهذا.

هذا هو الحاضر العربي الذي تجنب المجتمعون في شرم الشيخ بحثه. وحين يكون الحاضر على هذه الصورة فإن المستقبل سيكون على أسوأ. والأسوأ من كل ذلك أن «الذئب» سيكون الوسيط و«إسرائيل» هي الحكم بين فرقاء جمعتهم اللغة ووحدهم الدين وفرقتهم العصبيات وذاك الاحتياط الرهيب من التخلف والجهل. والجاهل بحاضره سيبقى كذلك في مستقبله مهما عقدت منتديات في البحر الميت أو شرم الشيخ

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1355 - الإثنين 22 مايو 2006م الموافق 23 ربيع الثاني 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً