كان يا ما كان في قديم الزمان أرض تسمى لؤلؤة الخليج. بلد كان محور المنطقة من الجانب الاقتصادي والثقافي. بلد صغير لكن ذو قلب كبير، تلك البلد هي البحرين. أما اليوم فتغير الوضع، وأصبحت البحرين مجرد بلد آخر، بينما إمارة دبي عزمت القيادة في التطور المتعدد الجوانب. تحولت دبي في غضون سنوات قليلة من صحراء يابسة إلى مركز اقتصادي، معماري، تجاري وثقافي ينبض بالحياة.
عبر القيادة الفعالة والموحدة، تمكنت دبي من أن تطبق سياسة قوية يكثر فيها الفعل ويقل فيها الكلام. بالطبع هناك الكثير يمكننا أن ننتقده في دبي. من المضاربة في سوق العقار والعقود المتهورة إلى اضطرابات سوق الأسهم. لكن كل هذه الأمور ليست بغريبة وتمر بها كل الدول الناشئة التي هي في مراحل التطور، وخصوصاً تلك التي تتجرأ بأن تستلم القيادة وتثبت نفسها قبل الآخرين.
كما سبق و ذكرت، الأمور مثل انهيار أسواق الأسهم شيء لا بد منه، وهو ما يمنحنا الفرصة لمراجعة المناخ الاقتصادي ووضع النظم والأحكام التي هي اليوم جزء معتاد عليه في الدول المتقدمة مثل بريطانيا والولايات المتحدة. فتلك البلدان مرت بالمراحل نفسها، ومازالت تمر بها كلما ظهر قطاع جديد لا توجد فيه قواعد ولا سوابق. وهذا ما سيحدث في دبي حين يبان بوضوح من الصادق ومن المحتال. ولكن على رغم ذلك، وفي كل الحطام الذي ينتج في حالات الفزع والخوف وفقدان ماء الوجه، نجد بأن إمارة دبي تعلم بأن على المدى البعيد وبعد ضخ كل تلك السيولة والإنفاق على البنية التحتية والتسويق العالمي للإمارة، ستبقى دبي بمبانيها الشاهقة ومراكز أعمالها ومناطقها الحرة جاهزة لدورة جديدة من النمو والازدهار. وستكون تلك الدورة أنضج وأدرك بما يمكن أن يحصل، والأمور ستعمل بحسب قوانين وأساليب تعيد الثقة مرة أخرى للإمارة والمنطقة. لكن جوهر مقصدنا هو لماذا تتخبط لؤلؤة الخليج السابقة؛ البحرين؟ لماذا تسعى بعض الشيء هنا، وبعض الشيء هناك والنتيجة هي لا شيء يبان ولا يلمس. ربما من كل المشروعات الذي قرأنا عنها ونظرنا لمجسماتها المصغرة، واحدة أو اثنتان فقط أكملت. أم الباقي، فالله يعلم متى ستنجز و»تستقطب السياحة والوافدين والاستثمارات« بحسب التصريحات. البحرين أثبتت نفسها من قبل. فهي كانت ومازالت مسقط رأس المصارف؛ خصوصاً الأوفشور. فقطاع الأوفشور يمكن النظر إليه كأول وأنجح تجربة في »منطقة حرة« في البحرين، حتى وإن لم تكن »منطقة« بحسب الكلمة. ولكن هذا قد يزول حينما تقوم دبي بتعديل المشكلات التي تواجه الـDIFC (من الجانب القانوني والعملي. فموضوع وجود متنافسين في القطاع المصرفي جنباً إلى جنب في مبانٍ متحدة قد لا تتقبله بعض بيوت المال الكبرى). سيكون نجاح دبي في استقطاب مصارف الأوفشور أكثر من البحرين لشيء مؤسف، لأن مؤسسة نقد البحرين كما نعلم توفر أفضل قوانين للرقابة المالية في المنطقة. فالبحرين عليها أن تحطم الحواجز، وتلتزم نظرة مركزة على مناطق حرة فائقة الفعالية. البعض قد يقول فات الأوان، لكن أرى عكس ذلك ومازلنا قادرين على أخذ مستقبلنا الاقتصادي بجدية وتصويره ضمن استراتيجية متركزة على فكرة تكتل الخبرات والخدمات. وأن نعمل على تشييدها ضمن عولمة تتقبل مثل تلك المشروعات التي تسهل من عملية التفرع والتركز للشركات العالمية. سنواجه مشكلات وأزمات لكن كلها ضمن أوجاع النمو، وكلها مفيدة على المدى البعيد. المشكلة تكمن في إيجاد القدرة على التحدث و أخذ القرارات بصوت واحد. صوت يمثل المستقبل، مثلما يفعل رواد دبي.
قد تكون دبي دانة الخليج اليوم، لكن البحرين مازالت قلب الخليج. قلب الخليج الكبير. قلب نابض منبعث من ذلك البلد الصغير ذي الطموحات الكبيرة، بلدنا البحرين. فلنسعى وراء حقنا في مستقبل يورثه فقط من يملكون القوة للتحرك إلى الأمام بصوت واحد ورؤية واضحة
العدد 1354 - الأحد 21 مايو 2006م الموافق 22 ربيع الثاني 1427هـ