العدد 1354 - الأحد 21 مايو 2006م الموافق 22 ربيع الثاني 1427هـ

المرأة الإيرانية... بين فتوة فاقعة وأيديولوجية مطواعة

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

خلال حملته الانتخابية كان الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد يرد على أسئلة الصحافيين الخاصة بلباس المرأة الإيرانية، بأن مشكلة إيران ليست في طريقة ما تلبسه النساء من ثياب، وكانت تلك رسالة تطمينية ذكية منه إلى أكثر من 35 مليون إيراني هم دون سن العشرين بدأت حياة سوادهم الأعظم تنتظم وفق أساليب اجتماعية وشخصية بعيدة عن صورة الالتزام الديني الذي عاشته الثورة في عقدها الأول وأجزاء من عقدها الثاني.

وبالرجوع إلى التاريخ النسوي الحديث في إيران بعد انتصار الثورة الإسلامية، سيُلحظ الدور الكبير الذي قامت به المرأة خلال مراحل مهمة ومفصلية من عمر هذا الانقلاب السياسي الكبير، منذ أن كان الإمام الخميني منفياً في النجف الأشرف وفرنسا، إذ كان مكتبه السياسي يضم عدداً من النساء يقمن بعمليات ترجمة واتصال بالقواعد الجماهيرية في المدن والقرى، وخلال مرحلة الكفاح الثوري كانت النساء ينشطن بقوة في اللجان الثورية الرديفة للتشكيلات الحزبية المسلحة. وبعد انتصار الثورة ثبّت من قاموا بصوغ الدستور الإيراني في البند الثامن من المادة الثالثة والمادة العشرين كثيراً من الحقوق المتعلقة بالنواحي السياسية والاجتماعية للمرأة، استطاعت من خلالها الدخول إلى البرلمان في دوراته الأولى والثانية والثالثة بأربع نائبات، وفي الدورة الرابعة تسع نائبات، وفي الدورة الخامسة أربع عشرة نائبة، وفي المجلس السادس تسع نائبات، بالإضافة إلى عضوية مجلس الخبراء الذي يعتبر أحد أهم المراكز الدستورية في النظام السياسي الإيراني وإن كان بشكل محدود.

وفي ترجمة إجرائية للنصوص الدستورية نصّت الخطة الخمسية الثالثة في مادتها الثامنة والخمسين بعد المئة على فكرة تأهيل المرأة للسنوات الأربع المقبلة (2005 لغاية 2009) وإدراج قضايا المرأة في سبع عشرة مادة من مواد الخطة المذكورة، كما أن المادة 111 نصت على إعادة النظر في القوانين والأنظمة الخاصة بالمرأة كالقانون المدني، وفي مرحلة ثانية توفير ودعم التسهيلات الخاصة بسكن المرأة التي تعيل الأسرة، وضمان الوصول إلى الفرص التعليمية المتساوية والتطوير الكمي والنوعي للتعليم العام، وإلزام الأجهزة التنفيذية لتخصيص اعتماد خاص بتعيين وتنفيذ دورات تعليمية، وتخصيص اعتماد منفرد لتنمية وتطوير المشاركة الاجتماعية والثقافية للمرأة مع تحديد مبالغ مماثلة بشكل سنوي على مستوى الأجهزة الوطنية والمحافظات.

في العام 1991 أصدر الرئيس الإيراني السابق علي أكبر هاشمي رفسنجاني خلال حكومة الإعمار الأولى مرسوماً رئاسياً يقضي بإنشاء مكتب لشئون المرأة في ديوان رئاسة الجمهورية، وعندما فاز محمد خاتمي في 23 مايو/ أيار 1997 قام بتغيير مسمى المكتب ليصبح مركزاً لشئون مشاركة المرأة، إلى أن أضاف إليه الرئيس التعميري محمود أحمدي نجاد مضمون الأسرة كمحور جديد.

وأدى ذلك الاهتمام المتراكم إلى ظهور مفاعيل حقيقية للوجود النسوي في الدولة والمجتمع على حد سواء، فأنشأ المجلس الثقافي والاجتماعي للمرأة، وهو أحد أذرع المجلس الأعلى للثورة الثقافية، وكذلك اللجنة الخاصة بالمرأة والشباب في مجمع تشخيص مصلحة النظام الإسلامي، وتعاظم الكتلة النسوية في البرلمان، والمجموعات النسائية والشبابية العاملة في المجالس العليا للتخطيط وتنمية المحافظات في جميع أرجاء البلاد، ومكاتب شئون المرأة والدوائر العامة المعنية بالأجهزة التنفيذية المختلفة وإدارة الدفاع عن حقوق المرأة والطفل في مركز الدراسات الاستراتيجية للسلطة القضائية (المعاونية القانونية والتنموية) وجميع المكاتب والدوائر العامة الموجودة في الوزارات.

وتم تشكيل لجان خاصة بشئون المرأة بلغت 54 مركزاً لاتخاذ القرارات الخاصة بالمرأة على مستوى إيران، كما تمت زيادة عدد مؤسسات المرأة بنسبة 253 في المئة خلال الفترة من 1997 ولغاية 2002، ثم تطور الأمر لاحقاً عندما أصبح ممكناً للنساء أن يتقلدن منصب رئيس السلطة القضائية بشرط أن تتوافر فيهن شروط اختيار القضاة بحسب اللائحة 1362، وفي منصب مستشارات ديوان العدالة الإدارية والمحاكم المدنية، والعمل في تدوين قانون المحاكم ورعاية صغار المحامين تبعاً للقانون الصادر في العام 1995 والذي أقره المجلس النيابي الخامس الذي كان يهيمن عليه المحافظون.

وبعد مضي سنتين على تصديق وتنفيذ المادة 158 من قانون الخطة الخمسية الثالثة للتنمية الثقافية والاجتماعية في البلاد تم تخصيص مادة تحت اسم (برنامج تنمية وتطوير المشاركات الاجتماعية والثقافية للمرأة) ووضعها ضمن الموازنة الأصلية للدولة، وبلغت الاعتمادات الخاصة بشئون المرأة 36 في المئة، في حين تم اعتماد مادة مستقلة في الموازنة للمرأة التي لا عائل لها بمبلغ 107 دولارات شهرياً، وفي مجال التعليم زادت معدلات حضور المرأة بنسبة 74,66 في المئة حتى نهاية العام 2002، كما زاد عدد الطالبات بنسبة 63 في المئة من إجمالي عدد الطلاب في إيران.

بعد فوز الرئيس أحمدي نجاد فإن الأنظار بدأت تتركز أكثر على ما يختمر داخل أروقة التيار المحافظ من مشروعات وخطط تهدف إلى إيقاف سلسلة التراجعات التطبيقية لحدود الحجاب والزي الإسلامي، فالمحافظون كانوا يعيبون على الإصلاحيين تهاونهم المبتذل في مجال تطبيق الأحكام الإسلامية، متهمينهم بالمسئولية عما آلت إليه أوضاع إيران الاجتماعية من تراجع في مستوى التدين والالتزام بأحكام الدين. وبالتالي فإن من الطبيعي أن يقوم المحافظون باتباع آليات جديدة لمباينة ما كان قائماً من معادلة، لكن الحدثين المهمين اللذين صدرا عن مراكز مهمة في التيار المحافظ جعلا من ذلك التخمين ينحسر إلى حد ما، وهو تصريح الرئيس أحمدي نجاد من أنه سيسمح للنساء بالدخول إلى مقاعد الملاعب الرياضية، ثم تصريح مسئول لجنة الثقافة البرلمانية المحافظ عماد الدين افروغ عندما قال إنه «لا يوجد تعريف محدد للحجاب»، وذلك تعقيباً منه على مطالبات نسائية بضرورة أن يقوم البرلمان بمراجعة الكثير من القوانين المتعلقة بالزي الإسلامي، إذ شكل ذلك إشارات من نوع خاص من أن الحكومة وإن قامت بتسيير دوريات مراقبة لتطبيق حدود الحجاب، فإنها لن تنزلق إلى أكثر من ذلك، لأن الإنجازات التي حققتها المرأة في ظل النظام الإسلامي هي مكاسب ليس فقط لإيران وإنما أصبحت تتماثل في أماكن أخرى كنموذج جيد للتطبيق، وبالتالي فإن استعاضتها بتشريعات معينة تتعلق بفرض الحجاب والزي المحدد وفق رؤية صارمة قد لا يبدو مفيداً

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 1354 - الأحد 21 مايو 2006م الموافق 22 ربيع الثاني 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً