إنسان اليوم ليس أكثر أخلاقاً من إنسان الأمس، لكنه يُصدر لنا خطاب العودة إلى الأخلاق برتابة، وهي عودة «خطاب»، وليست لأن الإنسان أصبح اليوم أكثر أخلاقاً! قد تكون هذه العودة محكومة بأن الأخلاق أصبحت أكثر ما يتحدث عنه الناس، إذ أصبحت في الغالب ذلك الغائب عن سلوكياتنا، وحوادثنا المتتابعة. الأهم من هذا وذاك، هو السؤال عن ذلك المضمر من وراء هذه «العودة»؟!
الحديث عن الأخلاق ضيق، والكتابة في هذا الموضوع تبدو باردة، فيما عدا لو حاولنا الاستعانة الكلاسيكية بأعداء الأخلاق، لتسقط الأخلاق أفيون الشعوب بحسب نيتشه، ولنبحث فيما هو أكثر سخرية بحسب فوكو، وأخيراً، لتحيا الثورة والحرية بحسب سبونفيل.
نحن في عصر من المؤسسات الأخلاقية اللامعنونة بـ «الأخلاق»، قد تكون سمة «الأخلاق» تقليدية حد إحساس إنسان اليوم بضرورة التنصل منها، لدينا مؤسسات حقوق الإنسان، ومؤسسات مكافحة التمييز، وجماعات حماية البيئة، الشفافية، وحقوق الأقليات، والصناديق الخيرية، وغيرها الكثير... أليست هذه المؤسسات «أخلاقية» بامتياز؟
إلا أننا في السياق ذاته، لا نستطيع مواجهة أزمات الحروب بين الدول عبر «العمل الخيري»، ولا أعتقد أن حل مشكلات عدة كـ «التجنيس السياسي» و«الفساد المالي»، ستنجح عبر عمل منظمة إنسانية كمنظمة «أطباء بلا حدود»! وعليه، العودة للأخلاق هي محاولة لاسترجاع ما يصفه بن عربي بأنه «لا يعول عليه»!
للأميركي سبونفيل وجهة نظر مهمة في هذا السياق، فالجيل السابق قبل 30 عاماً كان يؤمن بأن «السياسة هي كل شيء»، والجيل الحالي يعتقد أن «الأخلاق» - بما يشمل الدين - هي «كل شيء»، ثمة جيلان و«غلطتان».
نحتاج إلى الأخلاق والسياسة معاً، لكننا نسقط كل يوم حين نعتقد أن السياسة هي الأخلاق، أو أن الأخلاق هي السياسة. اليوم، نحن أمام نماذج «أخلاقية» وسياسية فاشلة، فلا هي تشي جيفارا، وليست نماذج مصغرة من ديغول.
جوهر القضية هي عودة للمسألة الروحية ليس إلا، فإذا كانت السياسة تهتم بما هو «صائب» أو «غير صائب»، وإذا كانت الأخلاق معنية بما هو «إنساني» أو «غير إنساني»، فإن المسألة الروحية معنية بـ «المعنى»، وبالتالي هي مسألة «اللامعنى» أيضاً كما يرى سبونفيل. وعليه، فإن مسألة العودة إلى الأخلاق، هي عودة مشوهة إلى سؤال أكثر قدماً من مسألة الإنساني وغير الإنساني، هي عودة مرتبطة بحدود «المعنى» لدى جيل هذا اليوم.
وعليه، كل من يقف أمام آفات «الفقر» و«البطالة» و«التجنيس السياسي» وإن كان «لا أخلاقياً» في وقوفه لها، فإنه يمثل ذلك الفردوس المفقود، والذي يبحث عنه جيلنا، ليعطيه وسام «القداسة» و«العدالة» و«الأخلاق»
إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"العدد 1354 - الأحد 21 مايو 2006م الموافق 22 ربيع الثاني 1427هـ