العدد 1354 - الأحد 21 مايو 2006م الموافق 22 ربيع الثاني 1427هـ

دافوس والازدواجية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

بدأ منتدى «دافوس» الاقتصادي في شرم الشيخ بخطاب سياسي ألقاه الرئيس حسني مبارك أوضح فيه أهمية خامات «الشرق الأوسط» وضرورة استقراره انطلاقاً من تغليب «العدالة» على «الإصلاح». فالاصلاح برأي الرئيس المصري لا يسبق حل قضية فلسطين ومعالجة مشكلات «الشرق الأوسط» وإنما يأتي خطوة لاحقة تستجيب لما يمكن أن تتم تسويته على الصعيد السياسي.

رئيس المنتدى ومؤسسه كلاوس شواب ركز في خطابه على الجانب الاقتصادي وأهمل تلك النقاط المتصلة بالسياسة. فهذا المؤسس (شواب) لم يوجه دعوة رسمية لإيران حتى لا تفتح موضوع الملف النووي ويتحول المؤتمر إلى ناد للنقاش السياسي والعدالة الدولية. كذلك لم يوجه دعوة لحكومة «حماس» التي فازت ديمقراطياً بالانتخابات حتى لا تدخل قاعة المنتدى رياح السياسة. فالمؤسس اكتفى بدعوة محمود عباس (أبومازن) فهو يمثل السلطة الرئاسية ولا يزعج وفود المنتدى بكلام لا تريد الدول الكبرى سماعه عن حق الشعوب في تقرير مصيرها أو ازدواجية المعايير.

المنتدى كما يقال عنه هو ساحة للتداول في الأفكار الاقتصادية ولا دخل له في السياسة. كذلك يقال إنه يفكر في التخطيط ولا يخطط لمساعدة الدول الفقيرة في حل مشكلاتها الراهنة. فهو يبحث في المستقبل ولا يتطرق إلى الماضي أو الحاضر. مع ذلك لم يتردد أعضاء المنتدى من اليوم الأول في التطرق إلى السياسة بذريعة الابتعاد عنها. وكذلك لم يتحاشَ المنتدى التمييز والانتقاء بين الفرقاء والأطراف لأسباب سياسية وليست اقتصادية.

الازدواجية إذاً موجودة حتى لو حاول المنتدى تجنبها أو الابتعاد عنها. والازدواجية لا تقتصر على اختيار الأعضاء وإنما تبدأ اساساً في ذاك التفاوت الاقتصادي بين القوى المشاركة أصلاً في المنتدى. فالتفاوت في القوة الاقتصادية يعكس في النهاية تلك الازدواجية في القراءة السياسية. والقوي اقتصادياً يعني انه الأقوى سياسياً في معادلة «دافوس».

فكرة «دافوس» اخترعها الأغنياء. والمنتدى بدأ كمشروع سياسي يضم الأقوياء اقتصادياً في ناد مشترك تقتصر مهمته على التفكير بالمستقبل والبحث عن آليات متطورة تزيد من تحكم الأغنياء بالفقراء وتعطي مساحات للأقوياء في مد نفوذهم إلى مناطق تعتبر بدائية أو في بدايات نموها.

الازدواجية إذاً تبدأ من أساس الفكرة. والاساس هو ان «دافوس» نادٍ اقتصادي يجمع الأغنياء في بوتقة واحدة تخطط أو تضع التصورات للسيطرة على المستقبل. وعملية إدخال «الفقراء» في النادي لم تأت اصلاً لفتح الطريق أمام الدول الفقيرة للمشاركة في الثروة العالمية وتقاسمها أو إعادة توزيعها وإنما جاءت لتلبية رغبة الأقوياء في مشاركة الفقراء في ثروتهم وتقاسم خاماتهم ووضع نظام محاصصة لتوزيع اسواقهم.

المسألة إذاً مقلوبة رأساً على عقب. فالدول الفقيرة تعتقد أن «دافوس» هو باب فتحه الأغنياء للفقراء. والدول الغنية خططت من البداية لأن يكون «دافوس» هو المجال الحيوي الجديد الذي تخرج منه الدول الغنية لاقتحام اقتصادات وأسواق وخامات وثروات الدول الفقيرة من خلال إعادة تنظيم قوانينها وتعديل برامجها لتتناسب مع الاقتصاد العالمي في منظوماته الحديثة. وهذا الأمر لا يتحقق إلا بعد إعادة هيكلة دول العالم الثالث وربطها باتفاقات تجارية دولية تلبي حاجات الأقوياء وتضمن لهم البقاء في صدارة القيادة لاجيال وآجال طويلة في المستقبل.

لذلك كان مشهد الافتتاح في شرم الشيخ يعكس هذا التناقص أو تلك الازدواجية. فالرئيس مبارك تحدث عن أن العدالة تسبق الاصلاح بينما مؤسس نادي دافوس (شواب) تحدث عن ضرورة تأمين مئة مليون فرصة عمل في العالم العربي من الآن وحتى العالم 2020.,, وإلا ستشهد المنطقة كارثة حقيقية. والتعارض في الكلام يعكس في النهاية اختلاف الاهتمامات. فمبارك يتحدث عن الحاضر وشواب عن المستقبل.

افتتاح «المنتدى الاقتصادي العالمي» في شرم الشيخ واستمرار المداولات والمناقشات فيه على مدى ثلاثة أيام لا يختلف كثيراً عن اختتامه. فالافتتاح كالاختتام لن يؤخر أو يقدم في المسار العام للتطور الاقتصادي العالمي. فمثل هذه المؤتمرات الدولية لا وظيفة عملية لها. فهي أقيمت أصلاً للدول التي تفكر بمستقبلها أو تلك التي حققت انجازات معينة وتبحث عن مصادر خامات تستغلها لتضمن لها تقدمها أو تبحث عن أسواق لتصريف منتوجاتها.

منتديات شرم الشيخ أو البحر الميت أو غيرها من منتديات اقتصادية في دول العالم الثالث لا وظيفة عملية لها سوى نقل أو استيراد أو تقليد أشكال من التعامل دأبت على ابتكارها دول الغرب لإعادة التفكير بالمستقبل واختراع أساليب متطورة ترفع من نسبة الهيمنة وتزيد من قدراتها على التحكم باقتصادات دول فاشلة على مختلف المستويات. فالناجح في الحاضر عنده القدرة على ضمان نجاحة في المستقبل، بينما الفاشل في الحاضر من الصعب أن نتوقع له النجاح في المستقبل

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1354 - الأحد 21 مايو 2006م الموافق 22 ربيع الثاني 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً