الانتخابات مقبلة، وستلعب الحكومة لعبتها... فقد بدأ الشوط الأول بإعلان القوى السياسية المقاطعة قرار مشاركتها في الانتخابات النيابية المقبلة. وقبل ذلك كانت متوجسة للغاية، تشخص وتقيّم وتخمن وتضرب أخماسا في أسداس، إلى أن صفر الحكم معلنا بدء المباراة السياسية. ومنذ لحظة التسخين في فترة التسريبات الخبرية هنا وهناك، والجهات الرسمية غير مستقرة، فما بالكم الآن بعد الإعلان الرسمي؟!
على رغم أن الأصل هو المشاركة وليس المقاطعة، ولابد للقوى السياسية أن تشارك في المشروعات السياسية وتعبر عن قناعاتها وتطرح رؤاها وتصوراتها، لا أن تقاطع وتجلس لتراقب الأوضاع، فهي لاعب أساسي لابد لها أن تنزل إلى الساحة، وتبرهن على مدى قدرتها على التسديد وتحقيق الأهداف، لا أن تبقى دائما تلعب دور الجمهور المتفرج الذي سرعان ما يترك الملعب بانتهاء المباراة وإعلان النتائج ليعبر فقط عن رأيه في المباراة، وهل كانت تتوافق مع توقعاته أم لا. فالقوى السياسية يمكنها أن تحقق أهدافا وغايات، ولن يكون ذلك إلا من خلال وجودها في الملعب والساحة السياسية.
الآن وبعد الاعلان عن المشاركة في الانتخابات النيابية، نأمل أن تكون المشاركة طريقا موصلا لتحقيق الغايات والأهداف التي تصب في مصلحة المواطن البحريني الذي عانى الكثير من الآلام والحرمان، ويتطلع ليعيش حياة كريمة. وأتصور بأن الموقف سيكون أكثر سخونة إذا ما استمر التحالف والتنسيق بين القوى السياسية، وخصوصاً التحالف الرباعي، إذ إن النجاحات ستتضاعف حتما إذا زاد عدد المنضمين إلى التحالف بحيث يتسع ليكون خماسياً أو سداسياً مثلا. وسيكون الملعب حينها مؤمنا أكثر للعب السياسي، ولو تحقق ذلك فسيكون الأمر محرجا للحكومة، إذ سيكون التنسيق بين الكتل للوقوف أمام ما تريد الحكومة تمريره، وسيصبح على الحكومة من الآن أن تتدرب جيداً على كيفية صد الضربات، وعليها أن تؤمن دفاعاً قوياً، فالدورة السابقة لم توفر رصيدا جيدا لها للتدرب، وما حققته الحكومة من إنجازات لا يوصف، لكون أداء النواب ضعيفاً، إذ تخلوا عن مواقعهم في الدفاع عن حاجات المواطنين وقضاياهم وحرياتهم، وذهبوا لتجنيد أنفسهم في مواقع الدفاع عن مواقف الحكومة، فلم يسلموا من هجوم الجمهور الشرس طوال الدورة السابقة. وربما سيستمر التندر عليهم أبد الآبدين، فهي التجربة الأولى على أية حال وظلت تحت المجهر طوال أربع سنوات، حتى غير المهتمين بالشأن السياسي آثروا أن يكون لهم رأي في هذا الشأن. لذلك نجد أن التأهب من قبل الحكومة حاصل من الآن بشكل مبكر، فهي تريد أن تلعب لعبتها من الآن من خلال التحكم في السيطرة على المقاعد النيابية لصالح «الموالاة»، من خلال جملة من الخطوات الاحترازية كتأمين التصويت الالكتروني الذي يؤرق المتابعين ويشكك في إصرار الحكومة عليه ولاسيما مع أزمة الثقة بين الحكومة والمعارضة، وهذه التحركات ترسخ الشكوك، من الأزمة المفتعلة مع معهد الـ NDI مع اقتراب موعد الانتخابات، وقضية جمعية الشفافية وما أثير حولها من شبهات في محاولة جادة للنيل من شفافيتها وصدقيتها وبالتالي الاستغناء عنها في مراقبة الانتخابات، من أجل التحكم في العملية الانتخابية بمفردها وعرقلة عملها بمساعدة بعض الجهات الرسمية التي لا تريد حكما يراقب اللعب. فالأمور أصبحت متداخلة، وهذا درس من دروس الديمقراطية التي نجهلها، وعلينا أن نتعلمها حرفا حرفا، وعلينا أن نحفظها عن ظهر قلب.
كما أن هرولة الحكومة لتمرير أكبر حزمة ممكنة من القوانين التشريعية التي هي موضع خلاف كبير، قبل انتهاء الدورة الحالية تخوفاً من قدوم الجمعيات التي ستؤثر في تغيير آلياتها كقانون التجمعات الذي جاء مكبلا لسقف الحريات في البحرين. ولا ننسى أن القضايا التي ستطرح تحت قبة البرلمان تحتاج إلى دعم من الجمهور، وبالتالي سيكون أداء النائب في أوجه إذا لقى دعم الشارع الذي سيقف حتماً مع النائب الذي يستحق المؤازرة. كما أن حضور الشارع مظهر من مظاهر التنمية السياسية والإصلاحية، فالموالون تدعمهم الحكومة وتشد أزرهم، وعلى الجمهور أن يشد من أزر فريقه المشارك، علما بأن موعد المباراة لم يحدد بعد.
الأوضاع عموما تشير إلى ارتباك الحكومة هذه الأيام، وهو ما تؤكده الإجراءات التي تمت ضد معهد NDI وانتهت بطرد مديره فوزي جوليد، في الوقت التي ترفع شعارات الديمقراطية والإصلاحات السياسية. وفي كل يوم تظهر إشارات على أن الحكومة تريد أن تتخلص من جميع المؤسسات الموجودة التي بإمكانها مراقبة العملية الانتخابية، وذلك بالتضييق عليها وتحديد حركتها ليخلو لها الجو. والخشية ان تكون «الجرعة» المحددة والمطلوبة للإصلاحات في البحرين قد تحققت، ولم تعد هناك رغبة في زيادتها، وبالتالي التحكم في المؤسسات التي تعمل في هذا الاتجاه. وإذا كانت الحكومة تريد أن تربي جيلا يتصف بمواصفات معينة، فلن يتحقق ذلك إلا من خلال سيطرتها التامة على المواد التدريبية التي تصلهم عبر حقول التدريب والتأهيل السياسي، واختزال عملية التأهيل السياسي من خلال معهد التنمية السياسية الذي يكرر ويعيد نفسه
إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"العدد 1354 - الأحد 21 مايو 2006م الموافق 22 ربيع الثاني 1427هـ