بتلكو كشركة وطنية للاتصالات تعد من أبرز الشركات البحرينية استقراراً ونمواً وتطوراً، فعشرات الملايين من الدنانير تجنيها الشركة سنوياً، والمواطن هو مصدر ذلك الثراء الفاحش للشركة، وعليه أن يتحمل نتائج أية إخفاقات إدارية أو قرارات متسرعة لجني المزيد من الأرباح، في ظل واقع احتكاري فرضه المرسوم بقانون رقم 18 لسنة 1981 بإنشاء شركة البحرين للاتصالات السلكية واللاسلكية، وما تضمنه النظام الأساسي للشركة من بنود منحت حكومة البحرين حمائيات خاصة مكنتها من التحكم والسيطرة بسياسات الشركة على حساب صغار المساهمين والزبائن في آن واحد. فمساهمة الحكومة بعشرة ملايين سهم لتأسيس الشركة من ضمن أربعة وخمسين مليون سهم التزم بها بقية المساهمين المؤسسين، منحها حق الاحتفاظ بمقعدين في مجلس الإدارة على أن تكون رئاسته بمقعد حكومي، ولم يتمكن صغار المساهمين من مقارعة الكبار في مجلس الإدارة على أساس مساهمتهم المحدودة واكتتابهم بستة ملايين سهم بواقع 10 في المئة من إجمالي أسهم التأسيس.
هناك الكثير من القيود القانونية التي أعاقت بروز الرأي الآخر في التنظيم الإداري لبتلكو لتقييم سياستها، فسطوة الحكومة على مجلس الإدارة بأعضائها وأعضاء ممثلين لشركات ومصارف تحدد الحكومة شكل مجالس إداراتها، وعدم قدرة صغار المساهمين على الوصول إلى موقع صناعة القرار أو حتى التأثير عليه، كل ذلك أو غيره ساهم في اعتماد القرارات والتوصيات دون مناوشات الشركاء أو تذمر الزبائن، وهو ما وفر على الشركة كلف مواجهة سياساتها التسويقية الأحادية الجانب، والتي تنصب على زيادة الإيرادات وتطوير أنظمة التشغيل على حساب استنزاف جيوب الزبائن. وما حدث أخيراً من تسخير القرارات الإدارية لترويض المعارضة الشعبية بعقلية أوروبية مهذبة، إلا أنها لم تفلح في تبرير الأخطاء بابتسامات الوقت الضائع، ولم تساهم في الترويج لقرار بديل عن إرهاب شبكات الانترنت في البحرين وتكميم أفواه أصحابها.
لندخل في صلب الموضوع، ولتعدل الحكومة من شكل جلستها... فوزير المواصلات الشيخ علي بن خليفة آل خليفة رجل مسئول، وبصفته الوزارية الحكومية، يتحمل مسئولية شركة تحت إمرته، فان كان يمثل الشركة فمن واجبه المحافظة على حقوق المساهمين وشريحة كبرى من الزبائن، أما إن كان ممثلاً للحكومة فمن الوجوب أن يلتزم بالمصلحة العامة للدولة، وهي امتداد طبيعي لمصلحة الشعب، فهو البعيد عن تمثيله بأقلية محترمة في أسهم الشركة الناجحة، في حين يمثل المواطنون دافعي الفواتير مصدر التدفق النقدي الأهم لاستمرار مسيرة الشركة، نرى من جانب آخر استمرارها لتمرير قرار قاهر غير مبرر، ومحاولة تسويقه بشيء من الالتفاف على الحقيقة وتنفيذه بأسلوب الرضوخ للأمر الواقع.
إن مشروع «برود باند» لتطوير خدمات الانترنت في البحرين وبغض النظر عن أسعار الاشتراك فيه والقيود التي تسببت في تذمر غالبية المشتركين، يعد من أفضل البدائل التقنية لخدمات الانترنت المحدودة السرعة، لو قامت الشركة باستطلاع آراء الزبائن ودراسة وجهة نظرهم واحتياجاتهم قبل تنفيذ القرار، واتخاذ ما يلزم من توصيات لحماية المشتركين من سلبيات النظام، فإن كانت الشركة تقول إن 86 في المئة من المشتركين سيستفيدون من النظام مادياً وتقنياً، فقد غاب عن وعي الشركة أن النسبة الباقية (حسب تصوراتها) وهي 14 في المئة من المشتركين المتضررين، قد يحتفظون بحقهم في قطع الخدمة نهائياً والتحول إلى شركات أخرى قد توفر لهم خدمات أفضل بأسعار تنافسية، وقد يميلون إلى الاقتصاد في استخدام الانترنت تفادياً لتجاوز تنزيل أكثر من «15 جيغابايت شهرياً»، لتلتهب الفاتورة بعد ذلك بدفع عشرة دنانير مقابل أي «1 جيغابايت» إضافي عن الحد الشهري المسموح، أو أقل من تلك الكلفة الإضافية أو حتى أكثر، اعتماداً على السعر الثابت لاستخدام «1 ميغابايت» بواقع عشرة فلوس، وبذلك تكون الشركة قد أفرغت مشروعها من محتواه الواقعي وتخلت دون إدراك منها عن جزء من مردود النظام المادي.
سأتحدث هنا عن فئة «1 ميغابايت بسعر 40 دينار شهريا»، وهي الفئة الأكثر استخداماً بين الفقراء، استعانة بشبكات الإنترنت المنتشرة في القرى والأحياء «والفرجان» المزدحمة بالسكان، فان كانت الشركة تسعى إلى الاستثمار في أموال هؤلاء فهي مخطئة، فما يدفعونه حالياً للشركة ليس من واقع الرفاهية والإسراف، بل طمعاً للتواصل مع الداخل والخارج لأسباب لا مجال لذكرها، فان كانوا يدفعون لأجل تصفح شبكة الانترنت على حساب الغذاء والدواء، فحري بالشركة أن تتبادل معهم الاحترام والتقدير من خلال الخدمات التي تقدمها الشركة لجميع زبائنها على اختلاف مستوياتهم المادية ورغباتهم التقنية المتنوعة.
ليس من اللائق في عالم السرعة الفائقة، أن يتحول المشترك في الفئة المذكورة من سرعة «1 ميغابايت» إلى «64 كيلوبايت» اذا تجاوز حد الاستخدام الشهري، لنعود الى عصر «الدايل آب» من جديد، بسرعة حقيقة تتراوح بين «30 و50 كيلوبايت» بما يعني القضاء نهائياً على الاستخدام المشترك لهذه الخدمة، وتكميم أفواه الناس وإرهاب شبكاتهم بقرارات إدارية مسيسة.
إن كانت الشركة ماضية في قرارها، فلدي اقتراح أرجو أن يحظى بالقبول والتأييد من قبل الزبائن والشركة معاً، إذا بلغ المستخدم شهرياً (في الفئة المذكورة أعلاه) الحد الائتماني المقرر له بـ «15 جيغابايت»، تقوم الشركة بتخفيض السرعة المتاحة للمستخدم من «1 ميغابايت» إلى «256 كيلوبايت» من دون تحميله أية مصروفات إضافية مع إشعار المستخدم قبل ذلك عند بلوغ نسبة 75 في المئة من الائتمان الشهري، وبإمكان تطبيق هذا الاقتراح على بقية الفئات التي تسوق لها الشركة بمعايير إحصائية ومحاسبية عادلة تحقق للشركة والزبائن مزيداً من الجودة والإنصاف، ومن أراد سرعة إضافية فعليه دفع الرسوم وفقاً للتسعيرة الجديدة.
لقد نصت المادة «5» من المرسوم بقانون رقم «18» لسنة 1981 على ما يأتي: «يجوز لوزير المواصلات أن يوقف تنفيذ أي قرار يصدر من مجلس إدارة الشركة أو جمعياتها العامة إذا رأى أن القرار يتعارض مع أغراض الشركة أو لا يتماشى مع سياسة الدولة في توفير الخدمات السلكية واللاسلكية»، وعليه فأنا أرى بأن من الضرورة أن يقوم وزير الموصلات بتعديل القرار وفقا لسياسة الدولة في هذا الجانب، وهي سياسة نتابعها أسبوعياً للبحث عن مترجم فاعل لهذه السياسة، عملاً لا قولاً، وخصوصاً أن الشركة العتيدة لا تدفع ضرائب للحكومة أسوة بالدول المتقدمة، وآسف إن تسببت في خدش كبرياء شركة الحكومة المدللة، فالناس بحاجة أكبر إلى هذا الدلال.
كاتب بحريني
إقرأ أيضا لـ "معاذ المشاري"العدد 1353 - السبت 20 مايو 2006م الموافق 21 ربيع الثاني 1427هـ