العدد 1353 - السبت 20 مايو 2006م الموافق 21 ربيع الثاني 1427هـ

حكاية مولانا جلال الدين الرومي و«مقايضة الذهب بالحلوى»!

محمد صادق الحسيني comments [at] alwasatnews.com

تصريحات الرئيس الإيراني أحمدي نجاد بخصوص «مقايضة الذهب بالحلوى» أعادت التذكير بحكاية جد بليغة يرويها مولانا جلال الدين الرومي في مجال الاستعبار والتنبه!

يقول مولانا: إن جماعة من السراق (الحرامية) وبعد أن انتهى نهارهم الحافل «بالمكتسبات» و«الإنجازات» والغنائم التي جمعوها من المدينة انتحوا جانباً من أطراف المدينة متجمعين في خربة خارج سورها ليتقاسموا ما غنمت أيديهم من «عناء» النهار، وقد اشعلوا ناراً واطلقوا العنان لرقصهم وطربهم، وبينما هم كذلك فإذا برجل مسن من أهل المدينة راكباً حماره يتجه صوبهم بعد نهار حافل بالعمل والمعاناة في الحقول والمزارع جلبته إليهم أنوار النار وجلبة المغنين بعد أن وجد بوابة المدينة قد أغلقت - كما هي العادة أيام زمان - فقرر أن يقضي الليل بصحبة ذلك الجمع الذي ظن فيه خيراً! لكن الجماعة بطبعها النهم وجشعها الذي لا يتوقف عند حد خططت مبكراً لسلب رأس مال ذلك الرجل الطيب القلب بكل ما يملكون من أساليب الخدعة والاستمالة والتخدير. فقررت زيادة وتيرة الطرب والرقص والغناء إلى درجة استثارة كل مشاعر ذلك الكهل المسكين. وقررت بالإشارة والايماءة أن تسرق حماره المربوط جانباً لأنه لا يملك غيره وتتركه وحيداً في القسم الاخير من ظلمة الليل، وصار القرار أن ينسل أحدهم من وسط الجمع الراقص لهذه المهمة وعندما ينتهي منها يقول «كلمة السر» التي هي «خر برفت» وهي كلمة فارسية معناها: راح الحمار أي طار الحمار.

فيبدأ الراقصون بترديد هذه العبارة واحداً بعد الآخر لينتبه الجميع فيزيدون امن وتيرة الرقص والغناء والعربدة حتى «يسكر» الرجل المسكين «على الآخر» كما يقولون. وكانت الوصلة التي تربط فيما بين مقاطع الغناء هي: «خر برفت» أي - طار الحمار - وهكذا «سكر» الرجل شيئاً فشيئاً وهو يغني ويرقص بوتيرة متصاعدة ويردد معهم «خر برفت وخربرفت» فيما كانت جماعة السراق ينسلون من بين يديه واحداً بعد الآخر بحسب الخطة الموضوعة - ولم يأت الصباح حتى انتبه صاحب الحمار المسكين بأنه ترك وحيداً وقد أخذته السكرة إلى خسران آخر ما يملك بعد سرقة داره وحماره فصار حبيس الفناء الرحب خارج أسوار المدينة لا يملك سوى ذكريات الليلة الراقصة مع جماعة السراق الذين ظن بهم خيراً!

ان أي مراقب ضليع بأحوال وحاليات ما يجري لا قطارنا وبلداننا العربية والإسلامية يستطيع أن يلحظ بسهولة الأهداف العميقة الكامنة خلف سمفونية الطرب وحفلة الرقص بلاحدود الدائرة حول أسوار مدننا وأقطارنا في ليالي السمر الحالكة المحيطة بمنابع الطاقة من غاز وبترول ومناجم المعادن والثروات التي يريدون الاستيلاء عليها نهائياً تحت غطاء «وصلة» الحريات وحقوق الإنسان وتعميم الديمقراطيات وثقافة الاعتراف بالآخر والتسامح مع الغير و...

انها وصلة جميلة فعلاً ومقولات خير يراد بها شر للأسف الشديد. هذا ما تبينه معالم خريطة الطريق التي شقت لنا انظروا إلى ما يجري بصمت وهدوء بالغين في مجال العودة المنظمة إلى منابع الطاقة في شمال إفريقيا تحت عناوين ووصلات متعددة ومتنوعة!

انظروا إلى ما يجري بعنف ومعاناة بالغين في مجال احتكار منابع ومخازن المعادن الثمينة لاسيما اليورانيوم في دارفور السودان في مقدمة لإخراج الصين وشريكاتها الآسيويات من مفتاح إفريقيا وبوابتها الاستراتيجية!

انظروا إلى ما يجري في العراق الذي يراد له أن يكون بوابة الهيمنة النهائية على منابع الطاقة في كل المنطقة الخليجية والقفز من خلاله إلى آخر مخازن الغاز والنفط الخارجة عن السيطرة في بلاد فارس بحجة الخطر الداهم المنطلق من برنامج إيران النووي!

انظروا إلى ما يجري في بلاد الشام التي ظلوا يقبلون شراكتها ومشاركتها إلى أن تم اكتشاف النفط والغاز فيها!

لكن ثمة هناك من أمر عجيب وملفت في الوقت نفسه ألا وهو وجود ما يشبه الاجماع في هذا الفضاء الواسع من البلدان والاقطار بين الموالين والمعارضين وإلى حد كبير بين الأنظمة القائمة نفسها على ضرورة المشاركة في حفل ترديد الوصلة الغنائية المخصصة والمعدة بعناية لهذه الليالي الملاح الا وهي وصلة «التغيير والإصلاح»!

أقول ذلك وأنا أعرف أن ثمة غضباً عارماً سيجتاح بعض النفوس والافئدة، وان سيل الاتهامات سينهال بحجة أن مثل هذا التحليل سيصب عملياً في خدمة بقاء أنظمة الاستبداد والدكتاتورية مرة! وفي خدمة أبطال العنف والراد يكالية والتطرف مرة أخرى!

لكن ما يهمني هنا التحذير المبكر من مخطط تطيير آخر حمار لدينا! وعندها سوف لن تشفع لنا قلوبنا الطيبة ولا توقنا الشديد للإصلاح والتغيير بل إن التغيير والإصلاح المنشود سيصبح مستحيلاً بعد أن تهدم كل شيء كما هو نموذج العراق المصغر الآن، ولن يبقى مجال حتى لمبادلة الذهب الإيراني بالحلوى الاوروبية. وبالمناسبة هل ثمة من يرغب فعلاً ناهيك أن يطالب بالحاح بتكرار تجربة العراق «التحررية»؟!

اللهم الا من كان شريكاً في سرقة الحمار وصاحب الحمار

إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"

العدد 1353 - السبت 20 مايو 2006م الموافق 21 ربيع الثاني 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً