عندما ننظر إلى الإعلام العربي بتمعن، وخصوصا الإعلام المرئي والمسموع فإننا سنكتشف الوضع المزري الذي تمارسه أجهزة الإعلام الجماهيرية في حق الجماهير العربية.
إن الإعلام الجماهيري وخصوصاً التلفاز عرف مكنونات النفس العربية، فالإنسان العربي هو كالمريض الذي يحتاج إلى طبيب ينومه مغناطيسيا ليبوح بما في قلبه ويفضح أسراره إلى الطبيب... نحن لسنا بحاجة إلى أدلة كبيرة لإثبات هذه النظرية، فنحسب معا عدد القنوات العربية، والجواب من دون أدنى شك سيكون بالمئات. ولكن لنسأل مرة أخرى: كم قناة تضيف المعلومة أو تسهم في التنمية المجتمعية؟
في الحقيقة، لا أعلم إن كان الإعلام المرئي يستحقر الذات العربية إلى هذا الحد ليكون عدد قنوات الأغاني بالمئات، وربما يقال بأن الإعلام لا يلام لأن الإنسان العربي يحب أن يتوه في الأغاني وسماع الطرب أكثر من أي شيء آخر، وقد تكون هذه النظرية صائبة لأن الكل يبحث عن الربح المادي وما دام الربح سيكون على حساب الثقافة والعادات والتقاليد، فلا مانع من البحث عن الراقصات والمغنيات الفاتنات اللائي يملأن قلوب المشاهدين شغفا وحبا!
وأجهزتنا القومية أغرب من هذا كله، فالنمط التقليدي الذي تفوح منه رائحة الغبار لايزال هو النمط المعمول به على الرغم من تطور الإعلام الذي لم يعرف الوقوف عند حد معين، ولاتزال الأخبار الرسمية النمطية هي العامل الرئيس في الأخبار، وحين يسأل الإعلاميون عن هذا النمط يجيبون بأن العالم العربي بحاجة إلى هذه الأخبار التي تعرف بأخبار «التنمية»!
وحين نأتي إلى البرامج الثقافية والمسلسلات والأفلام فـ «المصيبة أعظم» فالمسلات التراجيدية أماتت الإحساس لدى الجماهير بعد أن يموت البطل ومساعد البطل وتمرض الأم ويصاب الأب بجلطة، حتى تحسب أن المخرج سيموت في الحلقات الأخيرة! ولعل وزير الإعلام العراقي السابق الصحاف أعطى صورة واضحة عن الإعلام العربي النمطي الذي يكشف ما وراء المنطق ويجافي الحقيقة بتنويم الجماهير بأخبار قد تكون صحيحة ولكنه يأتي بها بصورة المبالغة فما المانع من إدخال البهجة إلى قلوب الجماهير ولو بمعلومة غير دقيقة! وما المانع من الضحك على أذقان البسطاء الذين يعيشون بـ «العافية»!
كفانا طربا، كفانا رقصا فسياسة «هز يا وز» آن لها أن تقتلع وتجتث من أجهزتنا الجماهيرية التي «تفشل» وآن لسياسة الحرس القديم التي تمسك بزمام أجهزة الإعلام أن تتخلى عن تمسكها بمقاعد صنع القرار في أجهزة الإعلام، وربما يكون هذا مجرد أمنيات لن تتحقق ولن يكتب لها أن تولد
إقرأ أيضا لـ "عبدالله الملا"العدد 1353 - السبت 20 مايو 2006م الموافق 21 ربيع الثاني 1427هـ