العدد 1352 - الجمعة 19 مايو 2006م الموافق 20 ربيع الثاني 1427هـ

رجل الأمن والأمان تسمية رائعة

عثمان الماجد comments [at] alwasatnews.com

-

ما يميز الطائفية بوصفها مرضاً اجتماعياً، عن سائر الأمراض المجتمعية، هي أنها تحمل دوما في أحشائها هوى تحريضيا إلغائيا، فهي، مدفوعة برغبة الاستحواذ على كل المنافع أو معظمها، تصر على التمييز المذهبي وتدفع باتجاهه بكل ما أوتيت من قوة النفوذ، ليصبح من المكتسبات التي تقع في مظنة الشبهة عند المذهب الآخر، كما في البحرين، والتمييز الديني كما في حالات عربية أخرى، مثل ما هو شاخص في المشهد الدموي الراهن في العراق الذي يجتاز أكثر المفاصل التاريخية ألما وأوسعها سقوطا في المجهول الذي يقودها إليه الاحتراب الطائفي.

والعنف إذ هو من أكثر إفرازات الطائفية وأبرزها وجعا وأشدها قدرة على الإساءة إلى الوحدة الوطنية، فهو من مترسبات اليأس والإحباط، وهو، أيضا، تعبير عن الدفاع الوجودي الكياني. ومن هذا المنطلق، في اعتقادي، لا ينبغي مواجهة العنف بالعنف وإنما البحث عن وسائل سلمية لإدارته والسيطرة عليه، وأقصر طريق وأنجعه، حتى الآن، هو الديمقراطية وما تتيحه من آليات التفاوض والتحاور.

«العنف يولد العنف» قول يحمل الكثير من الحقيقة، ويعبر عن واقع يتجلى بصور وأمثلة تمتد بطول البلدان العربية التي تجتاز مرحلة من أصعب مراحل تاريخها الحديث، لكن هذا القول لا ينبغي أن ينصاع لمنطقيته من يفترض فيه أنه يمثل غطاء أمنيا للكل الوطني، والأداة التي تدير أمن وسلامة السلطة السياسية وتوفر أمن واستقرار مواطنيها ومؤسساته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية والثقافية. وكم هي رائعة تلك التسمية التي تطلق على وزير الداخلية الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة، والتي تصفه برجل الأمن والأمان، وأخال أن هذه التسمية تضاعف من مسئوليته الجسيمة في تحمل أعباء المهمة الوطنية التي لا يحسد عليها. في الوقت ذاته الذي فيه أعجب من بعض الكتاب وغيرهم ممن لم يتكيفوا بعد مع واقع أن البحرين تعيش عهدا ديمقراطيا، ووعدا ملكيا باحترام حرية الرأي والتعبير المكفولة بقوة القانون، حين ينبرون من بين كل الناس، وعلى خلاف مما هو متوقع، وما هو مرجو من حملة الوعي الوطني! الذين يتوقف عليهم تشكيل الرأي العام المناوئ للطائفية والمدين لكل أوجه العنف، ليعلنوا ضيقهم وتذمرهم وسخطهم، من موقف ديمقراطي مشرف يفيض مسئولية ويتفجر حرصا على الأمن المجتمعي من حق المواطن أن يفخر بالقول إنه فعلا الرجل المناسب للمكان المناسب. فالموقف والطريقة التي يتعامل بهما وزير الداخلية مع هؤلاء ممن نحن نتفنن في إطلاق الأوصاف عليهم، والذين أضاعوا طريقة التعامل بالآليات الديمقراطية لقصور في الثقافة الديمقراطية وتقصير وظائفي من أجهزة الإعلام، الحكومية منها والأهلية لهو موقف تثمنه قطاعات مجتمعية كبيرة وتكيل له إزاءه الشكر والثناء.

وأعتقد أن من أحد الأخطاء التي يتحمل الإعلام بأوجهه الحكومية والحزبية والأهلية وزر تفشيها وتبعاتها الكارثية، هو عدم التعرض بالشرح والتوضيح لمفاهيم قانونية، أرى ضرورة أن يفهمها الرأي العام لفك التباساتها؛ مثل هل من المبادئ الديمقراطية أن نعد لمسيرة تطالب بإطلاق سراح من صدر بحقهم حكم قضائي بالسجن؟ وهل أن مثل هذا التعبير يتساوى في الحق مع مسيرة احتجاج أخرى تطالب بإطلاق سراح من تم توقيفه واعتقاله من دون محاكمة؟ إنها مهمة ليست سهلة ينبغي على أهل الاختصاص توضيحها عبر وسائل الإعلام لمساعدة الرأي العام على الفهم، وتحريره من التبعية الأصولية الفكرية والدينية وإعادة تشكيله وفق معطيات الديمقراطية الوليدة التي تستنهض إمكانات الشعب، والتي من أول أولويات هذا النهوض توسيع هامش الحرية للارتقاء بمفهوم المواطنة والمساواة. إذ إن التشرب بالطرائق الديمقراطية والتمسك بأدوات التعبير من خلالها، ولها، يتأسس له في البيت والمدرسة والمجتمع. هؤلاء الشباب، وأقولها ليس تبريرا لأعمال العنف، لكنني أقرأها بطريقة مغايرة عن ما يفعل غيري من حواة التأجيج الطائفي الذين تحدد المذهبية الضيقة حركتهم المجتمعية، الذين أصابوا في توصيف الحال الإنسانية في تداخلاتها الوظيفية عند وزير الداخلية لتشكل مثالا أتمنى أن ينطبق على كل مسئول، لكنهم أخطأوا في قراءة المشكلة من حيث هي ناتج عن سوء في تطبيق مبدأ تكافؤ الفرص والتمييز التي امتدت طويلا ومازالت بعض تبعاتها وذيولها مستمرة حتى الآن، وأدت، بالتالي، إلى ظهورها في أشكال متفاوتة بتفاوت مستويات المتضررين منها.

أقول إن هؤلاء الشباب مفعم بالنشاط والطاقة، يبحث عن متنفس يتخلص فيه من غضب متجمع من سياسات لم تصب في رسم مستقبلاته، ما انحدر بحاضره الذي يفتقد لأبسط حقوق العيش الكريم، أعتقد أن من واجب المجتمع وسلطات الأمن تجاههم، في أقل القليل، التهدئة والاستماع إليهم، لا كما ينادي بعضهم، من منظور أشك في سلامة منطلقه وهوية مقولته باستخدام أقصى أنواع الردع، ذلك أن العنف لا يولد إلا عنفا مضادا، فهل هذا ما نسعى إليه؟

ويخطأ من يتخذ من الاحتراب الطائفي الجاري على أرض الرافدين مثالا يسقطه على واقع مغاير جملة وتفصيلا. صحيح أن البحرين والعراق متشابهان مذهبيا إلى حد كبير، وليسا متماثلين في التركيبة الطائفية، إلا أن مختزنات الغضب المفهوم عند شيعة العراق من سلوك النظام البائد، لا ينبغي بأي حال، أن تكون ذاتها التي توجه السلوك المعارض للحكومة، فالسلطة السياسية إن أخطأت فتلك الأخطاء من مرتكبات المسئولية والأمانة الوظيفية التي تتحرك وفق أجندة طائفية لا تعوزنا الفطنة في ضوء ما هو ماثل في وزارات الدولة استخلاص ماهية واضع تلك الأجندة، السادر في غيه على تنفيذها، غير مدرك أن نقطة البداية ومنتهى الحل في صناعة الوحدة الوطنية لا تبدأ إلا من حيث تكون المساواة وعدم التمييز بين المواطنين في الحقوق والواجبات هي الإطار الحقوقي. وتقتضي الضرورة الوطنية ربط مصالح المواطنين على مختلف انتماءاتهم المذهبية ومعتقداتهم الفكرية بمرجعية سياسية حقوقية واحدة، بعيدة عن الطائفة والايدولوجيا، يتساوون فيها في فرص العمل وفي السياسة والاقتصاد والتنمية، عندها في رأيي يكون الحديث عن العنف في المجتمع البحريني مجرد ذكرى ولكنها ذكرى أليمة

العدد 1352 - الجمعة 19 مايو 2006م الموافق 20 ربيع الثاني 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً