العدد 1352 - الجمعة 19 مايو 2006م الموافق 20 ربيع الثاني 1427هـ

معركة المياه في الشرق الأوسط: 2- المشروعات الإسرائيلية

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

قبل التطرق إلى المشروعات الإسرائيلية للسيطرة على مياه الشرق الأوسط، والسيطرة، قدر الإمكان، على منابعها. يذكر أن دراسة اعدّها الدكتور إمام محمود الجمس وكيل معهد بحوث الزراعة حول (الأمن المائي العربي الواقع والأزمة) التي تؤكد بالأرقام أن العالم العربي سيواجه أزمة في ندرة المياه خاصة في ظل الوجود الصهيوني، والسلوكيات السلبية التي تؤدي الى فقد المياه، الى جانب استخدام نحو 91 في المئة في الزراعة ذات العائد المنخفض مقابل 4 في المئة للصناعة و5 في المئة للشرب.

ثم ترصد الدراسة الأربعة المصادر المائية التي تعتمد عليها الدول العربية وهي: 1- الأمطار وهي منخفضة وغير منتظمة وسيئة التوزيع، 2 الموارد المائية السطحية العذبة (الأنهار) وهي قليلة نسبيا إذ لا يتوافر للدول العربية سوى نهر النيل ونهري دجلة والفرات، وبعض الأنهار الصغيرة التي تُعد مغلقة،3 المياه الجوفية ويقدر مخزونها بنحو 7734 مليار متر مكعب، يتجدد منها سنوياً 42 ملياراً ويتاح للاستعمال 35 مليار متر مكعب، وأخيرا، 4 الموارد غير التقليدية مثل: مياه البحر المعالجة، ومياه الصرف الصحي المنقاة ومياه الصرف الزراعي المعاد استخدامه ويبلغ مواردها 7,6 مليارات متر مكعب.

ما ينبغي الإشارة إليه هنا هو اعتماد طرفي الصراع على مواردهما المائية من مصادر خارجية، فبينما تبلغ نسبة ما تحصل عليه إسرائيل من المياه، ومن خارج حدود الأراضي العربية المحتلة العام 1967، 68 في المئة من إجمالي استهلاكها للمياه، تحصل الدول العربية من خارج حدودها على 60 في المئة من إجمالي المياه المستهلكة فيها، وهذا يعني مدى حساسية وأهمية عنصر المياه لكلا الطرفين، فأي طرف يمكن أن يستعمل عنصر المياه كورقة ضغط ومساومة بالنسبة للطرف الآخر.

ومما زاد الأمور سوءاً وضاعف من تعقيداتها هو دخول عناصر خارجية في موضوع الصراع على المياه بين «إسرائيل» والدول العربية. فهناك دول مثل: تركيا التي تريد وبإيعاز من «اسرائيل» أن تجعل من المياه سلعة تباع وتشترى مثل النفط، والولايات المتحدة الأميركية التي تريد أن تجعل من المياه عنصراً مهماً لاستمرار هيمنتها وسيطرتها على منطقة الشرق الأوسط.

المشروعات الإسرائيلية

استحوذت المياه على صلب المشروع الصهيوني في فلسطين وشكلت محورا مهماً من محاور الفكر الصهيوني. فبعد صدور وعد بلفور العام 1917م تقدم حاييم وايزمان رئيس المؤتمر الصهيوني آنذاك إلى لويد جورج رئيس وزراء بريطانيا طالبا تحسين حدود «إسرائيل» بحسب وعد بلفور، لتضم حوض الليطاني وجبل الشيخ وحرمون أي تضم أنهار الأردن وبانياس واليرموك.

وفي العام 1921 أكد المفكر الصهيوني بلسان هوارس أن مستقبل فلسطين بأكمله هو بين أيدي الدولة التي تبسط سيطرتها على الليطاني واليرموك ومنابع الأردن.

وتوارث هذه الاستراتيجية مؤسسو الدولة الصهيونية، فوجدنا ديفيد بن غوريون يصرح في العام 1955 أن اليهود يخوضون مع العرب معركة المياه، وعلى نتيجة هذه المعركة يتوقف مصير إسرائيل، وأننا (اليهود) إذا لم ننجح في هذه المعركة؛ فإننا لن نبقى في فلسطين. بل أنه يذهب إلى أبعد من ذلك إذ قال في أحد تصريحاتــــه «يجب السيطرة على المنابع المائية في فلسطين مشيراً الى جبل الشيخ باعتباره - أبو المياه - في فلسطين».

ولم يقف الأمر عند حدود التفكير أو وضع الخطط بل رأينا سلطات الاحتلال تلجأ إلى مجموعة من السياسات من أهمها:

1 وضع الموارد المائية للضفة والقطاع تحت مسئولية إدارة تخصيص المياه والتصديق على استخدامها، التابعة لمفوضية المياه الصهيونية، وهي التي ينظمها قانون المياه الاسرائيلي الصادر العام 1959، والقاضي بالاستنزاف الكامل لمياه الاراضى المحتلة، وقد صدر أول أمر عسكري بشأن مياه الضفة بتاريخ 1967/6/7، أي قبل انتهاء الحرب.

2 قيام سلطات الاحتلال بحفر آبار ارتوازية داخل الأراضي المحتلة العام 1948، لضخ مياه الضفة إلى تلك المناطق، إذ كانت تضخ من الضفة الغربية وحدها 500 م م3 سنوياً وهو ما يشكل ثلث استهلاك إسرائيل من المياه قبل عدوان العام 1967.

3 إعطاء الحرية الكاملة للمستوطنين لضخ المياه نحو المستوطنات وبهذا الخصوص يقول الكاتب الصهيونى - مارك هيلر - إن «إسرائيل» سحبت 18 في المئة مـــن استهلاكهـــــا المائي مــــن حوض (اليركون) الذي يفصل الضفة الغربية عن الاراضي المحتلة العام 1948، ويبلغ مخزون هذا الحوض 460م م3

4 تركيب مضخات قوية لضخ المياه الى المستوطنات الزراعية . وقد حفرت «إسرائيل» حتى العام 1980 أكثر من 20 بئراً عمقها ما بين 300 و600 متر.

5 منع الفلسطينيين من حفر الابار إلا بعد مراجعة الحاكم العسكري بالاضافة إلى إصدار قرارات ألغت بموجبها تراخيص المياه السابقة.

6 وضعت سلطات الاحتلال العدادات على الآبار القديمة حتى لا يتجاوز استخدام الفلسطينيين الـ 35م م3.

7 محاربة الزراعة الفلسطينية عن طريق فرض قيود على استخدامات المياه، فلم يسمح للفلسطينيين بحفر آبار جديدة في أراضيهم الاّ في حالات نادرة جدا.

8 رفض السماح للبلديات بحفر الآبار إلا في حال تزويد المستوطنات اليهودية المجاورة بالمياه أو أن ترتبط شبكاتها البلدية بالشبكة الإسرائيلية وان هذا الربط يؤدي إلى جفاف الابار العربية. ومن المعروف ان المعدات التي تستخدمها لضخ المياه قوية للغاية بحيث تصل إلى عمق 500 متر مقارنة بالمعدات الفلسطينية، الأمر الذي أدى إلى جفاف 50 بئراً خلال الفترة 1967 - 1980.

وكما يؤكد وزير المياه والري الفلسطيني نبيل الشريف «أن استهلاك الفرد الاسرائيلي في مجال الاستعمال الادمي من مياه الشرب وغيرها نحو (105) أمتار مكعبة في السنة مقابل (35) متراً مكعبا للفلسطينيين حالياً، أما بالنسبة للزراعة، فإن متوسط ما يحصل عليه الفرد الاسرائيلى يكفى لرى (370) مترا مربعا مقابل (66) متراً مربعاً للفلسطينيين أي أن حصة الاسرائيلي سته أضعاف ما يحصل عليه الفلسطيني.

على أن أطماع «إسرائيل» في المياه العربية لاتقف عند حدود الأراضي الفلسطينية المحتلة بل تتجاوزها لتصل إلى أراض عربية أخرى.

فتعود أطماع إسرائيل في المياه اللبنانية إلى مؤتمر فرساي العام 1919 عندما أعلنت الحركة الصهيونية بكتاب قدّم للحكومة البريطانية عن رغبتها في السيطرة على جنوب لبنان وجبل الشيخ إذ ورد في الكتاب الآتي «إن الحقيقة الأساسية فيما يتعلق بحدود فلسطين، أي أنه لا بد من إدخال المياه الضرورية للري والقوة الكهربية ضمن الحدود. وذلك يشمل مجرى نهر الليطاني ومنابع نهر الأردن وثلوج جبل الشيخ».

وقد حققت «إاسرائيل» مطامعها في المياه اللبنانية خلال فترة احتلالها للجنوب اللبناني عبر سرقة مياه الليطاني وغيره من مياه لبنان باستخدام نفق طوله 17 كيلو متراً لسحب مياه الليطاني إلى داخل «إسرائيل».

أما بالنسبة لمياه نهر الأردن، فقد توالت المشروعات لاستغلال مياهه، ومنها مشروع «جنسون» ومن ثم مشروع «كوتن» واللذان شملا أيضاً مياه نهر الليطاني.

وعندما يصل الحديث إلى أطماع «إسرائيل» في المياه السورية يمكننا العودة إلى الدراسة المقدّمة من معهد واشنطن لسياسات الشرق الأوسط والمعنونة بـ «الأمن والسلام» والتي جاء فيها: «إن قيمة الجولان العسكرية عملية فقط، وهي على وجه التحديد حماية الجليل. ولكن الدفاع عن مصادر المياه هي حاجة استراتيجية مطلقة. وفي الحقيقة تعني البقاء. ومادامت الحرب قائمة بين سورية و«إسرائيل»، ومادامت منابع نهر الأردن غير آمنة فإن «إسرائيل» لا يمكنها الانسحاب من مرتفعات الجولان».

وتستحوذ مياه نهر الفرات على جزء من الأساطير الصهيونية باعتباره امتداداً لحدود «إسرائيل» الكبرى، ويكتسب النهر بعداً خاصاً بسبب تداخل حوضه ضمن ثلاث دول وهي: تركيا والعراق وسورية،. ومن خلال تركيا تعمل «إسرائيل» جاهدة على فرض شعار «موارد المياه التركية ملك لتركيا، كما أن النفط ملك دول النفط» عبر إقامة بناء المشروعات العملاقة التي تلحق الضرر بكل من سورية والعراق مثل: مشروعات الجاب وسد «أورفة».

***الرد العربي ****

يكتفي العرب، كعادتهم باللجوء إلى المؤتمرات وقراراتها وتوصياتها، فقد كانت أهم توصيات مؤتمرات الأمن المائي العربي نصوص من نمط: على المستوى القانوني، يؤكد أعضاء المؤتمر على اعتبار المضايق والممرات البحرية معابر دولية بما يتوافق وتعريفات القانون الدولي ولا يحق لأية دولة التحكم فيها لخدمة مصالحها الخاصة. ويؤكدون مواقفهم الرافضة لاحتكار الماء اللازم بالنسبة للإنسان والحيوان والزرع، خصوصاً أن الإسلام يمنع الإسراف والتبذير والإهدار للمياه وكذلك تلويثها.

أما على المستوى الأمني، فيطالب أعضاء المؤتمر بضرورة صوغ رؤية عربية مشتركة للأخطار الناتجة عن أزمة المياه وتحديد سبل وآليات مواجهتها باعتبارها من أهم القضايا التى أصبحت تشغل الحاضر والمستقبل العربي

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 1352 - الجمعة 19 مايو 2006م الموافق 20 ربيع الثاني 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً