القرار 1680 المتعلق بلبنان الذي صدر عن مجلس الأمن الدولي الأربعاء الماضي كان بالإمكان تجنب صدوره. فالقرار الذي قدمته الولايات المتحدة، بريطانيا وفرنسا لا وظيفة قانونية له سوى تحريك الأزمة سياسياً والتلاعب بأعصاب القوى اللبنانية واستفزاز دمشق. وحين تصبح القرارات الدولية لا وظيفة لها سوى التذكير بقرارات سابقة وتحريك الأزمة واستفزاز القوى المعنية بها من قريب أو بعيد... تفقد معناها وتسقط في فخ التكرار الممل لعناصر أزمة تحتاج إلى وقت لتسويتها أو ضبطها في إطار تفاهم وطني.
تألف القرار الذي لا طعم له ولا رائحة من ثماني فقرات وديباجة (مقدمة) طويلة تذكر «المجتمع الدولي» والقوى المعنية بقرارات سابقة شملت قضايا مختلفة. فالديباجة تشير إلى قرارين صدرا في العام 1978، وقرار صدر في العام 1982، وقرار في العام 2004، وقرار في العام .,,2005 مضافاً إليها بيانات صدرت عن مجلس الأمن في العام 2000 و2004 والعام 2005 ثم في يناير/ كانون الثاني (العام 2006).
كل هذه القرارات التي جرى التذكير بها وخصوصاً تلك التي صدرت قبل 28 سنة أو 24 سنة جاءت في سياق روتيني بقصد الإشارة إلى ما تريده الهيئة الدولية من لبنان في الوقت الحاضر. فالمجلس في قراره الأخير أهمل ما تذكره تلك القرارات السابقة وركز على واحد منها وهو ذاك الذي ينص على معالجة قضايا حساسة لا وظيفة لها سوى زعزعة استقرار لبنان وجرجرة دولته إلى مواجهات داخلية أو حدودية لا تقوى على تحمل نتائجها أو احتواء تداعياتها.
إذا كانت هذه هي النتائج المتوقعة أو المتوخاة من عملية التذكير بقرارات سابقة فمعنى ذلك أن القرار الجديد لا وظيفة له سوى زعزعة استقرار البلد تحت ذريعة واهية تدعي حرص مجلس الأمن على دعم «سلامة أراضي لبنان وسيادته واستقلاله ضمن حدوده المعترف بها دولياً».
هذا الكلام الغامض عن سلامة الأراضي والحرص على السيادة والاستقلال لا معنى له في سياق التذكير بقرارات سابقة وخصوصاً القرار الكارثة 1559. فالتذكير بهذا القرار المشئوم هو الهدف المقصود من وراء إصدار قرار جديد كان بالإمكان تجنبه. فالإصرار على تطبيق ما تبقى من فقرات في 1559 يعطل عملياً تلك الادعاءات الدولية التي تتحدث عن السلامة والسيادة والاستقلال. لأن معنى دفع الدولة نحو تطبيق تلك الفقرات سيؤدي إلى زعزعة استقرار البلد وتعطيل السلامة والسيادة والاستقرار.
إذاً الوظيفة السلبية الأولى للقرار 1680 هي إعادة التذكير بفقرات لم تطبق في 1559 ولاسيما تلك المتصلة بالميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية ونزع سلاحها وبسط الحكومة سلطتها على كل أراضيها وإجراء انتخابات رئاسية «حرة وعادلة». فالتذكير هنا لا معنى له سوى القصد بإثارة حساسيات بين القوى اللبنانية في وقت تحاول الأطراف المتحاورة التوصل إلى توافق يضمن الاستقرار ويحترم توازن المصالح ولا يتعرض لخصوصيات كل فريق في البلاد.
الوظيفة السلبية الثانية للقرار 1680، هي إضافة مهمات جديدة على الدولة اللبنانية في وقت تبدو أنها عاجزة عن حل مشكلات كثيرة تبدأ بالسياسة وتنتهي بالاقتصاد وما يتفرع عنه من ضغوط اجتماعية وصحية وتربوية ومعيشية ونقابية.
فالقرار يدعي أنه يريد خدمة الدولة ورعاية مصالح الناس، لكنه لا يتردد في فتح مشكلة جديدة مع سورية في وقت يمر لبنان في ظرف صعب لا يعرف كيف يدير شئونه في سياق ضغوط دولية تتعرض لها المنطقة.
هذا النوع من «المتابعة الدولية» لكل التفصيلات المتصلة بلبنان لا يسعف البلد بل يزيد من قلقه وتوتره ويدفعه نحو زاوية حادة لا يستطيع الخروج منها من دون مواجهات. فهل المقصود بالقرار الجديد تشجيع الفرقاء على التصادم بهدف زعزعة استقرار البلد أم المقصود اتهام سورية بزعزعة الاستقرار والضغط على لبنان للتحرك لحسابات دولية لا مصلحة للدولة اللبنانية باثارتها؟
قراءة 1680 تعطي هذا التفسير، لأن فقرات القرار تذهب نحو التذكير بالأزمة وتعداد عناصرها وإضافة عناصر تفجيرية إليها. فالقرار فعلاً كان بإمكان مجلس الأمن تجنب صدوره لأن وظائفه سلبية ولا معنى لها سوى تشجيع القوى على زعزعة الاستقرار وتجنب احتواء الأزمة
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 1352 - الجمعة 19 مايو 2006م الموافق 20 ربيع الثاني 1427هـ