العدد 1351 - الخميس 18 مايو 2006م الموافق 19 ربيع الثاني 1427هـ

قراءة في قرار «الوفاق» المشاركة في انتخابات 2006

تقي الزيرة comments [at] alwasatnews.com

في الأول من الشهر الجاري، أعلنت جمعية الوفاق الوطني الإسلامية، وبصورة رسمية وغير مفاجأة، قرارها بالمشاركة في الانتخابات النيابية المقبلة في أواخر العام 2006. ويمكن القول إن الساحة البحرينية ستتأثر إجمالاً، وبصورة إيجابية، على المدى الطويل بقرار المشاركة، إلا أن الساحة ستواجه على المدى القصيــر، مجموعة من التحديات والتوتــرات والأوضاع الجديدة في الأشهــر القليلــة المقبلة، فما هي هذه التحديات والتوترات والأوضاع الجديدة؟

أولاً: زيادة التباعد ما بين «الوفاق» ودعاة المقاطعة، وفي مقدمتهم رفاق الدرب والنضال في «حركة حق»، وحركة أحرار البحرين (لندن). وبصفته أحد أدوات الضغط السياسي (الأكثر شرعية واحتراماً) المتوافرة للمعارضة في هذه المرحلة السياسية، إلا أن التباعد بين الفريقين قد يؤدي إلى زيادة التوتر والمشاحنات بينهما. وسيكون من الحكمة أن تحاول «الوفاق» وبعض الشخصيات الوطنية إيجاد فرص لحوارات وتفاهــم مشتــرك بين هذه الأطراف. ومن الحكمة أيضاً أن تدعم السلطة هذه الحوارات والتفاهمات المشتركة لتوفير مناخ سياسي مناسب للمشروع الإصلاحي ولتفادي وقوع المملكة في أزمة جديدة.

ثانياً: احتمال زيادة أعمال التوتر في الأماكن العامة كلما اقترب موعد الانتخابات أواخر العام، ولاسيما إذا تقطعت سبل الحوار والتفاهم بين الأطراف الوطنية أو بينها وبين الحكومة. وقد تجر هذه الأعمال المجتمع إلى ردات فعل رسمية وأهلية منفعلة وغير صائبة، وقد تؤدي إلى اقتراب الساحة من المربع رقم واحد، الذي يحوي من الظروف والتجربة التاريخية الحديثة ما تطمح إليه الأطراف المتشددة في البحرين. فهي تجربة غنية للمعارضة مكنتها في فترة التسعينات من الاعتماد على الحراك العفوي للجماهير، وهي في المقابل تجربة غنية للمدرسة التقليدية في إدارة شئون الحكم التي مازالت متمسكة بخيار القبضة الحديد.

ثالثاً: احتمال تزايد التأهب والاستعدادات بين الجماعات والقوى السياسية والدينية المنافسة لـ «الوفاق» وتنظيم صفوفها وتنسيق مواقفها، مدفوعة بالهواجس والمخاوف الكبرى القادمة من العراق وإيران، ومن تزايد اشتـداد قبضة الحركات الدينية والطائفية في المنطقة. وهي هواجس ومخاوف سيسعى المتشددون دعاة المربع رقم واحد، إلى النفخ فيها وتأجيجها.

رابعاً: الحكومة ممثلة في السلطة التنفيذية هي الأخرى ستعمل ألف حساب تحسباً لـ «الوفاق» وأخواتها في التحالف الرباعي، وحلفائها المستقلين إذا قرروا دخول لعبة البرلمان. فعلى رغم تأثير حركة المقاطعة في التجربة البرلمانية الأولى في ولادة مجلس نواب ضعيف نسبياً، فإن هذا المجلس استطاع أن يمارس ضغوطاً سياسية واضحة أدت إلى إحراج الحكومة وكشف مواقع التلاعب والفساد وعناصره وأدواته، وأظهر قدرة بعض النواب على توظيف البرلمان كأداة ضغط سياسية ورقابة شعبية وسلطة ثالثة مستقلة عن الحكومة.

خامساً: الساحة الاقتصادية وحركة التجارة والاستثمار، ولاسيما كبار التجار والمستثمرين ومجلس التنمية الاقتصادية ومشروعاته التنموية الشاملة، هي الأخرى ستتأثر سلباً وإيجاباً. فهذه الساحة أعربت كثيراً عن قلقها وهواجسها بسبب الموضوعات والمناقشات التي دارت تحت قبة البرلمان فضلاً عن قلقها من انفلات الوضع الأمني وعرقلة التظاهرات والمسيرات والعنف للحركة الاقتصادية والاستثمارية. ومع أن خطاب المعارضة ممثلة بالتحالف الرباعي كان خطاباً اقتصادياً علمياً جذب أنظار التجار والمستثمرين، إلا أن هذه الساحة الاقتصادية لا تعلم كثيراً ما إذا كان النواب الذين ستوصلهم «الوفاق» وحلفاؤها للبرلمان، سيمثلون معارضة معتدلة تزخر بالتكنوقراط والمثقفين والعلماء وتلتفت للتحديات الاقتصادية وتطرح لها حلولاً اقتصادية واستراتيجية، أم أنها ستوصل معارضة دينية أكثر تشدداً من سابقتها، ولا تعي دور الاقتصاد والإعمار في تحقيق العدالة والتنمية والسلام.

سادساً: الساحة الإقليمية والقوى الدولية الكبرى ستنظران أيضاً بعين الريبة والقلق، فلا أحد يستطيع التكهن ما إذا كانت الديمقراطية التي تبنتها البحرين وأدت إلى دخول أكبر قوى المعارضة البرلمان، ستطرح رؤى (ثورية) تؤدي إلى زعزعة المؤسسات الحاكمة، وظهور مراكز قوى سياسية جديدة قد تخل بالموازين الإقليمية التي اطمأنت لها القوى الدولية والدول المجاورة وتتوجه نحو رفض الوجود الأميركي في المنطقة وتجعله في مقدمة أولوياتها، أم أنها معارضة نيابية ذكية تفهم اللعبة البرلمانية وتحرص على نجاح التجربة الديمقراطية وتركز على التحديات الاقتصادية الاستراتيجية.

سابعاً: المواطنون والمجتمع عموماً سيرتفع سقف توقعاتهم في المرحلة المقبلة بعدما قررت الوفاق وأخواتها المشاركة. فالرأي العام البحريني يدرك مدى قصور التجربة البرلمانية بسبب مقاطعة المعارضة، ويدرك أيضاً أن خطاب المعارضة وطموحاتها وآمال الجماهير كانت أكبر بكثير من تلك المطروحة في البرلمان. ولا شك في أن هذه التوقعات المرتفعة ستفرض ضغوطاً وتحديات على «الوفاق» وحلفائها للظهور بأداء جيد في البرلمان وباختيار موضوعي ودقيق لمرشحيها وحلفائها في البرلمان والمجالس البلدية في المرحلة المقبلة.

ثامناً: يمكننا القول إن أهم وضعية جديدة ستواجهها «الوفاق» والمجتمع البحريني هي العلاقة القادمة مع مؤسسة الحكم وبالتحديد الموقف الرسمي المتوقع من ملك البحرين. فالإشارات الشفافة القادمة من مثل: «أفضل الأيام يوم تشارك الوفاق»، والتهنئة المباشرة من جلالة الملك عبر الديوان الملكي في اتصال هاتفي صريح، هي إشارات إيجابية تترجم لنا نوايا قمة الهرم السياسي البحريني ورغبته في إيجاد علاقة جديدة طيبة مع المعارضة البحرينية، وتحويلها من غريم سياسي إلى شريك وطني يسهم في إنجاح الحركة الإصلاحية، ويتفادى الوقوع في الحفر الطائفية والإثنية والإرهابية، ويروج الالتزام بالولاء للوطن قبل غيره، والالتفات معاً للتحديات الاستراتيجية والإقليمية، والنظر للمسائل المحلية والدولية بالمنظار المشترك، نفسه ويسعى لتهيئة المناخ لوحدة وطنية نموذجية يشار لها بالبنان بين الأمم والأوطان.

تاسعاً: لاشك في أن قرار «الوفاق» المشاركة، والتفاعل الإيجابي من جلالة الملك سيفرض على الدولة أيضاً تقديم المزيد من التنازلات والشفافية السياسية وفتح المزيد من فرص التفاهم والعمل المشترك. ونتوقع هنا أن تلتفت الدولة بداية لمعالجة أعمال العنف في الأماكن العامة بروية وعقلانية من دون الإنجرار لعقلية أمن الدولة، وأن تصدر أحكاماً بالعفو الملكي عن الموقوفين للأسباب الأمنية ذاتها، وأن تفتح بعض القنوات للحوار والتفاهم الوطني، وترسل إشارات طيبة بشأن معالجة الملفات الساخنة التي طرحتها المعارضة (التجنيس السياسي، البطالة، العدالة وعدم التمييز الطائفي، التعديل على الدستور والدوائر الانتخابية) والاتجاه نحو تعيين كفاءات أفضل في مجلس الشورى، وتعيين كفاءات وطنية في المجالس الحكومية الأخرى وتوزير بعض العناصر النزيهة المحسوبة على المعارضة.

عاشراً: إدارة «الوفاق» نفسها ستعيش تحت ظرف جديد، فخيارها الجديد يمثل تماماً عكس خيارها القديم. خيار المشاركة سيفرض عليها مسئولية تبرير مشاركتها وترجمته بداخل البرلمان بصورة عملية وشفافة للرأي العام. وسيفرض عليها هذا الخيار الجديد أيضاً تبني خطة استراتيجية جديدة، ورؤى وأدوات سياسية جديدة لا تربك السلم الأهلي والتجارة والاستثمار، مع خطاب سياسي عقلاني أقل حدة من سابقه، وتكتيكات وتحالفات استراتيجية واسعة من دون إقصاء للأطراف الوطنية الأخرى. وحتماً ستكون هذه هي بداية النهاية للتحالف الرباعي الذي ارتكز على خيار المقاطعة. وسترى «الوفاق» نفسها تدخل في تحالف أو تحالفات جديدة قد تشمل حتى التيار السلفي والتيار الليبرالي ومراكز القوى الاقتصادية مثل منظمات الأعمال والمال والسيدات والشباب ونقابات العمال. فالعمل السياسي من تحت قبة البرلمان يختلف كثيراً عن خارجه، ويتطلب كوادر سياسية واقتصادية ونقابية ومهنية كفؤة تتمتع بالمهارة والحكمة في رسم الأولويات السياسية وإدارة الاختلاف والعمل بشفافية رفيعة، وفهم عميق لفن الممكن في السياسة، وقدرات تفاوضية وتنفيذية رفيعة المستوى، ومهارات اللوبي وفنون الاتصال وآداب التواصل والعلاقات العامة مع كل الأطراف، وعدة فنون وعلوم إدارية ومالية واقتصاديــة، لن يكون من السهل الإدعاء بأنها موجودة في مطبخ «الوفاق».

كاتب بحريني

العدد 1351 - الخميس 18 مايو 2006م الموافق 19 ربيع الثاني 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً