الأزمة الإسكانية في المملكة التي بدأت منذ أكثر من عقدين، تحولت بفعل السياسات المتبعة آنذاك، إلى مشكلة حرجة يواجهها الجميع، بدءا من الحكومة مروراً بوزارة الأشغال والإسكان وانتهاءً بالمواطن. هذه المشكلة الوطنية يمكن وصفها بـ «المشكلة العائمة»، على النحو الذي يصعب معه التنبؤ بأسلوب الخروج منها.
أصبحت هذه المشكلة واحدة من المشكلات المستعصية التي ترهق الأداء الحكومي تجاه المواطنين، في جانب الحقوق المدنية والاقتصادية المعيشية، وخصوصاً أن الطلبات الإسكانية وصلت إلى أكثر من 45 ألف طلب، ما بين طلب قسيمة أرض ووحدة سكنية وقرض شراء أو بناء. وبلغت حدة المشكلة إلى المستوى الذي دعا جلالة الملك في فبراير/ شباط الماضي إلى طمأنة شعبه، بقول واضح لا لبس فيه: «قطعة أرض لكل مواطن»، وهو مؤشر إلى أن الحق الدستوري الذي يتمتع به كل مواطن في الحصول إلى حقوقه مازال محل الاهتمام والعناية، من لدن جلالته. كما أن هناك في المقابل رزمة من الواجبات الدستورية التي يعي المواطن أنها مفروضة عليه، ويدرك مدى أهمية الالتزام بها، إيماناً منه وإقراراً، بأن المواطنة تتجلى في التمتع بالحقوق والالتزام بالواجبات. ويجدر أن نطرح ما تخطط له وزارة الأشغال والإسكان، إذ طرحت خطة جديدة للتعاطي مع الأعداد الهائلة من طلبات المواطنين. وجاءت الخطة على شكل قانون جديد يهدف لمنع إحراج الوزارة وحكومتها أمام تنامي أعداد الطلبات على الخدمات الإسكانية، وذلك عبر تعديل القرارات القديمة بجديدة تتناسب والمرحلة الراهنة. فقد أعلنت الوزارة في منتصف أبريل/ نيسان الماضي عن عزمها إجراء تعديلات، في إشارة إلى أن كل التعديلات الجديدة تأتي وفق القرار رقم 83 لسنة 2006 بتعديل بعض أحكام القرار رقم 3 لسنه 1976 بشأن نظام الإسكان الذي شمل تعديل عدد من مواد ونصوص القانون القديم.
جديد الوزارة واستراتيجية بالسالب
بدء العمل بصندوق الضمان الاجتماعي المعني بذوي الدخل المحدود، ونظام الرهن العقاري لذوي الدخل المتوسط. رفض وزارة الإسكان قبول أي طلب جديد يفوق راتب المتقدم به على 900 دينار بحريني. قبول طلبات الوحدات السكنية لمن يقل راتبهم عن 900 دينار. قبول طلبات استئجار الشقق لمن يقل رواتبهم عن 600 دينار. قبول طلبات قروض البناء لمن تتراوح راتبهم بين 320 و1200 دينار. قبول طلبات الترميم لمن يقل راتبهم عن 1200 دينار. أعطيت المرأة الحق في تملك الوحدة السكنية بتفصيل مذكور.
الاستراتيجية الجديدة للوزارة يبدو أنها جاءت للتخلص من الأعداد الهائلة التي ينبئ المستقبل باحتمال تواردها على مكاتب الوزارة، وهذه الخطوة واحدة من المؤشرات التي تكشف مدى حجم المشكلة الإسكانية، التي أصبح من «الحكمة» مواجهتها بالقوانين الاحترازية التي ستساهم في حماية المخزون الشحيح من الأراضي غير المملوكة، التي تقدر بنسبة 7 في المئة من مجمل المساحة الجغرافية للمملكة. هذه القوانين الاحترازية تتصدى للطلبات المقدمة للوزارة، فكما أنها تقي الحكومة من «شر الورطة»، فإنها تستبطن من جهة أخرى - حرمان المواطن من حقه في «قطعة أرض»، الأمر الذي يؤكد أن الحكومة تتبنى استراتيجية سلبية تهدف إلى التنصل من الالتزام الفعلي بالواجب الرسمي تجاه الحق الطبيعي والشرعي والدستوري للمواطن بالحصول على قطعة أرض.
إن أحداً لا يخفى عليه ما كان متبعاً آنذاك، من سياسة الهبات السخية، وسياسة وضع اليد، وعملية تقاسم الثروة العامة بين فئات كانت تحكم قبضتها على المال العام، وهذه السياسة هي التي أخلت بالتوازن في إمكانية منح المواطنين الملكية بشكل عادل اليوم. كما أن قانون السماح لمواطني مجلس التعاون بالتملك في البحرين كان له الأثر السيئ في «تقسيم ما لا ينقسم»، ورفع أسعار العقار ما بين 3 و4 أضعاف السعر المعتاد للمواطنين الراغبين في الاستغناء عن خدمات الإسكان. وهذا القرار وإن كان جزءاً من استحقاقات التفاهم الإقليمي الخليجي فإن لكل بلد خصوصية تشجع أو تمنع من التعاطي مع كل ما تتطلبه الاتفاقات والتطلعات الخليجية البينية. فقرار التمليك لغير البحرينيين قرار جانب العدالة والإنصاف، وهو بحاجة إلى إعادة نظر. مسألة التجنيس التي تمت في السنوات الأخيرة، هي الأخرى ساهمت في «تقاسم ما لا يقسم»، وفي زيادة تعقيد المشكلة، إلى جانب الإفراط في تمليك أعداد كبيرة من أصحاب النفوذ والحظوة عند الدولة وأجهزتها وغير ذلك مما لا يخفى.
عند محاولة تحليل هذه المشكلة الوطنية، فإن الحكومة هي المعنية بالدرجة الأولى عن تحول المشكلة الإسكانية إلى أزمة، وهي بالتالي المسئولة عن معالجتها وإيجاد الحلول، والعمل للحيلولة دون تحولها إلى مشكلة مستعصية.
ماذا بقي من الأرض والبحر؟
إن مساحة البحرين الجغرافية في غاية المحدودية، وهي من أعلى النسب من حيث الكثافة السكانية بعد قطاع غزة في فلسطين المحتلة، فهي لا تتعدى 1000 كـم مربع إذا ما جمعت إليها مساحة المياه التي يمكن أن تتحول إلى يابسة، في حين أن 93 في المئة من مساحتها «ملك خاص»، بحسب التصريح الرسمي لوزارة الأشغال والإسكان، الذي تكرر تصريحا وتلميحا من دون التطرق إلى طريقة التحول الدراماتيكي للأرض من الملكية العامة إلى الملكية الخاصة، و«الخاصة جداً»! هذا شأن الأرض، وأما شأن البحر فقد أصبح كحال الأرض، وربما أصبح ملكا خاصا بنسبة 100 في المئة و«عند جهينة الخبر اليقين».
غريبة تلك الشروط التي تضعها الوزارة وتقرها الحكومة لمنع «المواطن العادي» - غير المستحق للثروة الوطنية - من أن يسيئ استغلال الثروات الوطنية، هذه الشروط التي تساهم بشكل مباشر أو غير مباشر في أن تبقى الأرض حكراً على «المواطن غير العادي»، لكي يتسنى له التمتع بها من موقع الاستحقاق بحكم التميز الطبقي أو العشائري أو القبلي، ولكن أليس الأغرب من هذا ألا تحافظ كل من الوزارة والحكومة على مظهر وجوهر الوعد الذي ساقه لنا رأس الدولة، جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، قبل ما يقارب الشهرين بأن «لكل مواطن قطعة أرض»؟
إقرأ أيضا لـ "هادي الموسوي"العدد 1351 - الخميس 18 مايو 2006م الموافق 19 ربيع الثاني 1427هـ