من الآيات القرآنية التي طالها التشويه والتفسير السيئ والمجافي للحقيقة هي قوله تعالى: «واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم» (الأنفال: 60).
هذه الآية القرآنية اعتبرت لدى بعض الجهلة من الإسلاميين، دعوة إلى إرهاب الآخرين من الديانات الأخرى أو الذين يمكن أن ينطبق عليهم الشرك والكفر والفسوق وما إلى ذلك... وهكذا فقد تم تشريع العمليات الارهابية بحجة أن في القرآن الكريم دعوة صريحة إلى الإرهاب.
من جهة أخرى فإن المتربصين بالإسلام من اليمين الغربي المتطرف، وحتى بعض المعتدلين في العالم الغربي، وجدوا في هذه التفسيرات، وهذه النصوص مادة للطعن في الدين الاسلامي، واعتبار القرآن الكريم محرضاً على العنف والارهاب والتطرف.
من يقرأ الآية القرآنية بتمعن ووفقاً للروح التي ينطق بها القرآن الكريم، فإنه سيكتشف (كما يفسر ذلك بعض العلماء الربانيين) أن الدعوة ليست إلى الإرهاب، بل هي دعوة ردع، فالقوة ليست وسيلة لقهر الآخرين والاعتداء والمجابهة المسلحة، بل هي أداة للسلام ومنع وقوع الحروب والاعتداءات والطغيان والتجبر.
لذلك جاءت الآية التي بعد هذه الآية في سورة الأنفال لتقول: «وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه السميع العليم» (الأنفال: 61). ونظرية الردع اليوم هي التي تحكم القوى الكبرى المتصارعة، فقد أصبح التسلح وبناء القوة العسكرية يهدف أساسا لعدم إعطاء الفرصة للعدو للاعتداء، وهي نظرية أطلق عليها في مرحلة معينة اسم توازن الرعب.
ومع أن سباق التسلح في العالم منذ الحرب الباردة وحتى اليوم قد خرج عن هدفه الأساسي، إلا أن الردع يبقى الغاية التي بنيت عليها سياسات بناء القوة في الدول المتقدمة.
إن في القرآن الكريم روحاً موحدة تدعو إلى الحوار واحترام العقل والرأي الآخر، ودعوة إلى الجدل الحر، والتنوع والتعدد والحرية الفكرية والحرية السياسية... وفي إطار هذه الروح فإن الدعوة إلى الجهاد والقتال تأتي دائماً للدفاع والردع وإنقاذ المستضعفين والمضطهدين.
لذلك فإن الدعوات التي تنطلق هنا وهناك إلى تغيير المناهج الدينية في بلادنا، يفترض أن لا تكون بهدف حذف آيات من القرآن الكريم، أو إلغاء نصوص دينية ثابتة، بل هي دعوة يفترض أن تكون باتجاه إزالة بعض التفاسير المحرفة للتعاليم الدينية.
نعم، نحن بحاجة إلى غربلة كاملة لمناهج التعليم الديني، لأنها تحتوي على الكثير من التفاسير المتطرفة والموغلة في الرأي الأحادي المنفرد، والمكرسة لرفض الآخر، وهي تفاسير تسيئ للاسلام قبل أن تسيئ للبعض!
لقد عشنا في فترة الثمانينات شيئا شبيها مما نعيشه اليوم، وقد لجأت بعض الحكومات العربية الدكتاتورية إلى إلغاء بث آيات الجهاد والقتال، لأنها يمكن أن تستخدم كحجة شرعية في مقارعة الأنظمة... ولكن في الوقت نفسه فقد أطلق العنان لبعض الجماعات وبعض الفئات في هذه الدول لأن تكفر وتشرك هذه الجماعة أو تلك، وزرعت ثقافة تكفيرية في مجتمعاتنا نجني اليوم شوكها بقتل وذبح ودماء بريئة تراق هنا أو هناك!
كاتب كويتي
العدد 1351 - الخميس 18 مايو 2006م الموافق 19 ربيع الثاني 1427هـ