يعتبر الماء أحد أهم العناصر الأساسية والضرورية في الحياة. وقد أشارت إلى ذلك الأديان السماوية كافة ومن بينها الإسلام، كما جاء في الآية الكريمة: «وجعلنا من الماء كل شيء حي» (الأنبياء:30). وبينما تغطي المياه نحو 80 في المئة من سطح الأرض فإن حجم المياه العذبة الموجودة في الأنهار والبحيرات وباطن الأرض والصالحة للاستخدام الإنساني فهو لا يتجاوز 1 في المئة من الحجم الكلي للمياه.
وإحدى العلامات المهمة التي تؤكد أهمية الماء في النشاط البشري، هي أن جميع الحضارات القديمة قد نشأت حول ضفاف الأنهار وبالقرب من مصادر المياه. هذا الأمر هو الذي يفسر تحول حيازة المياه، وحسن التصرف فيها، وضمان تدفقها إلى أهم تحد واجه الإنسان، والإنسان العربي معه بطبيعة الحال، منذ بدء تلك الحضارات. ونظرا لأن حاجة الإنسان من المياه تفوق ما تمده الطبيعة فقد أصبحت مشكلة المياه تتصدر هموم سكان العالم إذ تورد بعض المصادر أرقاما تحذر من أن أكثر من خمس سكان العالم يعانون من أزمة توافر المياه العذبة والنقية. ويعرف هذا الفرق بين الموارد المائية المتوافرة، والاستنزاف البشري لها بما أصبح يطلق عليه الفجوة المالية.
وتحذر بعض المؤسسات المتخصصة في شئون المياه من أن الصراع القادم في العالم سيكون من أجل السيطرة على مصادر المياه ومنابعها، وعلى رغم الاتفاقات المبرمة حول هذه المسألة دوليا، لكن المياه كانت ومازالت مصدر النزاعات والاطماع، ويرجع ذلك إلى سبب أساسي هو أن استهلاك بعض الدول كميات أكثر من مواردها المائية المتجددة سنوياً نتيجة لارتفاع نسبة الكثافة السكانية ومعدل النمو فيها وكثرة احتياجاتها من المياه لأغراض متعددة زراعية وصناعية بالإضافة إلى مياه الشرب.
وفي مطلع العام الماضي، حذر رئيس المنتدى العالمي للمياه ريكاردو بيتريلا من أزمة جفاف عالمية في بدايات العام 2015، وألمح بيتريلا إلى احتمال تطور ذلك إلى حروب للسيطرة على الماء بين القارات وفي نطاق كل قارة. إذ تحولت المياه إلى مادة استراتيجية كالنفط على صعيد الصناعة والزراعة والمواصلات والصحة والبيئة: حرباً وسلاماً. وهذا يعني أن مياه الأنهار والبحيرات العالمية والإقليمية، قد أصبحت سلعة حربية وتجارية إذ تتنافس وتتصارع الدول ذات المنشأ لهذه الأنهار والبحيرات أو التي تمر بها: للتحكم بمجاريها والحصول على أكبر حجم منها، سواء كان ذلك بإقامة السدود، أم بشق الطرق والقنوات الفرعية بغية تحويلها عن مجراها الرئيسي.
وتحذر الدراسات المائية الحديثة، أنه مع حلول العام 2015، ستكون منطقة الشرق الأوسط على أبواب جفاف وتصحير ونقص كبير في مياه الشرب والري، الأمر الذي سينعكس سلباً على الصحة العامة والمناخ والبيئة والزراعة بشكل خاص. هذه الحال هي التي تجعل خبراء الماء والمال والحرب يجمعون على أن الشرق الأوسط سيكون منطقة نزاع كبرى حول المياه، ويذهب البعض منها إلى القول إن «إسرائيل» هي المحرك الأول لهذا النزاع لفرض سيطرتها على المياه العربية تطبيقاً لاستراتيجيتها في احتلال الأرض ووضع اليد على مخزونها المائي والنفطي معا.
وقد تناولت أوراق مؤتمر الأمن المائي العربي الذي اختتم أعماله في القاهرة في 23 فبراير/ شباط 2000 أبعاد أزمة المياه في الوطن العربي، من خلال تحديد حجم الموارد المائية العربية المتاحة واستخداماتها الحالية ومدى كفايتها. وقد لخصت الأوراق المشكلة المائية العربية في مجموعة من الحقائق والمؤشرات من بين أهمها:
- يبلغ حجم الموارد المائية المتاحة في الوطن العربي نحو 371,8 مليار متر مكعب، يستخدم منها 208,8 مليارات متر مكعب، منها 3,6 في المئة للاستخدام البشري مقابل 3,7 في المئة للاستخدامات الصناعية والباقي للزراعة.
- تتفاوت أنصبة الدول العربية من المياه، إذ تحصل دول المشرق العربي على 40,9 في المئة من إجمالي الموارد المائية العربية مقابل 23 في المئة لدول المغرب العربي و31 في المئة للدول العربية في حوض النيل و4,6 في المئة في الجزيرة العربية.
- تمثل المياه السطحية الجانب الأساسي من الموارد المائية العربية، إذ يهطل على الوطن العربي أمطار تبلغ 2280 مليار متر مكعب سنويًا يستغل منها 350 مليار متر مكعب كمياه سطحية والباقي يفقد في الأرض، إلى جانب ذلك هناك نحو 7700 مليار متر مكعب من المياه الجوفية العربية غير مستغلة.
- تمثل تحلية المياه في الوطن العربي نحو 60 في المئة من إجمالي تحلية المياه في العالم ولكنها مكلفة ومازال العالم العربي في حاجة إلى المزيد منها.
- يعتبر نصيب الفرد العربي من المياه أدنى نصيب للفرد في العالم إذ تراجع من 3300 متر مكعب سنويًا العام 1960 إلى 1250 متر مكعب العام 2000، ومن المتوقع أن يصل إلى 650 مترا مكعبا العام 2025، وهذا بسبب تزايد عدد السكان العرب الذي تجاوز 250 مليون نسمة، في حين أن المعدل العالمي يصل إلى 12900 متر مكعب سنويا، ومعدل هطول الأمطار بالوطن العربي بين 5 - 450 ملم سنويا، في حين يتراوح في أوروبا مثلا بين 200 - 3000 ملم سنويا.
- تبلغ مساحة الأرض العربية الصالحة للزراعة نحو 200 مليون هكتار لا يزرع منها سوى 47 مليون هكتار فقط، ويرجع السبب الرئيسي في هذا إلى نقص المياه. وفي العام 2005م حيث بلغ عدد سكانه 300 مليون نسمة فإن عجز الموارد المائية العربية وصل إلى 127 مليار متر مكعب، وذلك لأن حجم الموارد المائية المتاحة تبلغ 338 مليار متر مكعب سنويا لا يستثمر منها إلا 173 مليار متر مكعب!
في حين أن الوطن العربي يحتاج لتلبية احتياجاته من المياه - إذا أحسن استخدامها وتم عمل خطط لسد الفجوة الغذائية - إلى نحو 500 مليار متر مكعب من المياه سنويا.
- تبلغ كمية المياه السطحية المتاحة حاليا للوطن العربي 127,5 مليار متر مكعب سنويا، تحوز ثلاثة أقطار عربية نحو 71 في المئة منها، هي مصر والعراق والسودان. ومن المفروض أن يزيد حجم الموارد السطحية ليصل إلى 256 مليار متر مكعب من المياه، أي ضعف ما هو متاح حاليا عن طريق مشروعات الري والسدود مثل قناة جونقلي في جنوب السودان.
يأتي 67 في المئة من مياه الأنهار في البلدان العربية من خارجها. وإذا عرفنا حجم ما يمكن أن يحدث من مشكلات إذا قام العرب بعمل تنمية أو سدود تؤدي لزيادة مواردهم. وعلى سبيل المثال فنهر النيل ينبع من إثيوبيا «النيل الأزرق»، وبحيرة فكتوريا «النيل الأبيض»، ويمر بتسع دول افريقية هي «إثيوبيا، كينيا، أوغندا، تنزانيا، رواندا، بوروندي، والكونغو والسودان ومصر»، ويقطع مسافة من أبعد منابعه على روافد بحيرة فكتوريا نيانزا في قلب إفريقيا لساحل رشيد على البحر الأبيض المتوسط بمصر نحو 6700 كم. أما نهرا الفرات ودجلة فينبعان من الجبال الواقعة شمال تركيا ويمر الفرات عبر سورية ثم العراق، أما دجلة فيمر من تركيا للعراق مباشرة. وبالنسبة إلى نهر النيل مثلا، «الذي تعتمد مصر عليه اعتمادا شبه كامل في اقتصاداتها وخصوصاً الزراعة»، فنصيب مصر منه يصل الآن 55,5 مليار، والسودان 18,5 مليار متر مكعب سنويا.
ولد هذا الواقع مشكلة مائية معقدة الأشكال، متنوعة التمظهر في الوطن العربي، الأمر الذي جعل منها مشكلة ذات أبعاد كثيرة. فالوطن العربي يقع في الحزام الجاف وشبه الجاف من العالم، وتقل موارده المائية المتجددة عن 1 في المئة من المياه المتجددة في العالم، وتمثل الصحارى 43 في المئة من إجمالي مساحة الوطن العربي.
إذا أضفنا إلى ذلك وجود فتيل صراع متأجج قابل للانفجار في المنطقة هو النزاع العربي الإسرائيلي، والذي يشكل السيطرة على منابع المياه ومواردها عاملا مهما فيه، بوسعنا ان نستقرئ من الآن الحيز الذي سيحتله هذا الجانب في خريطة ذلك الصراع. ما هي عوامل انفجار هذا الصراع وما هي آفاقه... هذا ما ستعالجه الحلقة الثانية من هذا المقال
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 1351 - الخميس 18 مايو 2006م الموافق 19 ربيع الثاني 1427هـ