أصحابي وأحبابي جميعهم في وطني... ما عدا شخص أحبه كثيراً هو ابنتي ( عائشة ) التي تدرس في لبنان... هي ابنتي الوحيدة وقد سبق وكتبت عنها مقالاً نال استحسان الكثير من القرّاء في السنة الماضية عندما تخرجت وأنهت دراستها المدرسية... وبعدها تعرضت لحادث مروري مأسوي راحت ضحيته صديقتها ( الله يرحمها ) وهي التي دائماً ما اعتبرتها ابنتي الثانية .. وأنا الآن مع ابنتي لمدة أسبوع فقط مع ابنتي اطمئن عليها وعلى دراستها، والاسبوع يمر سريعاً وسوف ينتهي غداً... ولكن أصحابي لا يصبرون، وهم مني يغيرون، دائماً ما يتصلون ويقولون إن حياتهم من غيري سلطة، يعني معفوسة حدر فوق... المشكلة الكبرى أن بعض الأصدقاء الحلوين ( مثل المعرفي ) لا يريدون أن يشم صديقهم بعض الهواء الطازج .. وهم يلحون ويطقطقون عليه يومياً لكي يرجع إلى أرض الكرام ..
هم يحسدونه على يومين يقضيهما سعيداً مع ابنته الوحيدة، منها يطمئن عليها ومنها يريح دماغه من السندارة وعوار الراس والطحنة اليومية في أرض الوطن... هم لا يريدونه أن يهرب قليلاً بجسمه من الحر واللاهوب، ويريح أنفه من الغبار وشم الغازات السامة... هم حسودين، والحسود في عينه عود... لكن المعرفي ما يجوز، فهو أرسل لي بعض الأبيات التي تدل على غيرته مني لوجودي في لبنان...
أخي سلمان هل طابك المقام
في أرض لبنان والصحب الكرام
تقضون هناك أحلى الليالي
ونصيبنا من ذاك بعض الكلام
تقولون طقساً لدينا حاراً
ونقول ناراً وزادت ضرام
ونحن هنا في الحر نصلى
وأنتم هناك في دنيا الغرام
في الحقيقة أن الواحد يصعب عليه مفارقة بلاده وأهله وناسه أكثر من مدة بسيطة،و خصوصاً عندما يكبر في السن ويبلغ من العمر عتيا... وكلما كبر الإنسان في السن، أصبحت حركته وسفراته بطيئة بعض الشيء، وكلما أصبح بيته وحارته ومدينته وبلاده ملتصقة به أينما رحل... تصبح الذكريات جزءاً من حياته ولا يمكن أن يتخلى عنها، منزله مع أهله وكل ركن فيه مملوء بالذكريات، الحارة مع الأصحاب والمعارف كلها ذكريات، بلاده مع صحبته وذكرياته معهم تصبح جزءاً من حياته.
لكن ماذا يفعل الإنسان الذي يعيش في بلد صغير موجود في منطقة حارة جداً، عدد من الجزر في بحر كبير هو أشبه ببحيرة ليس له إلا منفذ صغير جداً في أطرف اليمين، وهذا البحر مملوء بالبواخر والسفن الكبيرة وناقلات النفط والبوارج الحربية والحاملات العملاقة للطائرات، وكلها ترمي نفاياتها وسمومها في البحر المحيط بنا... ماذا يفعل هذا الإنسان غير الهرب ولو لمدة بسيطة ينظف فيها نفسه؟
نحن في بلاد صغيرة وحارة وبها الكثير من المصانع للمواد الأولية، والأبخرة التي تخرج من فوهات المصانع لا ترتفع كثيراً في السماء إلا لتعاود وتنزل علينا وعلى رؤوس أطفالنا... مما يعني أن الأجواء المحيطة بنا ملوثة، والهواء الذي نستنشقه ملوث، والأسماك التي نأكلها ملوثة... كل شيء عندنا ملوث وما باليد حيلة، والتقارير عن أكبر نسبة في بلد واحدة لمرضى السرطان ( أبعده الله عنا وعنكم ) موجودة لكل من يريد الاطلاع عليها... لكن ماذا نعمل؟ هذه هي بلدنا فأين نذهب؟ وأين المفر؟
بلادي وإن جارت عليّ عزيزة، وأهلي وإن ضنوا علي كرام... هذا البيت من الشعر أصبح يردده كل مواطن صادق، وأنا أيضاً أردده دائماً لاني عاشق للوطن ولكل أهل الوطن المخلصين والذين يريدون تقدمه وتطوره ووضعه في مصاف الدول الحديثة... وإن شاء الله يأتينا يوم ونأكل كل ما نراه ونأكله في الدول الأخرى ، من سمك طازج غير ملوث ( له نغنوغ أحمر ) ومن خضار وفاكهة طازجة وغير معالجة ومحقونة بالكيماويات، ومن لحوم صحية ودجاج ليس له رائحة نتنة... عندما زار أحد اللبنانيين البحرين في سبعينات القرن الماضي ( وكانت هذه أول مرة يزور فيها بلداً في الخليج ) ذهب إلى سوق الخضراوات ليشتري له شيئاً... نظر إلى التفاح وسأل البائع ما هذا؟ قال له تفاح ، اندهش اللبناني وقال: الكنار لدينا بحجم تفاحكم... ثم وضع كوعه مستنداً على البطيخ ( الشمام ) فقال له البائع: لو سمحت أرفع يدك عن الليمون
إقرأ أيضا لـ "سلمان بن صقر آل خليفة"العدد 1350 - الأربعاء 17 مايو 2006م الموافق 18 ربيع الثاني 1427هـ