في 9 مايو/ أيار عقدت الجمعية العامة للأمم المتحدة اجتماعاً استثنائياً في نيويورك لانتخاب 47 دولة من بين 67 دولة مترشحة لعضوية مجلس حقوق الإنسان، والذين جرى انتخابهم من قبل الـ 186 عضواً في الأمم المتحدة. وقد فازت مملكة البحرين عن قارة آسيا والتي خصص لها 13 مقعداً، بـ 136، من الجولة الأولى للانتخابات ولمدة سنة.
وبموجب نظام المجلس فإنه سيجرى في أول انتخابات هذه انتخاب الأعضاء ضمن ثلاث مجموعات لسنة وسنتين وثلاث سنوات، ثم يجري تجديد ثلث الأعضاء كل سنة لاحقاً، ولكن لا تحق العضوية لأية دولة لأكثر من دورتين متتاليتين. وهكذا فأمام مملكة البحرين فرصة إعادة انتخابها في السنة المقبلة.
لاشك أن انتخاب مملكة البحرين مصدر فرحة واعتزاز للبحرين ملكاً وحكومة وشعباً، وهو ثمرة جهد للدبلوماسية البحرينية المثابرة، وانعكاس لسمعة مملكة البحرين الطيبة في مجال حقوق الإنسان، قياساً بالدول الأخرى المتنافسة معها من قارة آسيا على المقعد. وبقدر ما يشكل ذلك إنجازاً لمملكة البحرين فإنه يشكل تحدياً لها في مجال حقوق الإنسان والحريات العامة، ذلك نابع من أن من شروط الترشح لعضوية المجلس، أن تقدم الدولة المترشحة كشفاً بما أنجزته في مجال حقوق الإنسان، والتزامات بما ستقوم به لتعزيز وحماية حقوق الإنسان، ويشمل ذلك دورها السابق واللاحق على المستوى الدولي وعلى مستوى المنظمة الدولية، وعلى المستوى الوطني.
الدولة العضو ستكون تحت المجهر. فإضافة إلى ما هو متوقع منها من الانضمام إلى الاتفاقات الدولية لحقوق الإنسان، والتعاون المخلص مع آلياتها فإنه مطلوب منها أن تعدل تشريعاتها وتصلح المؤسسات المناط بها تنفيذ القانون لتتوافق مع التزاماتها الدولية. كما أنه يتوقع منها أن تفتح أبوابها لزيارات الخبراء الأمميين لحقوق الإنسان. كما أن جهازاً مستقلاً يتوقع أن يكون برئاسة المفوض السامي لحقوق الإنسان، يرصد أداء الدول الأعضاء ويصدر تقريراً سنوياً عن كل عضو، وتتم مناقشته من قبل المجلس والذي يحق بموجب نظامه المتوقع أن ينذر العضو ويعلق عضويته بانتظار قرار من الجمعية العامة، التي يمكن لها إسقاط عضوية العضو.
كما أنه يتوقع من الدولة العضو أن تتبنى استراتيجية وطنية لمواجهة تحديات حقوق الإنسان ومعالجة انتهاكات حقوق الإنسان بجدية. وفي إطار ذلك، يجب عليها التعاون المخلص مع منظمات المجتمع المدني المعنية بحقوق الإنسان وتعزيز دورها وبناء شراكة حقيقية معها.
بموجب قواعد الترشح لعضوية المجلس، فإن مملكة البحرين التزمت طوعاً بإسهامات والتزامات ووعود.
1- «لائحة الاتفاقات التي صدقت عليها والاتفاقات الأخرى التي تنوي الانضمام إليها، والآليات الملحقة بها والتحفظات التي تود سحبها». وفي هذا الصدد، فإنه يجب عليها الانضمام إلى العهدين الدوليين (المدني والاقتصادي) وملحقاتهما، والمحكمة الجنائية الدولية، واتفاق مكافحة الفساد، واتفاق حقوق العمالة المهاجرة، ورفع تحفظاتها الواردة في اتفاقات حقوق الطفل والتمييز ضد المرأة ومناهضة التعذيب.
2- «التعاون مع الإجراءات الخاصة بما في ذلك دعوى الخبراء وقبول زيارتهم البلاد والتعاون الإيجابي في تنفيذ توصياتهم». وهنا نخص بالذكر التقرير الذي أعده فريق الاعتقال التعسفي برئاسة القاضي جوانيه، إثر زيارته البلاد في أواخر 2001 بخصوص معتقلي أمن الدولة وضحايا محكمة أمن الدولة، والسجون عموماً.
3- «التعاون مع الأجهزة المناط بها مراقبة تنفيذ الاتفاقات وتقديم التقارير الموضوعية في وقتها، وتنفيذ توصياتها». وفي هذا الصدد، يجب تنفيذ توصيات لجنة مناهضة التعذيب وخصوصاً ما يتعلق بالقانون رقم 56/2002 بحيث لا يوفر حصانة للجلادين، وحق الضحايا في مقاضاة الجلادين، والتعويض المنصف لهم.
4- «الإسهام في المبادرات لتعزيز وحماية حقوق الإنسان بتوفير الموارد الإنسانية والفنية والمالية». ويمكن للمملكة الإسهام بشكل خاص كونها دولة خليجية وعربية في الجهد الدولي لحماية الشعب الفلسطيني، والعمالة المهاجرة.
5- «التعاون مع مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان ودعم نشاطاته». وفي هذا الصدد، فمن المفيد توقيع اتفاق التعاون الفني مع مكتب المفوض ومع المكتب الإقليمي لحقوق الإنسان في الدوحة.
6- «الإسهام في مداولات المنتديات الدولية لحقوق الإنسان».
7- «الإسهام بإيجابية في أعمال مجلس حقوق الإنسان والأجهزة المتفرعة عنه، بما في ذلك الإجراء الخاص 1503».
8- «الإسهام الإيجابي في مراجعة آليات الأمم المتحدة لحقوق الإنسان لجعلها أكثر فعالية».
9- «الالتزام بدعم مشاركة فعالة للمنظمات غير الحكومية في المجلس». وذلك يقتضي، طبعاً، دعم عضوية المنظمات الحقوقية البحرينية المراقبة في المجلس والهيئات المتفرعة عنه.
1- «توضيح السياسة الوطنية لحقوق الإنسان، بما في ذلك وجود ودور منظمات أهلية مستقلة لحقوق الإنسان». وبالتالي، يجب إلغاء القيود ووقف التدخل من قبل الدولة، سواء ضمن التشريعات أو السياسات في شئون المنظمات الأهلية وخصوصاً منظمات حقوق الإنسان، وتقديم الدعم لها من دون وصاية. وفي ضوء ذلك إذاً، يجدر بوزارة التنمية الاجتماعية إشهار الاتحاد النسائي، وإيقاف التحرشات بجمعية الشفافية، والإنذارات المتكررة من قبل وزارة العدل للجمعيات السياسية.
«كذلك وضع ضمانات لمعالجة انتهاكات حقوق الإنسان في مقدمة ما يجب القيام به، إنصاف ضحايا مرحلة أمن الدولة من أهالي الشهداء، وضحايا التعذيب والسجن والاعتقال التعسفي والنفي والتهجير القسري. لذلك، على الدولة أن تتفاوض مع ممثلي الضحايا، وأن تشكل على غرار المغرب هيئة للحقيقة والإنصاف.
2- «تشخيص تحديات حقوق الإنسان الرئيسية والخطوات المنوية لمواجهة هذه التحديات». إن أهم هذه التحديات هو بناء دولة النظام والقانون العادلة، وذلك يقتضي وضع حد للتمييز والمحاباة والظلم الاجتماعي والفساد، والذي يستمر في ظل تشريعات تعسفية وأجهزة غير كفؤة ونزيهة، ما يتطلب عزيمة من القيادة السياسية ومشاركة شعبية في إصلاح الأوضاع.
3- «تحديد المنحى في التعاطي مع المجتمع المدني ومؤسساته، بما في ذلك الشراكة في تنفيذ خطة وطنية لحقوق الإنسان وبرامجها». مرة أخرى، مطلوب تحويل شعار الشراكة مع المجتمع المدني ومؤسساته من شعار إلى استراتيجية.
4- «الالتزام بتحريم التمييز بجميع أشكاله في التشريعات والممارسة». وفي هذا الصدد، يجب إصدار قانون يحرّم التمييز بجميع أشكاله وتجريمه ومعاقبة مرتكبيه.
مطلوب فوراً - إذاً - وضع حد للتمييز في مؤسسات الدولة وخصوصاً المؤسسات العسكرية والأمنية، وإنهاء نظام التمييز ضد فئات واسعة من الشعب والامتيازات لصالح القلة سياسياً واقتصادياً.
5- «الالتزام بأعلى مستويات تعزيز وحماية حقوق الإنسان». وهذا طريق طويل، لكن طريق الألف ميل يبدأ بخطوة واحدة.
بقدر ما تتيح عضوية مملكة البحرين في مجلس حقوق الإنسان، إمكانات لتعزيز سمعتها ومكانتها الإقليمية والدولية وتسويق سياستها الخارجية، فإن أمام المجتمع المدني ومؤسساته فرصاً لتعزيز دورها وطنياً وإقليمياً ودولياً، وتحسين ظروف النضال من أجل أهدافها النبيلة في تعزيز وحماية حقوق الإنسان، بما يوفره مجلس حقوق الإنسان من آليات وحقوق للمنظمات الأهلية.
إن هناك فرصة سانحة للطرفين - الدولة ومؤسسات المجتمع المدني - للجلوس معاً والتشاور بشأن آفاق تعاونهما في ظل المجلس الجديد، يمكن للدولة في هذا الصدد أن تقدم على مبادرة تشكيل مجلس أو هيئة وطنية لحقوق الإنسان على غرار المغرب، تتمثل فيه وزارات وهيئات الدولة المعنية وممثلي منظمات المجتمع المدني المعنية وشخصيات حقوقية مرموقة ومستقلة، وتكون لهذا المجلس أو الهيئة استقلالية وكلمة مسموعة في سياسات الدولة
إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"العدد 1350 - الأربعاء 17 مايو 2006م الموافق 18 ربيع الثاني 1427هـ