أشرنا بالأمس إلى مواطن القوة في الاقتصاد البحريني استنادا إلى تقرير مؤسسة «ستاندرد أند بورز» من حيث تعزيز تنامي دور القطاع الخاص. من جهة أخرى، أبدى التقرير قلقه على المستقبل الاقتصادي للمملكة في حال تسجيل تراجع في عملية الإصلاحات لعدة أسباب منها الإخفاق في معالجة التحديات الاقتصادية، إضافة إلى انعكاسات المشكلات السياسية في المنطقة فضلا عن الأهمية النسبية الكبيرة للقطاع النفطي في المالية العامة.
أبدى التقرير تخوفه من تراجع عملية الإصلاحات السياسية والاقتصادية في حال حدوث تدهور في الأوضاع المحلية أو الإقليمية. حقيقة لا يمكن إنكار حدوث تطورات سلبية في الأوضاع المحلية في حال استمرار فشل الحكومة في معالجة التحديات التي تواجه البلاد من قبيل البطالة وتدني الأجور فضلا عن المشكلة الإسكانية. فقد تبين أثناء عملية التسجيل للمشروع الوطني للتوظيف أن هناك أكثر من 14 ألف مواطن من دون عمل. كما عرفنا حديثا أن 33 ألف مواطن من أصل 72 ألف يعملون في القطاع الخاص يحصلون على أجور تقل عن 200 دينار شهريا. حقيقة حتى الماضي القريب لم تقم الحكومة بمحاولات جادة لإيجاد حل لأزمة البطالة، بل إنها أهملت المسألة حتى تفاقم الوضع. كما أن المطلوب من الحكومة تقديم الدعم المادي والعيني للمواطنين الذين يحصلون على رواتب متدنية حتى يتسنى للجميع العيش بكرامة. وقد أكدنا في مقال يوم أمس أن الظروف المالية للبحرين ايجابية إلى أقصى حد ممكن، بدليل تكرار حالات تسجيل فائض في الموازنة العامة.
أما بخصوص المسائل السياسية، فلا يمكن تبرير عدم الوضوح فيما يخص مسألة الانتخابات البلدية والنيابية للعام .2006 فالغموض أو عدم تحديد تاريخ للانتخابات أمر ينال من صدقية الحكومة على الصعيدين المحلي والدولي.
أيضا يخشى التقرير على مستقبل عملية الإصلاحات في البحرين في حال حدوث تطورات خطيرة في بعض الدول الإقليمية. وطبعا الإشارة هنا إلى كل من الأوضاع الأمنية في العراق وقضية الملف النووي الإيراني. المعروف أن الشعب البحريني يتفاعل مع التطورات في هذين البلدين لعدة أسباب منها الترابط التاريخي بين كل من العراق وإيران مع البحرين. بمعنى آخر، فإن حدوث تطورات سلبية في الدول المجاورة تجعل من المنطقة برمتها بما فيها البحرين غير آمنة وأقل جذبا للاستثمارات الأجنبية. المعروف ان اقتصادنا أصلا بحاجة إلى الاستثمارات الأجنبية المباشرة للمساهمة في حل التحديات الاقتصادية التي تواجه البلاد وفي مقدمتها البطالة. فحسب تقرير الاستثمار العالمي المنبثق من مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) للعام 2005 نجحت البحرين في استقطاب 865 مليون دولار من الاستثمارات الأجنبية المباشرة في العام .2004
من جهة أخرى، ألمحت مؤسسة «ستاندرد أند بورز» إلى المزيد من التحسن في الملاءة المالية الممنوحة للبحرين في حال تطوير بعض الأمور المتعلقة بالمالية العامة. فالتقرير غير راض من المساهمة غير الطبيعية للقطاع النفطي في إيرادات الموازنة العامة، الأمر الذي يجعل الاقتصاد البحريني تحت رحمة التطورات في أسواق النفط العالمية. بخصوص السنة المالية ،2006 تتوقع الحكومة أن تبلغ الإيرادات 1275 مليون دينار، منها 896 مليون دينار على شكل دخل نفطي. وعلى هذا الأساس، فإن الدخل النفطي سيشكل 70 في المئة من مجموع الإيرادات، ما يعني أن اقتصادنا الوطني لايزال أسيرا للتطورات في السوق النفطية، على رغم مزاعم التنوع الاقتصادي.
أيضا أبدى التقرير امتعاضه من وجود مصروفات خارج إطار الموازنة العامة. ورأى أن وجود مصروفات خارج الموازنة أمر يتناقض مع مبدأ الشفافية الأمر الذي يقلل من صدقية المالية العامة للبلاد. بدورنا نشدد على عدم السماح لحدوث أية مصروفات خارج الموازنة العامة حفاظا على السمعة الاقتصادية لمملكة البحرين.
ختاما، كان ملفتا تحذير التقرير من التراجع في عملية الإصلاحات، إذ إن من شأن ذلك تسجيل تراجع في الملاءة الممنوحة للبحرين. المعروف أن مؤسسة «ستاندرد أند بورز» طورت من تطوير التصنيف الائتماني السيادي طويل المدى للعملات الأجنبية من «أي ناقص» إلى «أي». وعلى هذا الأساس ستخسر البحرين الكثير في حال قررت الحكومة التراجع في العملية السياسية (مثل تأخير الانتخابات أو حدوث تهديد للحريات المدنية)
إقرأ أيضا لـ "جاسم حسين"العدد 1350 - الأربعاء 17 مايو 2006م الموافق 18 ربيع الثاني 1427هـ