القانون هو مجموعة الأحكام التي تنظم سير الأمور في مجتمع ما، وان تكون للقانون سلطة نافذة، أي قادرة على تطبيق القانون عبر الارشاد والتوجيه وعبر استخدام القوة إذا تطلب الأمر. وعليه فإن المجتمعات «الديمقراطية» تطالب أن تكون ممثلة بصورة صحيحة في صوغ القانون (الشعب مصدر السلطات)، وأن تكون السلطة التي تنفذ القانون خاضعة للمحاسبة والمراقبة - والعزل إذا تطلب الأمر - من قبل ممثل المجتمع لكي يطمئن المرء بأن تركيز استخدام القوة لدى السلطات المعنية لن يتم تحويله إلى أداة قمعية ضده وخدمة لفئات محددة مستفيدة.
وما يحصل اليوم في الكويت يعبر عن إرادة المجتمع الكويتي في أن يشارك أفراده بصورة أكثر عدلا في إيصال ممثلي الشعب (النواب) إلى مجلس الامة. فالحكومة الكويتية غيرت الدوائر الانتخابية أثناء غياب مجلس الأمة في العام 1981 من 10 دوائر إلى 25 دائرة، ما أحدث خللا في التمثيل النيابي، إذ أصبحت بعض الدوائر لديها أكثر من ضعف ما تستحقه من نواب، ما يعني أن ميزان العدالة ليس متحققا عند سن القوانين ومراقبة أعمال الحكومة، خصوصا مع تهميش الدوائر الحضرية.
وعليه يمكن فهم «فزعة النواب» ضد الحكومة الكويتية، إذ تحالف «الليبراليون» و«السلف» و«الاخوان» و«الشيعة» بصورة مفاجئة وطالبوا باستجواب رئيس الوزراء، وهي المرة الأولى التي يحدث فيها مثل هذا الامر في الكويت والخليج. ففي العام الماضي وصل النواب إلى مستوى استجواب النائب الثالث لرئيس الوزراء، فما كان من الحكومة إلا أن تدخلت وأحالت الموضوع إلى المحكمة الدستورية، التي تتطلب سنة أو سنتين لكي تبت في أي موضوع، وفي هذه الفترة تموت كل القضايا وتنسى. وهذا، ما سبب الفزعة، فالنواب كانوا يتوقعون أن تأتي الحكومة بمشروع لإعادة الدوائر إلى وضعها الطبيعي (5 دوائر كما كان سابقاً مع تعديلات تراعي العدالة في التوزيع)... لكن ما حصل أن الحكومة قالت إنها تود أن تكون الدوائر عشراً، وهو أمر ليس سيئاً بحد ذاته، لكنها أيضا اشترطت أن توافق المحكمة الدستورية على ذلك، وهذا يعني الانتظار سنة أو سنتين.
ولكن الانتخابات المقبلة ستكون في يوليو/ تموز 2007، ما يعني أن الدوائر الحالية غير العادلة - في نظر كثير من النواب - هي التي ستستخدم في الانتخابات المقبلة... وهذا ما فجر الأزمة، وبسرعة البرق تكون تحالف من النواب الذين لم يجتمعوا على أمر واحد من فترة طويلة جداً. وبالسرعة ذاتها تفاعل الشارع الكويتي، واضطرت الحكومة الكويتية لاستخدام شرطة مكافحة الشغب لأول مرة حول البرلمان، فيما حرص الكويتيون على إبداء وجهة نظرهم سلمياً وهم يتبادلون التحيات مع إخوانهم في قوات الأمن.
لأول مرة في الخليج تصل مطالبة النواب إلى مساءلة رئيس الوزراء، ولأول مرة تتفاعل القوى البرلمانية مع المجتمع ضمن إطار يمكن أن يطلق عليه «إجماع وطني»، يرتكز على ممارسة الحق العام من خلال العملية الدستورية ويقف أمام أية جهة تحاول تجاوز العملية الدستورية. الكويتيون ارتكزوا على الدستور وحافظوا على انتقال السلطة في الفترة الأخيرة بشكل مدحه المراقبون، وهم الآن يرتكزون على المبادئ ذاتها وبصورة سلمية من أجل المدافعة عن حق المجتمع في صوغ القانون بصورة عادلة
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 1350 - الأربعاء 17 مايو 2006م الموافق 18 ربيع الثاني 1427هـ