العدد 1349 - الثلثاء 16 مايو 2006م الموافق 17 ربيع الثاني 1427هـ

«الفرص الأخيرة»!

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

في تصريح أدلى به وزير خارجية لوكسمبورغ جان اسلبورن تعليقاً على «الحوافز» التي قدمتها دول الاتحاد الأوروبي في اجتماعها في بروكسل قبل يومين «أنها واحدة من الفرص الأخيرة لحل النزاع من وجهة النظر الدبلوماسية». فالحوافز أو الإجراءات التشجيعية هي «من الفرص الأخيرة» كما قال، وبعدها ستكون للدول الأوروبية مواقف أخرى تتجه نحو فرض عقوبات أو غيرها من خطوات قد تمهد الطريق إلى استخدام وسائل غير دبلوماسية.

لقاء بروكسل هو إطار أوروبي يهدف إلى تعليب الحوافز في حزمة من العروض ترى فيها دول الاتحاد إجراءات كافية لتشجيع إيران على الاقلاع عن مشروع تخصيب اليورانيوم. وهذا الإطار الأوروبي جاء ليستبق اجتماع لندن الذي يتوقع عقده في 19 مايو/ أيار الجاري ويضم الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن زائد ألمانيا.

إلا أن العرض الأوروبي بحاجة إلى موافقات ثلاث جهات حتى يتسنى له الخروج بالأزمة من نفقها المظلم.

الموافقة الأولى لابد أن تكون إيرانية لأنها الجهة المعنية مباشرة بالملف. فطهران تؤكد يومياً أن مشروع التخصيب لا يستهدف إنتاج الطاقة غير السلمية، فهي دولة نامية وتحتاج إليه لضمان تطور اقتصادها واستقلاله في المستقبل. لذلك تشير قيادة طهران السياسية إلى عدم استعدادها للتنازل عن هذا الحق، وهي أيضاً مستعدة للتفاوض بشأنه بشرط عدم إلغاء حقها المشروع في التخصيب.

الموافقة الثانية تتصل بذاك التفاهم الثنائي الصيني - الروسي على رفض نقل الأزمة إلى مكان تستغله الولايات المتحدة لتمرير خطة عسكرية تقوض دولة إيران وتسهم في زيادة التوتر الدولي وتدفع المنطقة نحو مزيد من «الفوضى البناءة». فالتفاهم الثنائي يعمل على منع قيام الحرب، وكذلك يدفع باتجاه ضبط الاستقرار والحد من انتشار الفوضى إلى حدوده. وهذا التفاهم لايزال حتى الآن يدعم طهران في حق التخصيب، ولكن ضمن آليات جديدة تسقط المخاوف الأمنية (المفتعلة) وتعطي ضمانات للدول المعنية بأن النشاط النووي لن يتعدى نطاقه السلمي.

الموافقة الثالثة تتعلق بالولايات المتحدة (الذئب) وحليفها الإسرائيلي. فالحليف يدفع بواشنطن نحو التصعيد ويبالغ في حجم المخاطر الأمنية مستفيداً من انتشار القوات الأميركية في منطقة تعتبر من المجالات الحيوية للجمهورية الإسلامية. فإيران عملياً مطوقة بقواعد عسكرية منتشرة من أفغانستان وباكستان شرقاً إلى العراق وتركيا غرباً، إضافة إلى اساطيلها المبحرة في الخليج وبحر العرب والمحيط الهندي امتداداً إلى البحرين (الأحمر والأبيض). فالحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة في منطقة «الشرق الأوسط» يعتبر أن هذه فرصته لازاحة إيران من المعادلة من خلال تكرار سيناريو العراق (الاحتلال المباشر) أو إعادة سيناريو صربيا على الأقل (تدمير البنى التحتية) عن طريق الضربات الجوية والصاروخية البعيدة المدى.

الموافقات الثلاث إذاً أساسية لضمان نجاح اجتماع لندن يوم الجمعة المقبل والخروج بصيغة متوازنة تتوافق على عدم نقل الملف إلى مجلس الأمن وتعطي فرصة للوكالة الدولية بالبحث مجدداً في آليات تشرف ميدانياً على تطبيق الاتفاق. فالنجاح يحتاج إلى تلك التوافقات. فالموقف الإيراني أساسي في الموضوع من جهة استعداد طهران للتفاوض على مسألة تعتبرها من حقوقها المشروعة دولياً. والموقف الصيني - الروسي أساسي لأنه يشكل ضمانة دولية لإيران من جهة منع «الذئب» من استخدام قوته لفرض شروطه. والموقف الأميركي أساسي أيضاً لأنه يحاول حتى الآن قطع الطريق على التفاوض ودفع الاتحاد الأوروبي نحو سياسة حرق المراحل والقفز عن ما اسماه وزير خارجية لوكسمبورغ «واحدة من الفرص الأخيرة».

المسألة إذاً لاتزال عالقة وتحتاج إلى وقت لتوضيح ملابسات «الحوافز» الأوروبية وما هو المقصود بالمشروع «المدني» وصلته بمسألة التخصيب لاغراض سلمية. فالاتحاد الأوروبي قدم حزمة من العروض تقوم على أفكار غائمة توحي بأنها تنازلت كثيراً، ولكنها عند التدقيق بنقاطها تعطي بعض ما هو مطلوب منها تقديمه. فهل مثلاً المقصود بالفرص الأخيرة السماح لإيران بالتخصيب؟

هذه المسألة تبدو غامضة مع أنها تشكل حجر الزاوية في الأزمة. فإيران تتمسك بها، وروسيا لاتزال تراهن على إمكان الموافقة على عرضها بشأن التخصيب في أراضيها، ودول الاتحاد الأوروبي أبدت استعدادها لتقديم ما اسمته بالتخصيب المدني. بينما «الذئب» يرفض فكرة «التخصيب» أصلاً ويناور على مسألة مكانه في محاولة منه لحرق المراحل وحرف الانظار عن أصل المشكلة.

المسألة إذاً تحتاج إلى تفاوض. واجتماع لندن المقبل لا يعطي «الفرص الأخيرة» وقتها للنقاش، لذلك يرجح ألا يرى النجاح إذا لم تتوافق القوى الثلاث على «الحوافز» ومكان التخصيب وشروطه

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1349 - الثلثاء 16 مايو 2006م الموافق 17 ربيع الثاني 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً