حرب أم لا حرب. هذا ليس السؤال. فاحتمال السيناريو العسكري مطروح بقوة وراء الكواليس. وعادة برامج الحروب لا تطرح على طاولة المفاوضات للنقاش. فالحرب ورقة مستورة لا يعلن عنها إلا بعد قيامها.
مسألة الحرب واردة وهي ليست مجرد شائعة للتخويف وإنما سيناريو الحل الأخير. ومثل هذه الحرب في حال وقعت ستكون لها نتائج خطيرة وصفها المترشح الديمقراطي السابق للرئاسة الأميركية ليندون لاروش في مقال كتبه في 3 فبراير/ شباط الماضي بالقنبلة النقدية، وتوقع أن تؤدي إلى «انهيار كل النظام المالي العالمي». وهذا «الانهيار العالمي» سيعطي فرصة للولايات المتحدة بإعادة التحكم في الأسواق المالية وتوظيفها لمصلحة صناعاتها الحربية.
السؤال إذاً؛ كيف تمنع القيادة السياسية في إيران وقوع هذه الحرب التي يخطط لها «الذئب الأميركي» كما جاء في خطاب الرئيس فلاديمير بوتين الأخير؟
هناك القليل من الأوراق تملكها طهران وهي في مجموعها تتطلب تنازلات قاسية ومؤلمة ولكنها في النهاية قد تنجح في قطع الطريق على «الذئب» لافتراس ضحيته. «الذئب» يريد الحرب وهذا ما خطط له منذ اجتياح العراق واحتلال عاصمته في 2003. و«إسرائيل» هي الطرف المستفيد من وقوعها لأنها ستدفع المنطقة نحو ما يشبه «الانهيار» وستصبح كل الدول في متناول قوتها العسكرية.
الأوراق القليلة التي تملكها طهران يمكن تلخيصها في ثلاث. الأولى الدول الأوروبية وتحديداً تلك التي لاتزال تطمح أن تقدم بعض «الإجراءات التشجيعية» أو الحوافز لإقناع إيران بالتوقف عن برنامج التخصيب. فبعض تلك الدول يطالب مجلس الأمن أو الوكالة الدولية للطاقة الذرية بتقديم ضمانات أمنية بعدم تعرض إيران لمخاطر قد تأتي من دول نووية مجاورة وتحديداً «إسرائيل». وهذه الضمانات الأمنية لابد أن تكون معطوفة على السماح لطهران بالتخصيب المدني. وإذا أقرت الدول التي ستجتمع في لندن يوم الجمعة المقبل هذا «الحافز» فمعنى ذلك أن طهران كسبت جولتها في حق التخصيب السلمي لليورانيوم. فالاختلاف على كلمة «مدني» أم سلمي ليس كبيراً. فالكلمة يمكن توضيح ملابساتها في مفاوضات تعقد في إطار الوكالة الدولية للطاقة.
الورقة الثانية، هي التفاهم الثنائي الروسي - الصيني. فالتفاهم حتى الآن أظهر نوعاً من التضامن السياسي (الحقوقي) مع إيران، كذلك أبدى تحفظاته على مشروع القرار الفرنسي - البريطاني خوفاً من تحوله إلى سلاح حربي تستخدمه الولايات المتحدة تحت غطاء الشرعية الدولية. الموقف الروسي - الصيني يمكن البناء عليه وتطويره في حال نجحت إيران في نسج علاقات خاصة مع موسكو وبكين تقوم على فكرة تفويض الدولتين في تحديد إطار التفاوض مع واشنطن بشأن التعامل مع مسألة التخصيب. وهذا يتطلب من طهران تقديم تصور نهائي لحدود التنازلات القاسية التي تستطيع تقديمها لإرضاء «الذئب» ومنعه من العدوان. فالتفويض الإيراني يقوي التفاهم الثنائي ويعطيه دفعة نحو تزخيم الضغط في إطار التوتر مع أميركا الذي بدأ يرسم خطوط «حرب باردة» ثانية في أفق العلاقات الدولية.
الورقة الثالثة إيرانية بالكامل وهي تتصل بالسلوك السياسي العام للقيادة ودورها في ترتيب علاقات تكتسب من خلالها تطمينات إقليمية ودولية تضمن استقرارها وأمنها وتدافع عن حقها المشروع في إنتاج الطاقة السلمية والبحث عن مصادر بديلة للنفط. فهذا الحق مشروع وكفلته الاتفاقات والبروتوكولات والمواثيق الدولية.
المشكلة تبقى في «الذئب» الذي يخطط للافتراس طمعاً بثروة المنطقة النقدية وخاماتها الطبيعية وموقعها الاستراتيجي. وهذا ما يجب أن يتكفل به التفاهم الثنائي الروسي - الصيني. لأن الثنائي المذكور يملك القوة لوقف «الذئب» عند حدوده.
السؤال إذاً ليس «هل تقع الحرب أم لا؟». الحرب من السيناريوهات المطروحة بقوة حتى لو ناورت دوائر القرار في لندن وواشنطن وتحاشت الإجابة عن السؤال. فالذئب يبحث عن ضحية لتغطية فشله في العراق. وهو أيضاً يخطط للافتراس لأنه من النوع المتوحش الذي لا يشبع مهما قيّض له من فرص السيطرة والتحكم والتسلط. السؤال إذاً يمكن قراءة جوابه بالمقلوب: كيف يمكن منع الحرب من الوقوع؟ هذا هو التحدي
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 1348 - الإثنين 15 مايو 2006م الموافق 16 ربيع الثاني 1427هـ