أخي وصديقي أحمد المعرفي... هو شاعر رقيق المشاعر وإنسان مرهف الحس، الشعر والأحاسيس ورقة وعذوبة الكلام هي من الموروثات المتأصلة في عائلتهم، وجيناتها تدور في فلكهم... صديقي المعرفي بدأ يكتب مقالاته بعدد مرتين في الأسبوع، جميعها تبين مدى حبه للوطن وأهل الوطن، وكل مقال منها يقطر سكّراً وعسلاً من حجم الكلمات الرقيقة والرنانة والحساسة التي تملأ السطور.

في عمود الأمس... كتب أحمد المعرفي عن طريقة التخطيط العشوائي لمنطقة ضاحية السيف، وعن البنايات الشاهقة فيها والتي بجانبها البنايات الصغيرة تعبّر عن عدم تنظيم طريقة البناء، وعن الشوارع الضيقة والحلزونية (مثل درب الحية) والتي تجبر الداخل بسيارته إلى المنطقة على فتح مقلة العين إلى أقصى اتساع ممكن أن تصل إليه حتى يتفادى الاصطدام المحتمل والآتي له من سائق طائش.

ولم ينس صديقي (المعرفي) أن يختم مقاله بطلب قدمه إلى محافظ العاصمة بسرعة شراء أكبر قدر من الأراضي التي لم تعمر حتى الآن، ثم يتم تحويل هذه الأراضي إلى حدائق وملاعب أطفال ومتنزهات عائلية تكون متنفساً لكل من يذهب إلى هناك بسيارته ويدخل في درب الحية، وحتى تخفف من الآثار الجانبية والنفسية لجميع الموظفين الذين تضطرهم مواقع أعمالهم من الدخول إلى منطقة السيف.

طبعاً الصديق العزيز متفائل جداً عندما يطلب من محافظ العاصمة سرعة شراء الأراضي الموجودة في ضاحية السيف والتي لم تعمر بالبناء لحد الآن... لأنه يعمل أو كان يعمل في بنك الإسكان وهو يعلم بأن قطعة الأرض الواحدة تساوي قيمتها النقدية الموازنة المفترضة لمحافظة العاصمة ولمدة عشر سنوات مقبلة... والقيمة الفعلية لكل قطعة أرض هي أكثر من خمسة ملايين دينار بحريني فقط لاغير.

كان عندي صديق (الله يرحمه ويتغمد روحه الجنة)... صديقي المرحوم كانت عنده أرض في ضاحية السيف حصل عليها كتعويض لمزرعة له أخذت للشأن العام... في منتصف تسعينات القرن الماضي (منذ عشر سنوات) صديقي باع أرضه بقيمة 320 ألف دينار، وبعد مرور ثماني سنوات على البيعة ذهب صديقي المرحوم ليعرف كم تساوي قيمة أرضه فوجدها معروضة للبيع بسعر 5,5 ملايين دينار بحريني...

الله يرحمه أخذ يكرر علينا القول أكثر من عشر مرات في اليوم عن الفرق في المبلغ لو أنه انتظر في عملية البيع كم سنة... وأنا دائماً ما كنت أقول له: ومن الذي كان يضمن لك الحياة إلى هذا الوقت، ولو بعتها الآن بهذا المبلغ الضخم وتوفيت غداً فماذا ستفعل بالمبلغ وأنت تعلم بأنه لا يوجد في الكفن أية جيوب.

ضاحية السيف، والمنطقة الدبلوماسية... ومعها ضواحٍ كثيرة قادمة، ومناطق جديدة قادمة أيضاً... هي مناطق مملوكة وموزعة حتى قبل أن ترى النور، وحتى قبل أن نسمع بها... أرض شاسعة لتعديل وضع، وأرض تجارية لتعديل مقام، ومخطط كبير لتعديل قائمقام... أناس تملك هنا، وأناس تبيع هناك، وأناس تبيع النصف وتشتري الأسواق، وأناس تملك وتملك وتملك حتى تتمكن من البشر، ثم تعلك... أرض بمبلغ عشرين مليوناً، وأرض بمبلغ ثلاثين مليوناً، والأرض التي تعطى لأفقر مسئول بمليونين فقط.

أصبحت الأراضي في الضواحي الجديدة كلها مملوكة وتباع وتشترى بأسعار عالية، وأقل ما يطلق عليها هو أرقام فلكية لا يمكن تصديقها... وحتى لو كانت هناك فسحة أو حديقة موجودة في المخطط العام للمنطقة عند تخطيطه الأولي فإنه سرعان ما يتم استملاكها وإعطاؤها لمسئول جديد لزوم تعديل أوضاع.

تعديل الأوضاع... هذه كلمة جديدة هبت علينا ودخلت القاموس العقاري البحريني، تعديل في تعديل، وتعديل قبل تعديل، وتعديل بعد تعديل، وتعديل لزوم التعديل إياه... تعديل لمسئول قديم يحال على التقاعد، وتعديل لمسئول موجود، وتعديل لمسئول جديد... وحتى بعض شيوخ الدين وخطباء الجمعة لم يسلموا من هذا التعديل في الأوضاع الذي أضاف لموازنة أحدهم مبلغ مليون ونصف مليون دينار فقط لاغير.

الأراضي في ضاحية السيف كلها مملوكة، وقيمة القطعة الواحدة منها سعر خيالي... وصديقي المعرفي يريد من محافظ العاصمة شراء الأراضي التي لم تعمر حتى الآن ليحولها إلى حديقة... الحديقة بالإنجليزي تسمى بارك، وعندما تكون بقيمة ملايين الدنانير فإن اسمها سيكون السيف جوراسك بارك